الجندى المصرى: تحية إلى طين الأرض الطاهر

الأحد، 08 أكتوبر 2017 12:00 م
الجندى المصرى: تحية إلى طين الأرض الطاهر
محمد حسن الألفى يكتب:

أول جيش نظامى فى العالم، هو الجيش المصرى، أعظم جيش فى العالم كان الجيش المصرى، من تركيا إلى الصومال، ومن العراق إلى ليبيا امتدت أراضى الإمبراطورية المصرية، أول نظام تجنيد إلزامى فى التاريخ أدخلته العسكرية المصرية، وأول وأعقد نظام استدعاء للخدمة الوطنية عرفته البشرية، كان من وضع القادة العسكريين المصريين. 
 
وكالعادة كان أبناء الشعب المصرى، هم جنود الجيش المصرى، مشاة وقادة وملوكا، وهو فى الأدبيات العسكرية يعد السر الأعظم فى تحقيق الانتصارات العسكرية، وفى تصنيع المركبات الحربية، وفى قهر الأعداء خارج حدود الوطن، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، بفضل مصرية الجيش، والرؤية الاستراتيجية المبكرة لقادته، رغم أن البشرية كانت فى ظلمات الجهل والبداوة وقتئذ.
 
محمد على، والى مصر، أعاد بناء الإمبراطورية المصرية، وفتح المدارس الحربية، ومصانع السلاح والذخيرة، وبنى الأسطول البحرى المصرى، وغزا الشام والحجاز، وهزم الأسطول اليونانى فى معركة المورة، وطرق أبواب الخليفة العثمانى بقوة الجندى المصرى.
 
 والجيش المصرى هو الذى خطط أبناء أحرار فيه لانقلاب على الملك فاروق، وعلى فساد الأحزاب السياسية، وعلى تردى الأوضاع، وانتشار الجهل والفقر والمرض، وبالوطنية الحارة الملتهبة فى النسيج الشعبى والتى تسكن العروق، تحول الانقلاب إلى ثورة شعبية كان الجيش نداءها وطليعتها، وهكذا أعاد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بناء الجيش المصرى، وفقا لأحدث النظم العسكرية، ولولا الصداقة الغريبة القاتلة بين ناصر وعامر لصار لمصر قائد عسكرى أكثر علما وثقافة ومتابعة للفكر الاستراتيجى، ولولا الاستبداد ما كذب الإعلام المصرى، ليروج أننا صنعنا القاهر والظافر، وأننا على أبواب تل أبيب!
أذكر أننى كنت فى السنة الثانية من المرحلة الثانوية، حين لاحت نذر الحرب مع إسرائيل وأغلق عبد الناصر خليج العقبة، وتهيأت البلد كلها للحرب، وكنا نتدرب على حمل السلاح، وبعض فنون القتال العسكرية باليد وبالسونكى، وكنا نرتدى زى الفتوة، الذى كان شائعا لزوم حصة الفتوة الأسبوعية بالمراحل الثانوية. 
 
تلك أيام خلت..
من شدة حماسنا وثقتنا فى صواريخنا والمشير رحنا نمضى بجرادل البوية والجير وفيها الفرشاة العريضة، ونمر على الحيطان وأكتب «موعدنا قريب فى تل أبيب» و «لله دركم أيها العرب». 
ثم وقعت المصيبة والهزيمة.
 
كنا أصلا استنزفنا فى حرب اليمن مالا وقادة وجنودا، فى روايات بلغ عدد الشهداء والمفقودين خمسة عشر ألف شهيد، فلما نصب لناصر فخ سوريا وضرورة الدفاع عنها بخبر كاذب من الاتحاد السوفييتى، هرول فحشد القوات فى سيناء، وتركها فريسة لاستنطاع المشير وبدائية علمه، وللطيران الإسرائيلى، مضى يحصدها حصدا. 
 
