"أهل الكهف".. حكاية 10 أسر تسكن عشش تخلو من صنابير المياه في قلب القاهرة

الثلاثاء، 10 أكتوبر 2017 02:00 م
"أهل الكهف".. حكاية 10 أسر تسكن عشش تخلو من صنابير المياه في قلب القاهرة
جانب من البيوت
ماجد تمراز

كأهل الكهف لا يعرفون عن عالمنا شيئاً، طحنتهم رُحى الحياة، لم يتبقى منهم سوى أجساد تعيش فى غرف ارتسمت الشقوق على حوائطها وأسقُفها، وأحاطط بهم الثعابين والعقارب دون أن ينجدهم أحد، فلا يجدون من يسمع أو يرى آلامهم وشكواهم من ضيق العيش، حتى أصبح ملاذهم الوحيد هو اللجوء إلى الله والتضرع إليه، والتودد لـ«أولاد الحلال» الذين ينظرون إلى حالتهم البائسة بنظرة عطف، فيمنحوهم «شهرية» لا تستطيع أن تجعلهم يحصلون عن قوت يومهم طوال الشهر.

 

22385318_10212766312505663_1586764997_n

 

13 شارع «الركبية» بحى الخليفة، مبنى أثرى مهجور دون سقف، يسكنه 10 أسر يُعانون الفقر المدقع، كل أسرة من الأسر العشر تحتمى بغرفة مٌرقع أعلاها بقطع خشبية تٌشبه الأسقف، يمكنك أن ترى السماء من مختلف أركانها، فلا يمكنها أن تأويهم من حرارة الجو فى الصيف، ولا من قسوة البرد والمطر فى فصل الشتاء، فيعيشون حياة غير التى نحيا فيها، يقاومون الهلاك كل يوم، حتى أصبح الأمر بالنسبة لهم طبيعياً، لا يتمنون من الله سوى مسكن آدمى يليق بإنسان ليعيشون حياة كباقى البشر.

«حمام بلدى» مُشترك لكل من يعيشون فى هذا المبنى، يتشارك فيه الكبار والصغار، الرجال والسيدات، يصطفون فى كل صباح صفاً واحداً ينتظرون حتى ينتهى أحدهم من قضاء حاجته، وعندما يريد أحد المُسنين الدخول، يحضرون له مقعد حديدى أجوف، حتى يتمكن من الجلوس عليه لقضاء حاجته، بدلا من الاستناد على قدميه الضعيفتين، فلا تستطيع أقدامهم أن تحتملهم بعد أن تخطى أصغرهم سناً الـ 70 عام.

22386482_10212766308945574_905554434_n
 

 

22386550_10212766312105653_392543350_n
 

 

هانم إبراهيم السيدة، مُسنة تخطى عمرها الـ 75 عاماً، تعيش ووزوجها منذ أكثر من 25 عام قادمين من الريف، بكلمات تقطر خجلاً بدأت حديثها عن صعوبة الحياة داخل هذا المكان، فتقول: «أعيش فى هذا المكان منذ أكثر من 25 عاماً مع زوجى الذى أهكله مرض القلب، وهو الآن يُعالج فى المستشفى، لدى من الأبناء 5، ولد و 4 بنات، نعيش جميعاً فى غرفة طولها 4 أمتار وعرضها مترين، كنت أنام مع بناتى على الأرض، وابنى ينام بجواز زوجى المريض على "الكنبة"، وعشنا على هذا الحال لسنوات طوال».

«بتكسف أنا وبناتى ندخل الحمام».. بهذه الكلمات استكملت «هانم» حديثها عن صعوبة العيش والدخول إلى الخلاء لقضاء حوائجهم، وقالت: «أشعر بخجل شديد يومياً أنا وبناتى أثناء دخول الحمام المُشترك لقضاء حوائجنا الطبيعية، فهذا الحمام يستخدمه كل الأسر الموجود بالمبنى، ولا نشعر بالراحة لوجود شباب فى انتظار الحمام كلما هم أحدنا لدخوله، على الرغم من تهالكه الشديد، حيث لا يوجد به حنفية مياه ولا مقعد للجلوس، فنستخدم دائما الكوز والكرسى الحديد أثناء قضاء حاجتنا».

22407386_10212766308825571_1818564093_n
 

 

22407578_10212766311905648_1588221469_n
 

 

وناشدت «هانم» المسئولين عن التسكين بتوفير شقة «أوضة وصالة» وحمام مُخصص للسيدات فقط، حتى لا تشعر بالحرج أثناء دخوله هى وبناتها، قائلة: «أنا مش عاوزة حمام ليا لوحدى، أنا محتاجة حمام للسيدات بس يكون له قعدة، عشان بناتى بتتكسف، وأنا ست كبيرة مبعرفش أسند على رجلى لما أدخل الحمام».

