روح أكتوبر.. السادات حاربهم بـ "الخداع الاستراتيجي" (بروفايل)
الثلاثاء، 03 أكتوبر 2017 09:00 ممحمد أبو ليلة
في بداية الأسبوع الثاني من شهر سبتمبر من عام 1973 استدعى الرئيس الراحل أنور السادات الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل -وقت أن كان رئيساً لتحرير الأهرام - في استراحته ببرج العرب بالإسكندرية، وحين وصل هيكل وجد السادات يستقل سيارته ويطلب من هيكل الجلوس بجواره داخل السيارة.
"سوف أفضى إليك بسر يا هيكل، هل تمتلك أعصاباً قوية؟ .. إن معركتنا ستبدأ في موعد لا يتجاوز أسابيع تُعد على أصابع اليد الواحدة من الآن".. هكذا كتب هيكل في كتابه "الطريق إلى رمضان" الذي يحكي فيه قصة مقابلته للسادات قبل أيام من حرب أكتوبر ومعرفته بموعد العبور.
"قُضي الأمر"
فبمجرد أن انطلقت سيارة السادات وجلس هيكل بجواره أخذ يحدثه عن الحرب، قائلا "هناك كثيرين في العالم العربي لا يتفقون معك وهم قد فقدوا الأمل في ان مصر ستقاتل أبداً، والله اننا سنفاجئهم وأنت نفسك ستفاجئ أيضا يا هيكل، هذه فرصتنا الأخيرة وإذا لم ننتهزها فأننا سنجد أنفسنا في النهاية وقد فاتنا القطار"..كانت كلمات السادات لـ هيكل قبل أيام من بدء القتال بمثابة تأشيرة لعبور قواتنا المسلحة لقناة السويس، واقتحام خط بارليف.
"السادات" كان قد مرت عليه ثلاثة أعوام في حكم مصر، ووجد أن الفرصة سانحة إليه لاتخاذ قرار الحرب فـ مصر من ناحية لن تتلقي مزيداً من السلاح أكثر مما تلقته وهي الآن في قمة قدرتها العسكرية ومن ناحية اخرى من الناحية الدولية فان مصر تلقي كل التأييد الذي لم تكن تحلم به ابداً من جانب الشعوب العربية ودول عدم الانحياز وفي الأمم المتحدة وفي كل مكان.
كما أن مصر لم تعد تتحمل مزيداً من حالة اللا سلم واللا حرب، كما أن مصر لديها ضوائق اقتصادية، واذا لم تحصل علي جرعة مالية كبيرة في صورة معونة فإن عام 1974 سيأتي بأزمة ولا يمكن أن تأتي مثل هذه الجرعة وعلى النطاق المطلوب إلا من بعض الدول العربية، لكن السادات فطن أن العرب لن يقدموا الي مصر قرشاً أخر إلا اذا كان هنا تحرك ما، كما أن الجبهة الداخلية فان الشعب بدأ يفقد صبره.
كانت كل هذه المؤشرات تسيير بالسادات إلى اتخاذ قرار العبور "قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان".
خطة الخداع الإستراتيجي
في صباح يوم 22 أغسطس من عام 1973 توجه ثمانية من الضباط المصريين وستة من الضباط السوريين الي مقر القيادة البحرية في رأس التين بالإسكندرية لوضع اللمسات النهائية لخطة عبور قناة السويس.
وبينما كانت المناقشات دائرة في الإسكندرية بين قادة الجيشين المصري والسوري، كان الرئيس السادات يقوم بجولة إلي السعودية وقطر وسوريا وتوقف في السعودية وقطر كجزء من خطة الخداع الاستراتيجي الذي استخدمها السادات لإيهام العالم بأنه لا حرب في الوقت الحالي، والتي كان هدفها أن تترك انطباع بأن الرئيس شأنه شأن بقية المصريين يقوم برحلة عمل عادية.
وفي كتابه "الطريق إلى رمضان" يؤكد الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل أن السادات قرر في اطار خطة الخداع الاستراتيجي أصدر السادات توجيه لمندوبي مصر وسوريا في مؤتمرات عدم الانحياز والأمم المتحدة وفي غيرها من الاجتماعات يتحدثون بأسلوب السلام ، حيث أنهم لم يكونوا يعرفون الغرض من التوجيه الصادر إليهم بالتحدث بهذا الاسلوب، بينما كانت الصحف والإذاعة قد وجهت إلي إبراز اهتمام مصر وسوريا بالبحث عن حل سلمي لنزاع الشرق الاوسط وإظهار عدم الرضا عن الخطب والعمليات العسكرية التي يقوم الفدائيون الفلسطينيون.
كما شملت خطة الخداع الإستراتيجي أن يتم التوزيع النهائي للقوات المسلحة المصرية تحت ستار الاستعدادات للمناورات السنوية التي تُجري في الخريف وهذه المناورات أُطلق عليها الإسم الرمزي "تحرير 23"، حيث وضعت خططتها المستقلة منذ مدة طويلة وكان لابد للمخابرات الإسرائيلية أن تكون علي علم بها خصوصاً أن الإشارات الخاصة بها كانت ماء الجو وتبعا لذلك فإنه حين انتقلت القيادة إلي نقطة متقدمة علي طريق القاهرة السويس عرفت فيما بعد باسم المركز 10 للتخذ منه مقراً للعمليات شهد المركز عملية تغطيه جدرانه بخرائط مناورات "تحرير 23" وكان من السهل نسبياً أن تتحول القوات المشتركة في مناورات تحرير 23 لتتخذ مراكزها استعدادا لشن "الحملة بدر" وهو الاسم الرمزي الذي أطلق علي حملة الهجوم المصري.