معارك كبريت ورأس العش وإيلات كانت ملاحم عظيمة، أظهرت أن الجندى المصرى لم يحارب فى عام ١٩٦٧، وأنه مع الإعداد والتسليح والتثقيف والتدريب، يكسب الحرب.
 
وهو ما آمن به البطل الراحل أنور السادات، الذى أعد الجيش واختار القادة، وتابع وحاسب مر الحساب كل من تكاسل أو راوغ أو تهاون فى إمداد الجيش بما يحتاجه. كلنا فى ذلك الوقت ارتدينا الكاكى، أروع الألوان، ولم يكن هناك بيت مصرى، ليس فيه جندى مقاتل، مؤهلات عليا مدربة على التكنولوجيا الروسية ومؤهلات متوسطة مدربة فى المعاهد الفنية وفى المعسكرات، وكانت تكنولوجيا الروس وقتها هى الوحيدة التى أتيحت لنا.
 
وأذكر أننى خدمت فى كتيبة صواريخ سام ٧ بالكيلو ١٢ على طريق الصالحية إلى الجبهة، وتعلمت رغم أميتى العملية العلمية الكاملة العمل على شاشة الرادار، لأرصد حركة الطيران الإسرائيلى وتحديد الإحداثيات. 
 
وفى ليالى فك الكتيبة، وتحريك الصواريخ، وإعادة التركيب، اكتشفت مدى القدرات التى تكون فينا ولا نعلم عنها شيئا، ففى بضع ساعات كنا نتدرب على مغادرة الكتيبة بمعداتها وأفرادها كاملة، ويتحول كل جندى وضابط إلى محطة طاقة لا تنفد، ويتم تنفيذ كل مراحل التحرك فى الثوانى المخطط لها!
 
كنا نموت من التعب، فيتجدد النشاط، ويتوغل فى قدراتنا، أعمق وأعمق، فنكتشف أن لدينا المزيد، لم أكن الجندى مقاتل محمد حسن الألفى الوحيد، الذى عرف مخزونه التاريخى من عصر مينا إلى عصر السادات، مخزون الصبر والجلد والتحمل والتصرف والحماس، بل كان كل أفراد طاقم المحطة، ومعنا الملازم أول أيامها فرج شحاتة فرج، قد علموا أنهم يتمتعون بقدرات خفية تخرج تحت الصغط، وأنهم لذلك خير جند الله فى الأرض. 
 
بذلك انتصرنا.. وننتصر.. الجندى المصرى يمتلك فى ذاته صبرا ليس كمثله صبر، وشجاعة ليس كمثلها شجاعة، ووطنية جياشة مستبدة طاغية هى دمه فى عروقه، وهى زاده فى الدفاع وفى الاستبسال وفى الرغبة العاتية فى تحقيق النصر أو الشهادة.
 
بهذه العقيدة المخلصة للوطن، قاد الجندى المصرى المشير حسين طنطاوى معركة الصبر والثبات، وقت تحالف الإخوان والعملاء فى الداخل على الوطن، وخططوا لتفكيك الجيش، الذى هو القلب والعقل والذراع فى كل تاريخ الدولة المصرية، ولقد نجح بالعقل والمهارة والمعلومات والثبات فى أرض القتال فى شوارع مصر وميادينها.
 
وبهذه العقيدة الوطنية المخلصة، أن افتدى الوطن أو أموت دونه، قاد الجندى عبدالفتاح السيسى البلاد ولا يزال، نحو دحر الإرهاب، وإعادة البناء، بناء الاقتصاد والقدرات والتعمير، والتكلفة قاسية وباهظة، لكن الانتصار، يلوح فى الأفق بإذن الله. 
 
جيش مصر، هو الشعب المصرى، وفى التاريخ لم يهزم شعب هو جيش! 
تحية لكل عين ساهرة على الحدود وداخل البلاد، وخلوا السلاح صاحى، لأن العدو وضيع غدار.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة