تعداد مصر 2017 يفجر كارثة زواج القاصرات..محاكم الأسرة تمتلئ بقضايا القاصرات.. ويد الأزهر قصيرة عن محاسبة أئمة تزويج الفتيات تحت السن

الثلاثاء، 10 أكتوبر 2017 12:00 م
تعداد مصر 2017 يفجر كارثة زواج القاصرات..محاكم الأسرة تمتلئ بقضايا القاصرات.. ويد الأزهر قصيرة عن محاسبة أئمة تزويج الفتيات تحت السن
مايا مرسى و أحمد الطيب
طلال رسلان

داخل أروقة محكمة الأسرة ببندر المنيا، وقفت «أمل» بملامح سيدات الصعيد المألوفة، وعلى ذراعها رضيعة لم تكمل عامها الأول بعد، جاءت من قريتها التى تبعد نحو 15 كيلومترا من البندر، لحضور جلسة قضية خلعها من زوجها.
 
فى جمل بسيطة متقطعة لخصت أمل حكايتها، التى وصفتها قولا واحدا بـ«المرة العلقم»: «من ساعة جوازى ما شفتش يوم حلو، ما كنتش فاهمة يعنى إيه جواز وبيت وعيال، خدوا منى زهرة شبابى، ما شربتش غير المرار، انضربت لما شبعت، ومش فاهمة ليه، كفاية كده، ربنا كريم وهيخلصنى من اللى أنا فيه، يا إما هخلص من حياتى».
 
قبل ذلك المشهد بعامين، وفى يوم ليس كبقية الأيام دخل محمود الدكش، أب لـ5 بنات، متهللا إلى منزله الكائن فى قرية البرجاية إحدى قرى محافظة المنيا فى صعيد مصر، نادى بصوته الرخيم: «يا أم سعاد، انتى فين، تعالى أبشرك، أمل جالها عريس».
 
أتت السيدة أم سعاد مسرعة تحاول أن توارى فرحتها، هل ما سمعته كان صحيحا؟، «أمل مين يا راجل، أمل بنتنا، مين، وامتى، وإزاي؟».
لوهلة تذكرت الأم، التى سرعان ما تجمدت فرحتها، أن «أمل» بنتهما الوسطى لم تبلغ الحُلم بعد والبنت ما زالت قاصرا!.
اقترب الأب منها مسرعا ولملم كلماته وقال لها «بالفم المليان»، بعد أن قرأ أفكار الأم: «وهى أمل يعنى أكبر من نحمده اللى اتجوزت قبلها، يالا خلينا نخلص منهم يا ولية، مش كفاية خلفة البنات عليا، ما أسمعش حسك لحد ما نتفق ونخلص مع ابن الحلال».
 
مثل غالبية المجتمع الصعيدى وافقت الأسرة على العريس «عشان يخلصوا من البنت»، رغم صغرها، وبطبيعة الحال سيكون الجواز غير موثق، يعقده شيخ القرية، الذى طالما يهرب من رقابة وزارة الأوقاف، بلا قانون ينظم ذلك، والبنت بطبيعة الحال ستسرقها سكينة الفرحة والفستان والكوشة.
 
إمام القاصرات
قبل أيام أحالت النيابة الإدارية إمام مسجد الأربعين بقرية ميت حبيب بمدينة المحلة الكبرى للمحاكمة العاجلة، وذلك على خلفية اتهامه بالتورط فى تزويج ما يقرب من 27 فتاة من الفتيات القاصرات اللائى لم يبلغن السن القانونية بالقرية التى يعمل بها إماما للمسجد والتابع للجمعية الشرعية، وذلك بناء على تحقيقات القضية رقم 13 لسنة 2017، والتى باشرها محمد الأدهم – رئيس النيابة، بإشراف المستشار عبدالفتاح علام - مدير النيابة الإدارية للتعليم والبحث العلمى بالمحلة الكبرى.
 
بناءً على شكوى إحدى الأمهات المقيمة بالقرية من قيام إمام المسجد بالقرية (المتهم) بتزويج ابنتها وتزويج العديد من الفتيات القاصرات اللائى لم يبلغن السن القانونية زواجا عرفيا غير موثق بزعم أن هذا الزواج حلال شرعا، وذلك حتى بلوغ الفتيات السن القانونية وإتمام الزواج بصورة رسمية، وذلك أمام المأذون الشرعى بالقرية، وحتى ذلك الميعاد يقوم المتهم بتحرير إيصالات أمانة على الزوج والاحتفاظ بها عنده لحين إتمام الزواج الرسمى تحايلا على القانون.
 
