ناصر والسينما.. علاقة حب من طرف واحد
الخميس، 28 سبتمبر 2017 01:00 صأحمد إسماعيل
تحل اليوم ذكرى رحيل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر الذى رحل فى مثل هذا اليوم عام 1970، إلا أنه لايزال حياً بيننا بفكره وبما تركه من تأثيرات إيجابية فى كافة نواحى الحياة المصرية، وما يعنينا منها الحياة الثقافية والفنية، بحيث يمكننا أن نقول وبكل ثقة إن عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كان من أزهى عصور السينما المصرية، حيث تم انتاج خلالها العديد من الأفلام السينمائية التي تحدثت عن الشعب المصري، وتحولت روايات كبار الكتاب الي افلام مثل الكاتب يوسف ادريس وفتحي غانم وغيرهم من كبار الكتاب، ومع ما قدمه عبد الناصر للفن والثقافة وخاصة السينما لم تعطه السينما ما يستحقه، فلم تقدم السينما المصرية عنه سوى فيلم واحد، وهو ناصر 56 بطولة الراحل أحمد زكى بحيث يمكننا أن نلخص العلاقة بين ناصر والسينما بأنها كانت علاقة حب من طرف واحد.
فقد مثلت ثورة 23 يوليو 1952التى قادها عبد الناصر ورفاقه الأحرار بكل المقاييس أحد أهم الأحداث السياسية فى القرن العشرين على المستوى السياسى داخلياً وخارجياً ،حيث أجبرت العديد من القوى الخارجية إلى إعادة النظر فى أسلوب التعامل مع مصر ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها.. وبالتالى انسحب هذا التأثير على معظم جوانب الحياة فى مصر وكان من أهمها فن السينما، فنستطيع أن نقول أن الثورة استطاعت أن تمثل طوق النجاة للسينما المصرية وذلك لسببين كما يقول وسام أبو العطا:
أولا: أتاح التغيير الاجتماعى الذى أحدثته ثورة يوليو لصناع السينما المصرية وخاصة المؤلفين أن يطرقوا مواضيع جديدة وجريئة تناقش مشاكل المرأة العاملة مثل (الأستاذة الفاطمة – مراتى مدير عام.. الخ) ما أطلق عليها بعض النقاد (أفلام الطبقة المتوسطة) وهى بالطبع أفكار مختلفة عما كان يقدم من قبل فى أفلام نهاية الثلاثينيات وحتى قيام الثورة والتى كانت لا تخرج عن قصص الحب المستحيلة بين أبناء الطبقات المختلفة والتى كانت غالباً ما تنتهى بأن الفقر أفضل من الثراء لدرجة أن يتنازل البطل أو البطلة عن ثروته وجاهه من أجل من يحب أو تحب، وهى أفلام كانت موجهة بالفعل لتسكين الفقراء وتحييدهم حتى لا يثوروا على أبناء الطبقة المتميزة.. بالإضافة إلى بعض الأفلام الكوميدية الساذجة التى كانت تهدف إلى التسلية دون مضمون واضح باستثناء أفلام العبقرى نجيب الريحانى. وعلى المستوى الكوميدى استطاعت الثورة أن تستغل النجاح الساحق والحضور الطاغى للفنان إسماعيل ياسين وذلك من خلال إنتاج سلسلة أفلام إسماعيل ياسين فى الجيش والأسطول والبوليس.. الخ وهذه السلسلة كانت تمثل دون شك دعاية واضحة وذكية بل وإعلامية أيضاً عن إمكانيات الثورة وقدراتها فى مختلف المجالات.. بل أن هذه الأفلام تمثل نقطة تحول فارقة فى تاريخ إسماعيل ياسين الفنـى.
ثانياً: أتاح قيام ثورة يوليو بشكل غير مباشر تغيير ملامح البطل السينمائى إلى حد كبير.. فبعد أن كانت مقاييس اختياره تخضع لوسامته وشعره الغزير اللامع وأناقته المفرطة ورومانسيته الخيالية.. تغيرت هذه المقاييس تماماً وأصبح أهم شروط اختيار البطل أن تكون ملامحه مصرية، شعبية، قريبة من قلب المواطن البسيط الذى أصبح يمثل الجزء الأكبر من إيرادات التذاكر.. فتأكدت نجومية شكرى سرحان، أحمد مظهر، صلاح ذو الفقار وكمال الشناوى.. ومن قبلهم عماد حمدى.. كل هؤلاء النجوم كانت ملامحهم تجمع بين الوسامة ورجولة وشهامة أبناء الطبقة المتوسطة.. وقد استمر تأثير هذا التغيير حتى يومنا هذا فلم تعد الوسامة هى الطريق للنجومية بل كلما اقتربت ملامح النجم من ملامح الطبقات الكادحة ازدادت شعبيته.