و شملت "الخطة" أيضاً أمور عسكرية أخرى من بينها أن كانت القوات المسلحة تتحرك إلي جبهة القناة في أثناء الليل بينما كان بعض عناصرها يسحب في أثناء النهار بطريقة ملفتة للإنتباه لتعود إلى مراكزها في أثناء الليل بطبيعة الحال.
وعلى الضفة الغربية للقناة أُقيم سد رملي عالي أُنشئ في نهاية عام 1972، وبلغت نفقاته 30 مليون جنيه، وكان الغرض البادي منه هو توفير المزيد من الحماية ضد أي هجوم اسرائيلي في حين انه في الحقيقة ساعد الي حد كبير علي اخفاء حشود المدفعية والدبابات.
بدء المعركة
في الساعة 1300 من يوم 6 أكتوبر عام 1973 وصل الرئيس الراحل محمد أنور السادات ومعه وزير الحربية المشير أحمد إسماعيل إلى المركز 10 التابع للجيش المصري ودخلا "غرفة عمليات حرب أكتوبر".. وبدأت المعركة.
"لقد كانت المخاطرة كبيرة.. وكانت التضحيات عظيمة.. ولكن النتائج المحققة لمعركة هذه الساعات الست الأولى من حربنا كانت هائلة.. فقد العدو المتغطرس توازنه.. استعادة الأمة الجريحة شرفها".. كلمات قالها السادات في خطابه الشهير عن حرب أكتوبر أمام البرلمان.
السادات كان يُتابع مع رجاله أول بأول تفاصيل الحرب ومعاركها في المركز رقم "10" علي طريق السويس، لكن الأمور بدأت في مسارات أخرى واختلفت وجهات النظر بينه وبين قيادات جيشه تحديداً في يوم 10 أكتوبر حينما وصلت إليه رسالة من الرئيس السوري حافظ الأسد يطالبه بتطوير الهجوم المصري في سيناء عند المضايق كي يخفف من ضغط القوات الإسرائيلية على قوات الجيش السوري في هضة الجولان.
ويذكر الفريق سعد الدين الشاذلي في مذكراته عن الحرب أن قرار تطوير الهجوم الذي اتخذ مساء يوم 12 من اكتوبر وما ترتب عليه من دفع الفرقتين المدرعتين 21 والرابعة عدا لواء مدرع خطا كبير واعتبارا من فجر يوم 14 اكتوبر لم يكن لدينا غرب القناة في منطقة الجيشين الثاني والثالثت سوى لواء مدرع واحد وهنا اختلفت الموازين واصبح الموقف مثاليا لكي يقوم العدو بمحاولة لاختراق مواقعنا".
السادات والشاذلي
في عام 1978 أصدر الرئيس أنور السادات مذكراته البحث عن الذات واتهم فيها الفريق الشاذلي بالتخاذل وحمله مسؤولية التسبب بثغرة الدفرسوار ووصفه بأنه عاد منهاراً من الجبهة يوم 19 أكتوبر وأوصى بسحب جميع القوات في الشرق، هذا ما دفع بالفريق الشاذلي للرد على الرئيس أنور السادات بنشر مذكراته عن حرب أكتوبر..
في عام 1978 أصدر الرئيس أنور السادات مذكراته البحث عن الذات واتهم فيها الفريق الشاذلي بالتخاذل وحمله مسؤولية التسبب بثغرة الدفرسوار ووصفه بأنه عاد منهاراً من الجبهة يوم 19 أكتوبر وأوصى بسحب جميع القوات في الشرق، هذا ما دفع بالفريق الشاذلي للرد على الرئيس أنور السادات بنشر مذكراته عن حرب أكتوبر..
واتهم الفريق الشاذلي في كتابه الرئيس أنور السادات بإتخاذ قرارات خاطئة رغماً عن جميع النصائح من المحيطين به من العسكريين وتدخله المستمر للخطط العسكرية أثناء سير العمليات على الجبهة أدت إلى التسبب في الثغرة وتضليل الشعب بإخفاء حقيقة الثغرة وتدمير حائط الصواريخ وحصار الجيش الثالث لمدة فاقت الثلاثة أشهر كانت تصلهم الإمدادات تحت إشراف الجيش الإسرائيلي.
كما اتهم في تلك المذكرات الرئيس أنور السادات بالتنازل عن النصر والموافقة على سحب أغلب القوات المصرية إلى غرب القناة في مفاوضات فض الإشتباك الأولى وأنهى كتابه ببلاغ للنائب العام يتهم فيه الرئيس أنور السادات بإساءة استعمال سلطاته وهو الكتاب الذي أدى إلى محاكمته غيابيا في عهد محمد حسني مبارك عام 1983 بتهمة إفشاء أسرار عسكرية وحكم عليه بالسجن ثلاثة سنوات مع الأشغال الشاقة ووضعت أملاكه تحت الحراسة، كما تم حرمانه من التمثيل القانونى وتجريده من حقوقه السياسية.