وبسؤال الشاكية قررت أن زوج نجلتها والذى تزوجها بعقد عرفى حرره له المتهم نظرا لكونها قاصرا لم تبلغ السن القانونية، وعقب وصول نجلتها للسن القانونية للزواج رفض الزوج اتمام الزواج بالصورة الرسمية أمام المأذون وعليه ذهبت الشاكية إلى المتهم تطالب بإيصالات الأمانة المحررة من الزوج للضغط عليه والتى توجد بحوزة المتهم إلا أنه رفض إعطاءها الإيصالات وأبلغها بأن الزوج رفض الزواج بالفتاة رسميا رغم علمه بأنها حامل بالشهر السابع من تلك الزيجة غير القانونية، وأضافت بالتحقيقات أن نجلتها وضعت مولودها بالفعل وحركت دعوى إثبات نسب ضد زوجها الذى رفض الاعتراف بالزيجة أو الطفل. 
 
وأن المتهم يقوم بذلك نظير مقابل مادى وعينى من اللحوم والطيور يتكفل به ذوو الزوج عقب اتمام الزيجة.
 
زواج القاصرات وتعداد مصر 2017
منذ أيام وتحظى قضية زواج القاصرات باهتمام بالغ من المجتمع، مفارقات بين القانون الحالى وتوجهات الدولة وفعاليات المجتمع من جهة، وبين الواقع من جهة ثانية، فى ظل مخاطره وعواقبه الصحية والنفسية والاجتماعية المتعددة، حيث يتسبب زواج الأطفال فى ظهور مشكلات صحية جسدية ونفسية بين الفتيات المتزوجات فى سن مبكرة، الأمر الذى يهدد بزيادة انتشار الأمراض المختلفة بين أفراد المجتمع من أهمها سوء التغذية والتقزم والأنيميا علاوة على التفكك الأسرى.
 
وفى حفل إعلان «تعداد مصر 2017»، والذى نظمه الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، ألقى رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى الضوء على ضرروة التصدى لظاهرة الزواج المبكر، من خلال تأكيده على أهمية الحفاظ على البنات القاصرات من هذه الظاهرة الخطيرة، مبديا تعجبه من عدد المتزوجات فى سن الـ12، قائلا: «إحنا قاسيين أوى على أولادنا وبناتنا.. فوجئت بأن عدد المتزوجات فى سن 12 عاما ليس بسيطا.. بنت عندها 12 عاما، نحملها مسئولية زواج وبيت.. انتبهوا لأولادكم وبناتكم لأن ذلك يؤلمنى ويؤلم أى إنسان عنده ضمير حقيقى واهتمام حقيقى بأبنائه وبناته».
 
الحكومة تنتفض.. والقانون غير موجود
ولم تمض سوى ساعات قليلة على حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن زواج القاصرات، لتكشف الحكومة ممثلة فى وزارتى الصحة والعدل عن الانتهاء من إعداد قانون لتجريم زواج الأطفال ممن هم أقل من 18 عاما.
 
وقال مصدر قضائى بوزارة العدل، إن مشروع القانون الخاص بتجريم الزواج المبكر للفتيات من المنتظر أن يناقش بمجلس النواب خلال دور الانعقاد القادم، مشيرا إلى أن قسم التشريع بالوزارة يعكف حاليا على مراجعة المشروع والانتهاء منه.
 
وأضاف المصدر، أن مشروع القانون يجرم الزواج لأقل من 18 عاما، مشيرا إلى أنه يتضمن عقوبات رادعة لتجريم زواج القاصرات ويجمع بين السجن المشدد والغرامة.
 
وقال المصدر، إن مشروع القانون يعتبر زواج الفتاة أقل من 18 عاما بأنه عنف ضد المرأة، يشمل تجريمه كل من شارك فى الأمر سواء كان المأذون من خلال التلاعب بالأوراق والتزوير، أو كان أهل الفتاة أو كل من شارك فى توثيق هذا الزواج.
 
وربط المصدر بين مشروع القانون وبين مشروع القانون الذى أعدته الوزارة من قبل بشأن المأذونين، والذى وافق عليه مجلس الوزراء، وتتم مراجعته بمجلس الدولة تمهيدا لمناقشته فى البرلمان خلال دور الانعقاد الثانى، موضحا أن المشروع يتضمن تطوير عقود الزواج والطلاق، واتخاذ بعض الإجراءات اللازمة بشأن عدم التلاعب أو التزوير.
 
