«داعش» فى الفجالة (صور)
الخميس، 05 أكتوبر 2017 12:00 مأحمد جمال الدين
- أدوات مدرسية على شكل «مسدسات وقنابل وديناميت».. والتجار: «عاوزين نعوض الخسائر».. طبيب نفسى: جريمة مكتملة الأركان.. وخبير تربوى: التعليم فى فوضى
-عضو غرفة المستوردين: فلسفة «فارغة».. و«أبوجبل»: لا خطر منها.. ولكن لا أفضلها لأولادى
«داعش فى الفجالة».. للوهلة الأولى يجذبك العنوان بأن هناك حادثًا إرهابيًا وقع فى منطقة الفجالة برمسيس أو حصار رجال الشرطة لخلية إرهابية تتبع التنظيم الإرهابى الخسيس، ولكن الأكثر فظاعة من ذلك، أن تجد أدوات مدرسية لتلاميذ المراحل المختلفة بداية من الابتدائية مثل «البراية» و«الأستيكة» صُممت على أشكال المسدسات والقنابل والديناميت وأنابيب البوتاجاز.
الأكثر فظاعة؛ أن تنشأ أجيال جديدة مُنتظر منها أن ترسم ملامح مستقبل مصر بـ«قلم ومبراة وممحاة» مُصممة على هذه الأشكال التى تعتبر أحد المظاهر الرئيسية فى تشكيل الفكر الإرهابى منذ الصغر لديهم.. فبدلا من أن تنتظر منهم هذا، تجد نفسك فى القريب العاجل تربى أجيالا أكثر عنفًا وميولا للعنف والشغب وربما -لا قدر الله- الإرهاب.
الفجالة.. المكان الأكثر شهرة ببيع الأدوات المدرسية فى القاهرة، فى موسمه الرئيسى؛ بداية العام الدراسى الجديد، يراه التجار الفرصة الأكبر لتعويض مواسم الركود التى تصيبهم خاصة فى الإجازة الصيفية الكبيرة، ويسعى كل منهم -على حدة- فى تحقيق أرباح عن طريق التفنن فى جذب أنظار الأطفال الشغوفة التى تختار من حيث الشكل لا المضمون، فكانت هذه الأشكال لأجيال التسعينيات وأوائل الألفينات عبارة عن مجسمات كرتونية لا أكثر ولا أقل، ولكن فى 2017 يختلف الأمر تمامًا عندما تجد طفلا يمسك بيده اليسرى يد والده واليمنى تشير إلى «مسدس» أو «قنبلة» أو «صُباع ديناميت»!
«صوت الأمة» فى جولة لها، فى الأيام الأولى لبداية العام الدراسى الجديد، ترصد شغف أطفال اليوم ورجال المستقبل بهذه الأشكال المتواجدة على جانبى شارع الفجالة دون رقيب.
تدخل شارع الفجالة الممتد بمنطقة رمسيس، مكتبات كثيرة وأدوات مدرسية أكثر وأُسر لا حصر لها، تتوغل أكثر متجنبًا لهذا ومتأسفًا لذاك، أشبه بـ«زحمة» أتوبيس النقل العام فى أول يوم لبدء العام الدراسى، كل الأنظار تنجذب لمجسمات الأسلحة.
«أسعار الأدوات المدرسية اللى زادت خلت التاجر يدور على الحاجة اللى تشد نظر الزبون عشان نعوض الخساير اللى بهدلتنا فى السنة اللى فاتت».. هكذا بدأ كلامه أحمد السيد، مالك إحدى المكتبات بالفجالة، قائلا: «الأسعار زادت 30%، واللى كان بيشترى دستة (كشاكيل) بقى يشترى نص، وقيس بقى على باقى الأدوات نفس المثل».
يتحدث الرجل الخمسينى: «مثلا يعنى عندك عبوة (الأستيكة) كلها بـ45 جنيهًا (12 قطعة) يعنى الواحدة بتعمل حوالى 375 قرشًا، متخيل إن أستيكة بالثمن ده؟!
