* أحد المرضى: «الأدوية سعرها غالى ومش موجودة.. إحنا بيتحكم علينا بالموت»، وآخر: «الأدوية تحولت إلى هم للمرضى»
* رئيس لجنة الصيدليات: أدوية الإنترنت خارج سيطرة الرقابة.. وقد تكون منتهية الصلاحية
* أسامة رستم: السوق تعانى فوضى واضحة.. والوزير فى مكتبه
تصريحات متضاربة، ووعود لا يتم تنفيذها، واتهامات متبادلة بين الشركات المنتجة ووزارة الصحة، ذلك هو المشهد العام فى سوق الدواء المصرية التى تعانى من ارتباك وفوضى حقيقية بسبب أزمة نقص الدواء المستمرة منذ وقت طويل، التى يدفع ثمنها المريض المصرى، فى الوقت الذى كشفت فيه «صوت الأمة»، عن سوق رائجة لتداول وبيع المستحضرات الطبية من خلال صفحات سرية على الإنترنت، تعلن فيه عن توافر جميع أصناف الدواء وبأى كمية.
قبل الدخول فى تفاصيل التحقيق، يجب الإشارة إلى بعض الخطوات التى أعلنت عنها وزارة الصحة، فى السابق لعلاج أزمة نقص الدواء، والذى تعهد خلالها الدكتور أحمد عماد وزير الصحة الحالى بتوفير كامل الأدوية للمرضى.
فى السادس من شهر مايو عام 2016، أعلن الدكتور أحمد عماد القرار الوزارى، عن موافقة مجلس الوزراء إقرار زيادة سعر الأدوية التى تقل قيمتها عن 30 جنيها بنسبة 20%، وذلك بهدف مساعدة الشركات على إنتاج الأدوية ذات الأسعار المنخفضة بهدف القضاء على أزمة نواقص الأدوية.
وبعد أقل من مرور 6 أشهر، من قرار زيادة سعر الدواء، أعلنت عن تحريك جديد لأسعار الدواء بسبب تعويم الجنيه، على الرغم من تأكيد وزير الصحة فى تصريحات سابقة على رفضه إقرار هذه الزيادة وهو ما عبر عنه نصا بقوله: «على جثتى زيادة سعر الدواء مرة أخرى وأن أرباح شركات الدواء تصل إلى 20%».
هو القرار الذى أدى إلى نشوب أزمة كبرى بين الوزارة وشركات الأدوية من جهة وبين نقابة الصيادلة والعديد من المراكز الحقوقية ومنها مركز الحق فى الدواء الذين أكدوا أن قرار الزيادة استجابة لضغوط الشركات ولن ينجح فى أزمة النواقص.
حكايات من دفتر معاناة المرضى
«الأدوية سعرها غالى ومش موجودة، إحنا كده بيتحكم علينا بالموت»، هكذا بدأ محمد محمود عامل بناء، 59 عامًا معاناته مع نقص الأدوية، وخاصة علاج الضغط الذى بدأ يعانى عجزًا واضحا فى الصيدليات، وهو ما يضطره للحصول عليها بأسعار مغالى فيها من قبل البعض الذين يستغلون هذه الأزمة فى الحصول على أرباح مالية غير مشروعة.
وقال عبد الرحمن السيد، موظف بالمعاش: «الأدوية تحولت إلى هم للمرضى ووجع آخر يضاف على آلام المرض، بسبب اختفائها وخاصة أدوية الأورام، التى يلزم توصية من أحد كبار الأطباء من أجل الحصول عليها».
قصة أخرى من دفتر المعاناة، الخاصة بالسيدة «م، م»، التى تعانى من متاعب فى القلب وتستلزم الحصول على أدوية بعينها تعانى من نقص فى السوق منذ فترة طويلة، وهو ما تعبر عنه بقولها «كل ما أسأل صيدلى يقولى ما بينزلش فى السوق، وما تدوريش عليه علشان مش هتلاقيه»، وهو ما جعلها تلجأ لأحد أقاربها فى إحدى الدول العربية للحصول عليه من هناك.
الدكتور ثروت حجاج، رئيس لجنة الصيدليات بنقابة الصيادلة، قال: تجارة الأدوية عبر الإنترنت، موجودة منذ فترة ولكنها تشهد ازدهارا فى الوقت الحالى بسبب أزمة نواقص الأدوية التى تشهدها السوق المصرية، والتى تمتد لتشمل أكثر من صنف دوائى ومنها أدوية القلب والضغط والسكر والأورام وغيرها، لذلك يجب على الدولة ممثلة فى وزارة الصحة التحرك بسرعة لمواجهة هذه الظاهرة من خلال التحرك فى محورين:
الأول هو العمل على حل أزمة النواقص وتوفير الدواء للصيدليات، والرقابة المستمرة على شركات الإنتاج والتوزيع، وخاصة الأخيرة لأن البعض منها يعمل على توزيع الدواء بصورة غير مشروعة على العيادات والمستشفيات الخاصة، دون الصيدليات، من أجل تحقيق أرباح مالية ضخمة.
والمحور الثانى؛ هو القيام بحملات توعية مستمرة، للتأكيد على أن المصدر الوحيد المعتمد والآمن، لشراء الأدوية هى الصيدليات، التى تخضع لنظام رقابى صارم من قبل وزارة الصحة وإدارة التفتيش الصيدلى، بخلاف أدوية «الإنترنت» التى لا تتم مراقبتها وقد تكون منتهية الصلاحية «إكس باير»، أو مغشوشة.
«كلام فاضى صادر عن غير مختصين»، هكذا عبر الدكتور رستم، نائب رئيس غرفة الأدوية فى اتحاد الصناعات، عن رفضه لاتهامات الشركات المنتجة باتباعها ممارسات احتكارية سمحت بوجود سوق موازية.
وأوضح رستم: أن الحديث عن زيادة نسبة العجز فى النواقص لا يمكن التأسيس عليه لأن هناك تضاربا فى تحديد النسبة بدقة، بسبب الاختلاف بين قوائم وزارة الصحة ونقابة الصيادلة وذلك يرجع لعدم اتفاق الطرفين على مفهوم النواقص.
ففى الوقت الذى تؤكد فيه وزارة الصحة على أن أى دواء يوجد له مثيل لا يعد من النواقص، طالما له نفس المفعول وهو ما لا تعترف به نقابة الصيادلة.
وأكد رستم أن سوق الدواء تعانى من عشوائية واضحة، ولا تدار بأسلوب علمى، بسبب اعتماد الوزير على التقارير الواردة له من موظفيه، ضاربا مثالا على ذلك بقوله: لو فرضنا أن هناك نقصا فى دواء معين وقام أحد المستوردين بجلب 600 ألف علبة من الخارج، فسيتم الإعلان من قبل مكتب الوزير عن توافر هذا الدواء اعتمادًا على تلك الشحنة، على الرغم أن تلك الكمية قد تكون تم توزيعها على الشركات والمستشفيات الخاصة دون الصيدليات، لذلك يجب على الوزير ترك مكتبه وتفعيل نظرية التتبع، لتحقيق الانضباط فى واحدة من أكبر الأسواق الدوائية فى العالم، وهى السوق المصرية بقيمة تصل إلى 50 مليار جنيه سنويا، موزعة كالتالى؛ حجم المواد خام المستورد بـ2.6 مليار دولار، والأدوية الواردة من الخارج تصل إلى 4 مليارات جنيه.
وقال محمود فؤاد، رئيس مركز الحق فى الدواء: إن المركز رصد خلال الفترة الماضية ازدهار بيع وتداول الأدوية عبر صفحات الإنترنت التى يقوم عليها للأسف الشديد، المختصون بالملف الدوائى، وخاصة خلال الأشهر التى تزدهر مبيعات الأدوية خلال موسم الشتاء وتحديدا من شهر 10 لـ5، فلا يتم الحديث عن نقص فى دواء معين إلا ويتم الإعلان عن توافره بأى كمية وبأسعار مضاعفة على الإنترنت.
وأكد فؤاد أن المركز تقدم بالعديد من البلاغات لوزارة الصحة ممثلة فى الإدارة المركزية للصيدليات، ولكن لم تجد الاهتمام الكافى، على الرغم أن العديد من الجهات الدولية حذرت من خطورة هذه الأدوية المباعة على الإنترنت، ومنها منظمة الصحة العالمية التى أشارت فى بيانها الصادر عام 2014 إلى أن 80% من الأدوية المباعة على الإنترنت مغشوشة، وأن مصر ضمن أولى خمس دول فى تجارة هذه الأدوية بحجم مبيعات يصل على 12 مليار جنيه.
من ناحية أخرى، قال الدكتور الصيدلى عماد حويلة بمحافظة كفر الشيخ، إن المحافظة تعانى نقصًا كبيرًا فى الأدوية، على الرغم من ارتفاع أسعارها، وتلك الأصناف يكون هناك عليها إقبال كثير من المواطنين، بسبب امتناع شركات الأدوية، المنتجة لهذه الأصناف، عن إنتاجها منذ إعلان الحكومة تحرير سعر الصرف، حتى أصبحت هذه الأصناف، تختفى تدريجيًا، وأصبح الحصول عليها من جانب المريض، حلما صعب المنال.
وأضاف أن الأصناف التى بها نقص شديد، هى البنسلين طويل المفعول، وأسبرين لحماية القلب، وحقن زوفيراكس، وسيدتستون، للوقاية من الفيروسات، وأمراض النخاع الشوكى، وشراب وأقراص البوتاسيوم، لمن يعانون نقص البوتاسيوم من حاملى الأمراض المختلفة، وسومازينا حقن ونقاط، وأوكسيبرال كبسول.
ولفت إلى أن هناك نقصًا شديدًا أيضًا فى أدوية موانع الحمل، مثل جيفرا، وياسمين، وسلاست، وأقراص سيكلوبروجنوفا الخاصة بهرمونات السيدات، وتوبرا ديكس دهان وماء قطرة العين، ونيوروتوب لعلاج الصرع، موضحًا أن الأمر الآن يحتاج مراجعة المريض للطبيب بشأن تدوين أدوية بديلة تحتوى نفس المواد الطبية، المصنعة من نفس الأدوية التى بها نقص فى الصيدليات.
وفى السياق ذاته، قال الدكتور محمد كمال، الأمين العام لنقابة الصيادلة، بكفر الشيخ، إن النقابة الفرعية تتقدم بتقارير شهرية للنقابة العامة للصيادلة بالقاهرة، تتضمن نقص أصناف الأدوية، وفق شكوى الصيادلة على مستوى المحافظة، بناء على طلب الجمهور من أصحاب الأمراض.
وأضاف أن من ضمن هذه التقارير، توصيات من نقابة كفر الشيخ، بشأن مطالبة وزير الصحة بتوجيهه الأطباء، بتدوين المادة العلمية الطبية الفعالة الموجودة بالأدوية الناقصة، فى «روشتة» المريض، بعد توقيع الفحص الطبى عليه، حتى يصرف له الأصناف المتوفرة بالصيدليات، التى تحتوى على تلك المادة، ما يسهم فى حل مشكلة نقص الأدوية، ولكن دون جدوى.