وتابع: من بينها اعتماد بطاقة الرقم القومى لمعرفة سن الزوجين عند الزواج، كشرط أساسى لتحرير عقد الزواج، وبالتالى إلغاء اعتماد المأذون على شهادة تسنين الزوجة، والتى يعتمد عليها بعض المأذونين، وهو أمر يؤدى لانتشار الزواج المبكر أو ما يعرف بزواج القاصرات.
 
وبشأن عقود الزواج وما تضمنه مشروع القانون فى هذا الأمر قال المصدر، إنه تم التأكيد على وضع علامة مائية حتى يضمن عدم التزوير، كما ألزم المشروع المأذون أن يحرر الوثائق بنفسه، وبخط واضح بلا محو أو شطب أو كشط، وفى حال وقوع خطأ إذا وقع خطأ يجب عليه أن يؤشر على الكلمات الزائدة، وهى كلها إجراءات تهدف إلى تأمين عقود الزواج.
 
وكشفت نتائج تعداد سكان مصر، أن عدد السكان فى 2017 سجل 94 مليونا و798 ألفا و827 نسمة، مقابل 72 مليونا و713 ألفا فى عام 2006، وبلغ معدل النمو السكانى 2.56 % سنويا، ويعتبر معدل النمو السكانى خلال الفترة من 2006 إلى 2017 المقدر بـ2.56 % أعلى من معدل النمو خلال الفترة من 1996 إلى 2016، التى سجل معدل نمو السكان سنويا خلالها 2.04 %.
 
وأوضحت نتائج التعداد أن إجمالى نسبة المتزوجين فى مصر من جملة سكانها بلغ 68 %، بينما نسبة المتزوجين الذكور بلغت 65.9 % من إجمالى السكان، مقابل 70.2 % إناث، مشيرة إلى أن 10.7 % من الإناث فى مصر أرامل، مقابل 2.3 % للذكور، و 1.7 % منهن مطلقات، مقابل 0.9 % للذكور، لافتا إلى أن نسبة من لم يتزوجوا من إجمالى السكان «18 سنة فأكثر» بلغت 17 % للإناث و 30.7 % للذكور.
 
وبيَّنت النتائج أن نسبة السكان المصريين فى سن العمل من 15 - 64 عاما سجلت أعلى نسبة من إجمالى السكان بـ61.9 %، بينما بلغت نسبة السكان المصريين كبار السن «65 سنة فأكثر»، 3.9 %، بينما كشف التعداد عن وجود نحو 21 مليونا و900 ألف مواطن لم يلتحقوا بالتعليم بنسبة 26.8 % من إجمالى السكان «من سن 4 سنوات فأكثر»، فيما يوجد 5 ملايين و986 ألف مصرى متسرب بنسبة 7.3 %. 
 
وبلغت نسب زواج القاصرات فى المحافظات، القاهرة 9.10 %، بنى سويف 3.80 %، الجيزة 8.10 %، الفيوم 3.60 %، الشرقية 7.70 %، أسوان 1.60 %، المنيا 6.90 %، الإسماعيلية 1.40 %، البحيرة 6.70 %، دمياط 1.30 %، الدقهلية 6.40 %، السويس 0.70 %، أسيوط 5.90 %، بورسعيد 0.70 %، القليوبية 5.80 %، الأقصر 0.50 %، الغربية 5.00 %، مرسى مطروح 0.40 %، الإسكندرية 5.00 % البحر الأحمر 0.30 %، سوهاج 5.00 % الوادى الجديد 0.30 % المنوفية 4.80 %، شمال سيناء 0.30 %، قنا 4.30 % جنوب سيناء 0.10 %، كفر الشيخ 4.00 %.
 
القوانين وحدها لا تكفي
ومن جانبها، قالت النائبة سوزى ناشد، عضو اللجنة التشريعية لمجلس النواب، إن أزمة الزواج المبكر لا تتمثل مواجهتها فى القوانين فقط، لأن تشريعات التجريم موجودة لكنها وحدها لا تكفى، فنحن نحتاج لوعى ورقابة وتفعيل لتلك العقوبات المنصوص عليها بالقوانين.
 
وأشارت «ناشد» إلى أن حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن زواج فتيات فى سن 12 عاما بالقرى والنجوع صحيح ويمثل أزمة كبيرة، وهناك أطفال يصل عمرهن لـ 10 أعوام ويتزوجن، وذلك ينتشر فى الصعيد والقرى والأماكن التى ينخفض فيها مستوى التعليم ونشر الأفكار المغلوطة، خاصة أن هناك فتاوى تسمح بذلك فمن يفعل ذلك يعتقد أنه ينفذ الدين.
 
