الليلة الأولى في القبر: مهدي عاكف.. وما لا يُخفى على قاضي السماء
الثلاثاء، 03 أكتوبر 2017 04:00 ممحمد الشرقاوى والسعيد حامد
فى ليل الجمعة، 22 سبتمبر الماضى، تأهبت مقابر الوفاء والأمل بمدينة نصر، لتشييع جثمان محمد مهدى عاكف، المرشد العام السابق لجماعة الإخوان الإرهابية عن عمر ناهز الـ 89 عامًا، بعد وفاته فى مستشفى قصر العينى.
الدفن تم وسط إجراءات أمنية مشددة وحضور اقتصر على أسرته وعشرات من مؤيدى الجماعة، قبل ساعات من النطق بالحكم فى القضية المعروفة إعلاميًا بـ«أحداث مكتب الإرشاد»، التى يعاد التداول فيها.
تولى عاكف منصب المرشد العام للجماعة، بعد وفاة سلفه مأمون الهضيبى فى يناير عام 2004، من مواليد كفر عوض السنيطة مركز أجا دقهلية، وقد تخرج فى المعهد العالى للتربية الرياضية بالمنصورة فى مايو 1950، وعمل بعد تخرجه مدرسًا للرياضة البدنية بمدرسة فؤاد الأول الثانوية.
أغلق «التربى» قبو المقبرة، وجلس مشيعو عاكف من أهله، أمام المقبرة، ينتظرون حكم المحكمة ليس فى القضية التى تنظرها الدائرة «11 إرهاب» بمحكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار محمد شيرين فهمى، لكن فى قضية أخرى، عقدها ملائكة -غير معلوم هيئتهم - فى التآمر ضد الدولة والتحريض على العنف والانتماء لجماعة إرهابية.
الظلام دامس، ولا يرى عاكف أى شىء، غير أن المحكمة انعقدت وبات هناك استجواب رسمى، بدأت بالمقولة الشهيرة: «طز فى مصر وأبومصر واللى فى مصر»، ما السبب؟
السبب كان واضحًا، فمرشد الجماعة السابق، كان يرى أن البقاء للجماعة وحدها، وأن الإسلام هو المتمثل فى الأصول العشرين لمؤسس الإرهابية حسن البنا، وقال فى حوار آخر إنه كان يقصد مصر العلمانية.
لكن الحقيقة كانت بحسب صحيفة روز اليوسف، أن «عاكف» دافع عن فكرة الخلافة الإسلامية حتى لو كانت من غير عربى، «أنا مختلف مع سيادتك ويحكمنى مصرى وليس من أى مكان آخر»، ليرد المرشد الراحل بحدة: «طظ فى مصر وأبو مصر واللى فى مصر».
تصريحات المرشد السابق بتاريخ 9 أبريل 2006، كانت الأكثر جدلًا حينما سأله محرر الصحيفة، قائلاً: «لو أن الذى يحتل فلسطين مسلمون من آسيا مثلاً وليسوا يهود صهاينة فما هو موقفكم؟ (يقصد الجماعة)»، رد عليه عاكف: «مفيش حاجة اسمها مسلمين يحتلون مسلمين»، وأردف: «الاحتلال له معنى آخر غير ما تقوله، أنت تعتبر الخلافة احتلالاً، لو خليفة من ماليزيا حكم مصر لا يكون محتلاً، المسلمون لا يحتلون بعضهم البعض، لأن يدهم واحدة فى العالم كله».
ملائكة الحساب لم تشفع لآخر رجال التنظيم الخاص للإخوان المسلمين، القطبى الأشهر داخل الجماعة، أنه كان أعنف مرشد عرفته الجماعة، بسبب ارتباطه بالتنظيم الخاص فى الخمسينيات، إذ شارك فى عمليات أشبه بالعسكرية، مثل حصار المطار، وتهريب عبدالمنعم الرؤوف، أحد قيادات الجيش المنتمين للإخوان، ليتعرض بعدها للسجن عام 1954، وصدر حكم ضده بالإعدام ثم خُفف إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.
كذلك لم تشفع له أن المواطن المسلم الماليزى أهم من المسيحى المصرى، ضاربًا بكل معايير المواطنة فى الإسلام عرض الحائط، ورغم أنه برر ذلك بأنه كان يريد مظلة للتعاون الإسلامى فى العالم.
المحاسبة فى أول ليلة فى القبر تطرقت إلى تصريحات «عاكف» على حواره فى تصريح لـ«الشرق الأوسط»، وقال: «لم أدل بحديث لروز اليوسف ولا أتعامل معها، ولا أصدق ما ينشر فيها، ولست معنيًا بما تردده، لأن الجميع يعلم توجهاتها ويعلم من وراءها، كما يعلم الجميع لمن ولائها، لقد أدليت بالحوار منذ 9 أشهر لصحيفة الكرامة الأسبوعية ونُشر، والكل يعلم فبركة روزاليوسف وما تقوله»، مردفًا: «الصحيفة تسير على مبدأ (لا تقربوا الصلاة) من دون أن تكمل الآية الكريمة (.. وأنتم سكارى)، وتستخدم كلمات فى غير موضعها وتسعى للبيع على حساب الإخوان».
الرد كان عنيفًا من قبل لجنة الحكم، والتى اعتبرت أن ذلك تنصلا من المحاسبة، استنادًا لتصريحات للراحل عبدالله كمال، رئيس تحرير «روز اليوسف» فى «الشرق الأوسط»، على رد فعل «عاكف»، وهاجمه: «حرصنا على نشر الحوار كما لو أنه وثيقة، وتضمن النشر انتقادات المرشد للنظام وهو ما يخالف مبادئ سياسية عامة للصحيفة، ولكن فعلنا ذلك باعتبار هذا الحوار وثيقة يجب إعلانها على الناس بالكامل».
وأضاف الصحفى الراحل: «كلام خطير مثل يا ريت يحكم مصر واحد من ماليزيا وأن الأتراك لم يحكموا مصر»، كل هذه الأمور تمثل ازدراء للوطنية المصرية، وإهانة لكل شعب مصر والإخوان أنفسهم لصالح أفكار عاكف العقيدية، التى هى نفس أفكار أسامة بن لادن عن الأممية الإسلامية».
وناقشت أيضًا تصريحاته حول أنه لا فرق بين سنى وشيعى، وهو الأمر الذى اعتبرته جماعة الإخوان - آنذاك: «لبسها فى حيطة».
السؤال الأقوى لماذا أوصيت أن تدفن بمصر وأنت من لعنتها؟ لعاكف كانت رغبة ملحة فى أن يدفن بجوار مرشدى الجماعة السابقين المدفونين هناك، وأن يصلى عليه فى مسجد «الحمد» أو «القدس» القريبين من منزله فى التجمع الخامس.
أهالى عاكف ظلوا واقفين أمام المقبرة، ينوحون قائلين: إنه مات بسبب الإهمال الطبى وأنه لا بد من تدويل القضية للرأى العام، ناسين أن مصلحة السجون سمحت له بالعلاج فى مستشفى قصر العينى الفرنساوى - استثمارى، بقيمة مليون و600 ألف جنيه، دفعها محاميه.