ويحكى عم محمد رجب، سائق بشركة الحديد والصلب على المعاش، مآساته هو أبنائه الثلاثة وزوجته المريضة، فيقول باكياً: «نعيش أنا وأبنائى فى هذا المكان منذ أكثر من 30 عاماً أنا وأبنائى الثلاثة، تعانى زوجتى من أمراض مزمنة كالسكر والضغط بالإضافة إلى أنها أجرت عملية استئصال للكلى منذ فترة طويلة، وأنها تحتاج بشكل مستمر إلى دخول الحمام نظراً لتهالك الكلى الثانية الموجودة، ومن الصعب التعامل مع هذا الحمام نظرا لكبر سنها، فتضطر لقضاء حاجتها فى مكانها بعلبة معدنية بجوار السرير».

ويطالب عم محمد بالنظر إلى حالته وحالة أبناءه وزوجته قائلاً: «أبنائى الثلاثة لم يجدوا فرصة عمل حتى الآن وأصغرهم سناً بلغ عامه الـ 25، يحتاجون إلى فرصة عمل حتى يستطيعون تكوين أنفسهم، ونحتاج إلى شقة فى إحدى المدن الجديدة التى تم افتتاحها لاحتضان سكان العشوائيات، نحتاج إلى حياة آدمية بعيدة عن العقارب والثعابين والحمامات الملوثة، نرجو من سيادتكم النظر إلينا وحل مشكلاتنا».

22407690_10212766312465662_1757133225_n
 

 

22414602_10212766312145654_1363725201_n
 

 

زينب محمد على، الشهيرة بـ«أم تامر»، وهى أحد أقدم سكان المنزل تقول: «أسكن فى تلك المنطقة منذ أكثر من 30 عامًا، وهناك هبوط أرضى بالمنزل وأصبح يمثل خطورة داهمة منذ عام 1989، وتقدمنا بالكثير من الشكاوى على مدار تلك المدة أن وجميع سكان المنزل للحى والمحافظة، وكانت النتيجة الوحيدة لتلك الشكاوى هى الوعود إلا مرة واحدة جاءت لجنة ثلاثية لمعاينة المنزل وأمر بهدمه نظرًا لخطورته الداهمة عام 2003، ولم يُهدم حتى الآن"، مُعللة بذلك أن هناك علاقة بين صاحب العقار وبعض العاملين بالحى يمنعون هدمه حتى يستفاد من عائد الإيجار الشهرى الذى يدفعه الـ «غلابة» _على حد وصفها.

استكملت «أم تامر» حديثها: «لا يوجد ماء بدورات المياه، فنحن نعيش حياة لا تعرف عن الآدمية شىء، فزوجة ابنى ستُنجب خلال أيام، ولا يمكنها دخول الحمام بشكل عادى، ولكنها بحاجة إلى حمام مُجهز بمقعد ومياه، لذلك قمت باستخدام أحد الكراسى واستخدمناه كمقعد للحمام لمساعدتها، كما أن هناك صنبور مياه واحد لكل الأسر، ونقف عليه بالطابور حتى يتمكن كل منا استخدامه، وقمنا بعمل جدول خاص به، وأناشد رئيس الوزراء أن ينجدنا مما نحن فيه، فقد يأسنا مما نحن فيه، فأنا إمرأة مُسنة ومُطلقة ولا يوجد مصدر دخل خاص، فأنا لدى 8 أبناء يوجد 3 منهم لم يتزوجو إلى الآن، ومنهم بنت تحتاج إلى من يقف بجوارها حتى تتزوج».

ويروى سامح سيد على، شاب لم يتخطى ربيعه الـ 30، المعاناة التى يعانيها منذ أن مات والديه وتركا له 4 أخوات، فيقول سامح: «أبى وأمى ماتا فى حادث أليم منذ أكثر من 20 عام، وتركوا لى أخوتى أطفال صغار أحدهم كان رضيعاً، عشنا نحن الأربعة فى هذه الغرفة التى لم تتعدى مساحتها الـ 5 أمتار طوال هذه السنين، تمكنت من تزويج أختى على الرغم من عدم وجود وظيفة ثابتة، فأنا أعمل يوم و10 لا، وساعدت باقى أخوتى حتى الشباب حتى تزوج أحدهم».

وأضاف «سامح» بعد أن خجل فى البداية من استكمال حديثه: «أحتاج إلى شقة تأوينى أنا وإخوتى، بدلا من هذه الغرفة التى لا تحمينا من حرارة الشمس فى الصيف ولا قسوة البرد فى الشتاء، كما أن أختى بعد تزوجت، حدثت بعض المشكلات بينها وبين زوجها، فعادت مرة أخرى إلى الغرفة، وعاد الوضع كما كان فى السابق، وأطالب المسئولين بالنظر إلى حياتنا نظرة شفقة، ويحمون إذا كانت هذه الحياة آدمية تصلح للإنسان أم لا، خاصة وأن الغرفة بها هبوط أرضى شديد، ويمكننا رؤية الورشة التى تقع أسفل الغرفة بالكامل، ويمكن أن نسقط عليها فى أى وقت».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق