أطفال دار الحرية بعين شمس.. سلمهم آبائهم لرصيف الشارع فجمعتهم مأدبة طعام المؤسسة (صور)
الأربعاء، 04 أكتوبر 2017 01:33 ص
قسى عليهم الزمن وتحجرت قلوب والديهم الذين أقحموهم في مشاكلهم، فوجدوا الشارع بيتا لا يوجد غيره وكلابه أصدقاء لا مفر منهم، إلى أن التقطهم فرق "أطفال بلا مأوي" بوزارة التضامن الاجتماعي، واصطحبوهم إلى دار الحرية للرعاية الاجتماعية بعين شمس، ليعيشوا وسط أسرة جديدة يقطن بداخلها من جرفهم التيار إلى العيش بالشارع أيضا، أملا في أن يريوا النور ويعودن لأسرهم من جديد.
جولة "صوت الأمة"، داخل دار الحرية كشفت عوارا كبيرا داخل المجتمع المصري، وأكدت أن المشاكل الأسرية بين الأب والأم، تشكل العامل الرئيسي في تفحش ظاهرة أطفال الشوارع بمصر، وكانت كلمة السر إما زوج الأم أو زوجة الأب.
هشام : مرات أبويا كانت بتعاملني وحش وعلشان كده سيبتهم ومشيت
البداية كانت مع الطفل محمد هشام السيد 10 أعوام من السيدة زينب بالقاهرة ، حيث سرده قصته قائلا "أبويا وأمي اطلقوا وأبويا اتجوز تاني ومرات أبويا كانت بتعاملني وحش وعلشان كده سيبتهم ومشيت" .
وأضاف إبن العاشرة، "كنت بشتغل مع أبويا في الورشة ولما مشيت محدش سأل فيا، وعايز أفضل هنا في الدار ومرجعش لأهلي تاني".
وأكد، أنه لم يلتحق بالمدرسة أثناء وجوده مع أبيه لأنه كان يجعله يعمل بورشته طوال الوقت ، مضيفا أنه سيلتحق بالمدرسة من خلال الدار وسيجتهد في دراسته، متمنيا أن يصبح طبيبا.
عبدالله : أتمني أن أصبح لاعب كرة
إلتقط أطراف الحديث ، الطفل عبدالله محمود ، منطقة الوحدة بشبرا الخمية ، حيث سرد قصته قائلا " أنا بقي أبويا كان عنده عربية أجرة وبيصرف عليا أنا وإخواتي الأربعة ، وانفصل عن والدتي وخدني وداني مؤسسة الجيزة للرعاية أنا لوحدي، وقعدت فيها 4 سنوات وبعد كده روحت مؤسسة الحرية وبقي عندي 13 سنة ومحدش سأل فيا".
وأضاف "عبدالله"، " أنه التحق بالمدرسة والآن يدرس الصف السادس الإبتدائي، مشيرا الي أنه متفوق ومن الأوائل بمدرسته ، متمنيا أن يصير لاعب كرة".
وأكد "عبدالله"، أنه حينما يصل الي المرحلة الثانوية سيقوم بزيارة والديه علي الرغم من قطيعتهما له.
عمرو: كل أما أقول لأبويا خدني معاك وخرجني من الدار يقول لي المرة الجاية
في غرفة الموسيقي يجلس يوسف عمرو ابن الخارطة القديمة بالسيدة عائشة بمحافظة القاهرة، والبالغ من العمر 10 سنوات، صامتا وحينما سرد قصة قدومه إلى الدار، قال إن انفصال والديه السبب الرئيسي الذي ألقي به إلى الشارع، لنشوب مشاجرات عديدة بينهما حتى وصل الأمر إلى انفصالهما نهائيا فخرج من منزله هربا إلى ميدان السيدة عائشة ليسكن بشوارعه إلى أن التقي فريق وزارة التضامن ،مضيفا أن والده ميسور الحال حيث كان يمتلك ورشة للرخام، متابعا « مشيت من البيت بمزاجي، ولما كنت عايز أمشي بمشي وأسكن في الشارع في ميدان السيدة زينب ولما أحب أرجع أرجع، ولما أبويا طلق أمي مرجعتش تاني».
وأشار «يوسف»، إلى أنه لا يوجد له جد أو جدة ولم يتدخل أحد في حل مشاكل والديه وهو ما أدي إلى انفصالهما، موضحا أنه رسب في الصف الثالث الابتدائي بسبب تلك المشاكل وترك المدرسة.
صمت الطفل الصغير قليلا والحزن يملأ عيناه وعاود الحديث مجددا قائلا« كل أما أقول لأبويا خدني معاك وخرجني من الدار يقول لي المرة الجاية مش عارف بيضحك عليا ولا إيه، موضحا أن أمه لم تزره سوي مرات قليلة وانقطعت عن زيارته، متابعا «عايز أروح لأبويا مش لأمي».
بريق الأمل ظهر في عين الطفل البائس من جديد حين قال « أنا رجعت المدرسة تاني وأنا في الدار وبذاكر ونفسي أكون دكتور »، موضحا أنه يحب مشاهدة كرة القدم كثيرا وأنا لاعبه المفضل هو محمد النني لاعب منتخب مصر المحترف ضمن صفوف نادي أرسنال الإنجليزي.
وحول الخدمات المقدمة له داخل الدار قال إن الخدمات ويتناول أطعمة متنوعة كما أن هناك وسائل ترفيهية كثيرة، لكنه صمت من جديد قائلا « بس أنا نفسي أروح لأبويا».
أشرف : مشرفوا أول دار رعاية قالوا أنه ليس لي أب أو أم
في الطريق الي ساحة الدار إلتقينا أشرف ماهر وسامح يوسف من أبناتء الدار أيضا، حيث قال "أشرف" البالغ من العمر 16 عاما، من المطرية بالقاهرة ، إن مشرفوا أول دار رعاية كان بها قالوا له أن ليس له أب أو أم وأن هناك من أودعه في الدار منذ أن كان رضيعا .
وأكد "أشرف"، أنه لن يبحث عن أبويه عند الكبر متابعا " أهلي معبرونيش واللي معبرنيش معبرهوش ، وأنا هتعلم صنعة وهشتري أرض وهبني بيت وهتجوز وأكون عيلة ومش هفرض في حد منها زي ما حصل معايا".
سامح: نفسي أعرف أهلي وأرجعلهم تاني
رحلة " سامح" إبن السادسة عشر أيضا، في الحياة لم تختلف كثيرا عن معاناة "أشرف" ، حيث قال إنه من المطرية ولا يعلم من هما أبويه ولم يراهما قط، إلا أنه يحلم أن يلتقيهما قائلا" نفسي أعرف أهلي وأرجعلهم تاني".
114 مليون جنيه من صندوق تحيا مصر لتطوير دور الرعاية
محمود عبدالسلام ، مدير الدار ، قال إن الدار تقوم بتطوير وتدريب الإخصائيين الإجتماعيين بالتعاون مع جامعة حلوان، موضحا أنه تم تنفيذ بروتوكول تعاون بين وزارة التضامن الاجتماعي مع صندوق "تحيا مصر"، بقيمة 113 مليون و944 ألف جنيه، و50 مليون جنيه من صندوق إعانات الجمعيات والمؤسسات الأهلية للبرنامج.
وأضاف أن سعة الدار بعد التطوير بلغت 200 طفل ، مشيرا الي أن بها حاليا 75 طفلا، وتتفرد عن باقي مؤسسات الرعاية بالجمهورية بأنها تساعد الطلاب بالالتحاق بمختلف مراحل التعليم.
وتابع، "تعديل سلوك الأطفال لا يتم في يوم وليلة، والأطفال لم ينشأوا نشاة طبيعية ونحن نعمل علي تطوير سلوكهم من خلال أنشطة مختلفة كالبلياردو والرسم والموسيقي، بالإضافة الي تنظيم الرحلات والمعسكرات.