وعند توضيح الموقف له بأن مثل هذه الأشياء تحرض على العنف وتخلق جيلا جديدًا يتربى على الإرهاب، أخذ آخر نفس فى سيجارته محلية الصنع ورمى عُقبها أمام قدميه وقال: «بلاش نكبر المواضيع وخلونا ناكل عيش»، ثم أطفأ «زهرتها» بقدمه وتركنا مناديًا: «اتفضل يا بيه.. اتفضلى يا هانم».
نتركه ونتجه إلى سيدة أربعينية تفترش على جانب الشارع أمامها عدد من الأدوات وبعض أشكال الديناميت، «أنا مالى يا أخويا ديناميت ولا غيره.. أنا عاوزة أبيع الحاجات اللى معايا على الفرشة وخلاص عشان أرجع لصاحب المكتبة أسد الفلوس اللى عليا ليه».
جمال فيروزى، استشارى الطب النفسى، يؤكد أن عرض وتداول هذه الأدوات المكتبية «خطر»، قائلاً: «بيع أدوات مكتبية ومدرسية للطلاب على شكل قنابل ومسدسات يعتبر جريمة كاملة الأركان يتم ارتكابها فى حق الطلاب».
يضيف استشارى الطب النفسى: «هذه الأدوات تعمل على تهيئة الطلاب وخاصة الصغار منهم فى المرحلة الابتدائية للعنف، وتعويده على هذه الأشكال، ما يجعله فى انتظار الفرصة لاستخدامها بشكل حقيقى، ومع الوقت يتحول إلى شخصية عنيفة سيكوباتية وهو ما يجب على الدولة الانتباه له».
أما الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوى والباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية، يقول إن «لجوء البعض إلى بيع أدوات مدرسية للطلاب على شكل قنابل ومسدسات ينم عن الفوضى التعليمية التى تعيشها مصر، والتى تتم إدارتها بعيدا عن المنهج التعليمى؛ ما يسمح بظهور بعض العورات بعد ذلك، وفى القلب ظاهرة العنف المدرسى فلا يخلو عام دراسى من حوادث العنف بين الطلاب، والتى كان من المفترض أن تأخذ حيزًا واسعًا من تفكير المختصين لوضع حلول عاجلة لها».
وأرجع مغيث السبب إلى غياب المنهج العلمى والاستعاضة عنه بالعقوبات فقط، مضيفًا: «لم أكن أتصور أن أشاهد أدوات يحملها التلاميذ إلى المدرسة على شكل قنبلة، خاصة مع ما يسمعه الطلاب ويشاهدونه عن بعض العمليات الإرهابية التى يتم ارتكابها فى الخارج والداخل، ما قد يشجعهم على محاكاة هذه الأعمال من خلال هذه الأدوات».
«فلسفة فارغة».. هذا كان تعليق أحمد شيحة، عضو شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية، قائلا: «الحديث عن خطورة هذه الأدوات وتشجيعها على العنف بين الطلاب لا صحة له، بحسب وصفه»، معللا بأن هناك من ألعاب الأطفال ما يتخذ شكل دبابة أو مسدس.
وعن كيفية دخول هذه الأدوات إلى الأسواق أوضح: «تلك الأدوات لا يوجد نص قانونى لمنعها وتدخل البلاد بطريقة شرعية، باعتبارها جزءا من ألعاب الأطفال».
ويسانده فى الرأى أحمد أبوجبل، رئيس شعبة الأدوات المكتبية وألعاب الأطفال بالغرف التجارية، قائلا: «هذه الأدوات لا تشكل أى خطورة على الطلاب الذين يتمتعون بقدر من الوعى والإدراك الكافى للتفرقة بين الأدوات الحقيقية وألعاب الترفيه».
وعن احتمالية اقتناء أولاده هذه الأدوات المدرسية، علق أبوجبل مستنكرًا: «لا أرحب باقتناء أولادى هذه الأدوات ولكن فى الوقت نفسه لا أرى أى خطورة منها».