وشددت على أن القانون وحده لا يكفى، فنحن لدينا تشريع يجرم من يتزوج أقل من 18 عاما ونسعى لتعديله ليكون 21 عاما، ولكن هناك منظومة كاملة تحتاج للنظر إليها، منها الوعى والتعليم والفهم، فهناك حاجة ملحة لإحداث وعى مجتمعى من جانب الجميع من ضمنها وسائل الإعلام والمنابر الدينية ووسائل التواصل الاجتماعى.
 
وأوضحت أنه من الضرورى تغليظ عقوبة من يزور شهادات التسنين للفتيات، مؤكدة أن الزواج المبكر يمثل قضية أمن قومى تحتاج للنظر إليها وتعديل منظومتها بشكل عاجل.
 
وفى السياق ذاته، أكد النائب كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب، أن أزمة الزواج المبكر فى الصعيد لفتيات يصل عمرهن لـ 12 عاما مشكلة حقيقية ترتبط بالعادات والتقاليد المصرية، حيث يرى أهالى الريف أن زواج الفتاة فى هذه السن فخر لهم، وهذا غير صحيح، لأن زواجها يكون عبئا على نفسها وعلى الأسرة وعلى الدولة كلها.
 
واعتبر «عامر» أن السن المثالية لزواج الفتاة لا بد وأن تكون 21 عاما لتكون الفتاة قد نضجت وقادرة على أن تتعامل مع المجتمع، قائلا: «تزويج الفتاة فى عمر 10 أعوام هذا هو قمة ظلم الإنسان لأخيه».
 
وأشار إلى أن اللجنة تناقش بالتنسيق مع لجنة التضامن الاجتماعى تحت قبة البرلمان، مشروع قانون لمواجهة زيادة التعداد السكانى، وسيتم خلاله بحث كل الآليات التى تحد من الزيادة السكانية والتى من ضمنها الزواج المبكر فى الصعيد.
 
وأكد الدكتور عبدالهادى القصبى، رئيس لجنة التضامن الاجتماعى والأسرة بمجلس النواب، أن الرئيس السيسى يولى اهتماما خاصا للتعداد السكانى نظرا لأهميته فى التخطيط والاستفادة من الأرقام التى يقدمها وتحديد حجم المشكلات الموجودة بالدولة وتحديد التمويل المطلوب لها، مشيرا إلى أن الجهاز المركزى للإحصاء بذل مجهودا كبيرا فى إعداد البيانات الدقيقة.
 
وأضاف «القصبى» أن الرئيس السيسى أكد على ضرورة الاستفادة من البيانات الواردة فى التعداد السكانى، خاصة فى ظل الأموال التى تم تخصيصها والجهد المبذول لإعدادها، لافتا إلى أن حديث الرئيس عن زواج القاصرات يمثل حالة إنسانية وتنبيها من الرئيس إلى ضرورة التصدى لهذه الظاهرة السيئة ووضع الإمكانيات اللازمة للقضاء عليها باعتبارها قضية إنسانية تؤلم كل مواطن مصرى.
 
وأوضح النائب أنه يجب على مؤسسات الدولة المختلفة التفكير بمنطق الرئيس فى دراسة الحالات والبيانات الواردة فى التعداد السكانى والتعامل معها بشكل يفيد المجتمع مثل قضية زواج القاصرات وغيرها.
 
أكد اللواء أسامة أبو المجد، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب «حماة الوطن»، وعضو لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب، أن اهتمام الرئيس السيسى بالبيانات الواردة فى التعداد السكانى يؤكد حرصه على بناء الدولة من خلال الأرقام ووفق دراسات واقعية مدعومة من كل الجهات، مشيرا إلى أن حديث الرئيس عن زواج القاصرات يؤكد حرصه على الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والإنسانية التى تشغل بال المجتمع.
 
وأضاف «أبو المجد» أنه من الضرورى على جميع مؤسسات المجتمع التصدى لهذه الظاهرة من خلال حملات إعلامية وتوعية موسعة للتعريف بأضرار هذه الجريمة، بالإضافة إلى ضرورة إصدار التشريعات اللازمة لمواجهة هذا الأمر، مطالبا بالاستفادة من كل النتائج التى جاءت فى تقرير التعداد السكانى.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق