قصة تحول أقراص "سوس القمح" من علاج للنباتات إلى وسيلة سريعة للانتحار
الأحد، 01 أكتوبر 2017 12:00 ص
سلاح ذو حدين، إذا استخدمته طبقا للمواصفات والمعايير التي وضعتها الشركات المصنعة له، تتجنب خطورتها، وتصبح أكثر وسيلة آمنة لمكافحة القوارض من المحاصيل الزراعية، وإذا تعاملت معه بإهمال سيلقنك درس قد يكون الأخير لك، فلن تجد من ينتشلك من بين مخالب الموت، إلا إذا كنت شخصا محظوظا، ساق لك الحظ طبيبا خبير فى السموم، تلك هي قصة أقراص الغلة باختصار، والمعروفة بأقراص سوس القمح.
لعل من أكثر الأمور للدلالة على خطورة تلك الأقراص، ونتائج التهاون فى التعامل معها، ما أعلنته مديرية أمن الفيوم عن وفاة 25 شخص خلال عام 2016 فى محافظتهم فقط، جراء تناولهم أطعمه بعد استخدامهم تلك الأقراص دون الانتباه إلى ضرورة غسل أيديهم جيدا بعدها، وبعض الحالات كانت لأطفال، وضعوا الأقراص فى أكواب ماء الشرب دون أن يدركوا ذلك.
لم تتوقف حوادث الوفاة نتيجة تناول هذه الحبوب حتى الآن، فقد لقيت طالبة بالثانوى من قرية منيا الحيط مصرعها، بعدما تناولت أحد أقراص مكافحة سوس القمح على سبيل الخطأ اعتقادا منها أنه عقار طبى، وشعرت بإعياء شديد، وتوفيت إثر ذلك.
- انتشار البيع
حذر الدكتور على عبدالله، مدير مركز البحوث والدراسات الدوائية والإحصاء، من انتشار تلك الأقراص فى عدد من الصيدليات بقري المحافظات، ومحال المبيدات الحشرية، مشيرا إلي أن المراهقين وجدوا فيه وسيلة سهلة للانتحار، فإما أن يشتريه من الصيدليات، أو يحصل على جرعة منه من منزله نتيجة احتفاظ بعض الأهالي به لمكافحة السوس فى محصول القمح.
وطالب عبد الله، فى تصريحات لـ "صوت الأمة"، بحظر بيع تلك الأقراص، والبحث عن وسائل آمنة أخري لحفظ القمح، وتجريم بيعه ومنعه من الصيدليات، والجمعيات الزراعية بالبحث عن بدائل، قائلا: "الصيدليات اعتادت بيع المبيدات الحشرية بأنواعها، إلا أن هذه الأقراص تكمن خطورتها فى تشابهها مع أقراص الدواء".
- الاستخدام الآمن
فى المقابل، أكد الدكتور عادل عبد اللطيف مدير معهد بحوث وقاية النباتات الأسبق، أستاذ التبخير ومكافحة آفات المخازن، أن وزارة الزراعة بها لجنة للمبيدات، معنية بتسجيل المبيدات المصنعة محليا والمستوردة، تضم مجموعة من أساتذة متخصصين بمعهد الوقاية، ويتم اعتماد كافة المبيدات من قبلها للسماح للشركات باستيراده.
وأوضح لـ "صوت الأمة"، أن المبيدات الحشرية لها عدة أشكال سائلة متعارف عليها فى المنازل، وأخري صلبة مثل غاز الفوسفين، وهي مادة صلبة موجودة فى صورة أقراص حجمها حوالى 3 جرام، لافتا إلي أنه يتم استيرادها من ألمانيا أو استراليا أو الهند، وعادة ما تحتوي العبوات من 20 إلى 30 قرص، وتزن كيلو جرام، مؤكدا أنه الوسيلة الأكثر أمانا لمكافحة سوس القمح.