وأكد، أن بعض الأطفال يطلبون الخروج من المؤسسة مرة أخري، مشيرا إلى أن المؤسسة تحاول إيجاد حلقة وصل بين الأطفال وأسرهم، إلا أن الأطفال الذين عاشوا لفترة طويلة في الشارع يلحون على الخروج من الدار أحيانا، ويتطلب تأهيلهم وإقناعهم فترة طويلة.
يتم إلحاق الأطفال بالمدارس
وأشار، الي أنه يتم إلحاق الأطفال بالمدارس خارجها، مؤكدا أن الدار تبحث عن أسرة الأطفال وتقوم بعمل بحث إجتماعي للأسرة لإعادته إليها وإذا توافرت الظروف لإعادته لأسرته يتم إعادته، موضحا أنه يتم عقد إجتماعات أسرية للأطفال، حيث أن كل أخصائي مسئول عن مجموعة منهم في كل شئونهم اليومية.
أطفال مدمنون لـ"الكلة" و"برشام الصراصير" التحقوا بالدار
وحول وجود أطفال مدمنون قبل دخولهم للدار، قال أن إن هناك بعض الأطفال كانوا مدنين لـ"الكلة" و"برشام الصراصير" وتم تعافيهم منها .
وحول ضرب الأطفال بالدار ، قال "يتم التعامل مع الطفل بالضرب الأبوي حيث أن التعامل والتقرب من الأطفال يجعله يتقبل عقاب الأخصائي حال قيام الطفل بخطأ لأنه يشاركه أفراحه وأحزانه وكل شئ ويعتبره كإبنه أو أخيه"، متابعا "الطفل عندنا قاعد في بيته بالظبط وهو رايح المدرسة بياخد مصروف يجب اللي نفسه فيه".
وعن توافر الأطعمة بالدار ، قال إن هناك مورد أغذية يمر يوميا علي الدار ليعرف إحتياجات الدار بالإضافة الي التبرعات التي تأتي من الأهالي وغير ذلك، مؤكدا أنه لا يوجد أي مشكلة بالنسبة لتوافر الطعام.
الأطفال يعملون في مهن مختلفة خلال فترة الأجازة الصيفية
وأشار، الي أن عرض علي الأطفال أن يعملوا خلال الأجازة الصيفية ووافقوا جميعا وخرج أغلب الأطفال للعمل في صناعات ومهن مختلفة كي لا يصابوا بالملل ويندمجوا في المجتمع ويعيشوا حياة طبيعية،موضحا أن أسر وأفراد يأتون ليقضوا أيام مع الأطفال للترفيه عنهم.
البرنامج ينفذ حاليا في 10 محافظات
من جانبه قال حازم الملاح المتحدث باسم برنامج أطفال بلا مأوى، إن البرنامج ينفذ حاليا في 10 محافظات ، حيث تم التعامل مع 2000 طفلا حتي الان وتم إيداعهم بدور رعاية، وأصبح من بينهم نماذج مشرفة.
وأضاف "الملاح"، أن البرنامج يتضمن حاليا تطوير وافتتاح 6 دور رعاية حيث تم افتتاح مؤسسة الحرية بعين شمس ، ومن المقرر أن يتم افتتاح مجمع الدفاع الاجتماعي بالإسكندرية ومؤسسة دار البنين بالشرقية في شهر أكتوبر الجاري ، ثم افتتاح دار التربية بالجيزة ودار البنين بالمنيا ودار فتيات بالعجوزة خلال شهر نوفمبر المقبل بعد تطويرها بشكل كامل، مشيرا الي أن البرنامج سينتهي في 31 مايو المقبل وتم رصد 164 مليون جنيه للبرنامج.
16439 خط ساخن لتلقي بلاغات عن أطفال شوارع
وأكد الملاح، أن هناك شركاء أساسيون في النجاح الذي وصل إليه البرنامج من المجتمع المدني، حيث تقوم الوزارة بدعوة المنظمات المختلفة للتعاون معهم في هذا المجال، موضحا أنه تم توفير خدمة الإبلاغ عن أطفال الشوارع للمواطنين علي الخط الساخن 16439 مؤكدا أن فريق من البرنامج سيتجه مباشرة الي مكان البلاغ للتعامل مع الحالة.