وأشار إلي أنه يستخدم بطريقة التبخير داخل منطقة بعيده عن المساكن، أو فى الشون الخاصة بالقمح، مشيرا إلي أنه لا يترك أثر فى النبات المبخر به، موضحا أن 3 أقراص منه تناسب طن من الحبوب، أو للمتر المكعب، مضيفا:"آفات المخازن تتواجد داخل الحبوب، ولا تخرج من القمح إلا بعد اكتمال نمو السوس، كمراحل جنين الطفل فى رحم أمه تماما، والمبيدات الحشرية المنتشرة لا يمكنها اختراق الحبوب، إلا أن هذا الغاز يخترق الحبوب، ويقتل الحشرات ولا يترك أثر أو رائحة".
وأضاف: "يخزن فى عبوات من الألومنيا، ويتكون من فوفسيد أمونيوم، وكربونات أمنيوم، وينتج عن اتحادهما غاز الفوسفين، ويستعمل فى جو محكم إما براميل أو أسفل مشمع بلاستيكي، وخطورته عند دخول المعدة يأتي نتيجة وجود أحماض ومياه، وبالتالي يحدث فرقعة لغاز الفوسفين، فالقرص فى حال وضع نقطة مياه واحده عليه يفرقع كالقنبلة، ورغم ذلك بعض الدول حذرت من استخدامه لتأثيره على الأوزون، رغم أنه آمن".
ولفت إلي أنه عقب استخدام أقراص القمح فى التبخير، يتحول الغاز إلي بدرة، وتتمثل طرق التخلص الأمن منه فى دفنه فى الرمال بعيدا عن أي مصدر للمياه، أو إفساد فعاليته بالصابون، موضحا أنه من المتعارف عليه فى حال تناول شخص لسموم يتناول محلول ملحي لتفريغ المعدة منها، إلا أن مع هذا الغاز يساعد المحلول الملحي في إحداث فرقعة داخل المعدة، ويسرع من الموت، مشيرا إلي أن الزيوت النباتية هي وسيلة الإسعاف المثلي لحين وصول المريض للمستشفي، والتي تعمل علي تغليف القرص فى المعدة بحالته.
- المضاعفات
من جانبها، قالت الدكتورة هبة يوسف، رئيس قسم الطب الشرعي والسموم الإكلينيكية بكلية الطب جامعة بورسعيد،:"أقراص الغلة، تحمى المحاصيل الزراعية كالقمح من الإصابة بالقوارض كالفئران، وتحتوي كيمائيا على مادة الألومنيوم فوسفايد، وهى مادة خطرة جدا عند الدخول إلي جسم الإنسان، نظرا لاندماجها مع الماء، والتى تساعد فى خروج غاز الفوسفين، والذي فى حال استنشاق الإنسان له يدخل إلي الرئتين وينتج عنه إلتهاب رئوي شديد".
وتباعت هبه، لـ "صوت الأمة": "ويؤدي ذلك إلي صعوبة فى التنفس، والتي قد يؤدى إلي الوفاة، وأحيانا يتناوله البعض مع المياه الغازية مما يساعد فى خروج غاز الفوسفين، وتصيب بتهيج شديد فى الأمعاء والإسهال والقيئ، وإلتهاب شديد فى الرئة ينتج عنه الوفاة المفاجأة".
واستطردت: "مشكلة أقراص القمح، أن الجسم يمتصها خلال من 15 إلي 20 دقيقة، ومع احتمالية عدم وجود طبيب طوارئ على دراية بعلم السموم، يجري الطبيب المتواجد غسيل للمعدة بالمياه، وذلك يؤدي إلي تدهور الحالة الصحية للمريض، من المفترض أن يتم علاج تلك الحالات بكربونات الصوديوم التى تمنع خروج غاز الفوسفين، وتعالج الحموضة الشديدة الناتجة عن الغاز وتنقذ الحياة"، مشيرة إلى أن هناك حالات تماثلت الشفاء بعد تناولها لتلك الأقراص بعد وصولها إلي مستشفي دمياط والإسماعيلية العام.