بدأ اهتمام عبد الناصر بالسينما مبكراً –كما يذكر الناقد الفنى الكبير على أبو شادى- فبعد تجربة فيلم «مصطفى كامل» الذى أخرجه أحمد بدرخان، وصادرته الرقابة فى الفترة الملكية، أفرجت عنه حكومة الثورة ليعرض بعد خمسة أشهر من قيامها، وحضر عبدالناصر عرضه الأول، تنبه رجال الثورة إلى أن هناك قانوناً جائراً للرقابة على المصنفات الفنية صدر فى عام ١٩٤٧ فى أعقاب التحركات الجماهيرية النشطة عام ١٩٤٦، يتَضَمَّن عشرات التعليمات التى تكبل حرية التعبير وتَفْرض دائرة من الحصار المحكم حول موضوعات أهم وسائل الاتصال الجماهيرية -السينما- وأكثرها شعبية، وتَضْمَن، تماماً، عدم المساس بالسلطة أو رموزها، فألغت وزارة الإرشاد القومى فى عام ١٩٥٥ تعليمات ١٩٤٧ وأصدرت قانوناً جديداً وفّر هذا القانون بعض الحرية لصناع السينماوفى نفس العام، أنشأت الثورة مصلحة الفنون التى رأسها الكاتب الكبير يحيى حقى، الذى بدأ تجربته الخصبة فى مجال الثقافة السينمائية عام ١٩٥٦ بإنشاء «ندوة الفيلم المختار» وهى الندوة التى خرج من رحمها جيل كامل من النقاد والمثقفين السينمائيين، كما أنتجت المصلحة عدداً من الأفلام التسجيلية والقصيرة. فى عام ١٩٥٧ بدأت المرحلة الثانية فى علاقة الثورة بالسينما فصدر قرار إنشاء أول مؤسسة عامة للسينما «مؤسسة دعم السينما» التى تحولت عام ١٩٥٨ إلى «المؤسسة المصرية العامة للسينما»، وكان هذا القرار يعنى تدخل الدولة رسمياً فى صناعة السينما، وإن ظل هذا التدخل محكوماً فى مراحله الأولى بالرعاية والدعم والإقراض والتمويل، وتزامن ذلك مع تزايد الاشتراك فى المهرجانات الدولية وإقامة المسابقات المحلية، وإنشاء أربعة معاهد فنية للسينما والباليه والفنون المسرحية والموسيقى كنواة لأكاديمية للفنون -بمساندة ودعم من عبدالناصر شخصياً لمقترحات د. ثروت عكاشة وزير الثقافة آنذاك وفقاً لما ذكره عكاشة فى مذكراته- لأن الرئيس كان يدرك أن إنشاء المعاهد الفنية ليس ترفاً، وأنه بهذا القرار يضع اللبنة الأساسية لمستقبل الفن، وثقافة المستقبل ثم تحولت المؤسسة المصرية العامة للسينما التى كان يقتصر دورها على الرعاية والدعم وتنشيط الجوانب الثقافية، إلى المؤسسة المصرية العامة للسينما والإذاعة والتليفزيون عام ١٩٦٣ التى تولت الإشراف على أربع شركات سينمائية، وأدّى ذلك بالمؤسسة فى ثوبها الجديد، وشركاتها المتعددة، إلى ممارسة الإنتاج والتوزيع وإدارة دور العرض بنفسها، وقد استمرت هذه التجربة التى عُرفت باسم «سينما القطاع العام» لمدة تسع سنوات (١٩٦٣-١٩٧١) قدمت فيها ١٥٩ فيلماً. ورغم اتقاد البعض لهذه السياسة إلا أنها أنجزت خلال عمرها القصير، فنياً وفكرياً، ما يفوق كل ما سبقه، فقد فتح القطاع العام آفاقاً جديدة ووفر فرصاً للعمل للمواهب من خريجى معهد السينما أو من خارجه، وقدم سينما جادة المضمون والهدف تسهم بفاعلية فى إشاعة الوعى الوطنى والقومى والاجتماعى بين الجماهير، والدليل على أهمية سينما القطاع العام عشرات الأفلام من إنتاج هذا القطاع تشكل نسبة كبيرة من أفضل الأفلام فى تاريخ السينما منذ بداياتها فى العشرينات ومنها «المومياء» و«البوسطجى» و«شىء من الخوف» و«الأرض» و«الاختيار» و«المتمردون» و«يوميات نائب فى الأرياف» و«ميرامار» و«غروب وشروق» و«القضية ٦٨» و«القاهرة ٣٠» و«الحرام» و«مراتى مدير عام» و«المستحيل» و«الجبل» و«الزوجة الثانية» وغيرها من قائمة تضم أكثر من ثلاثين فيلماً اختيرت ضمن أفضل مائة فيلم مصرى خلال مائة عام من السينما. لقد أعطت ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ الكثير للسينما فى مصر، فى الفترة من ١٩٥٢ وحتى ١٩٧٠ تاريخ وفاة عبدالناصر.
والفيلم المصرى الوحيد الذى تناول عبد الناصر من حيث فكره ودوره، هو فيلم " ناصر 56" يمكن أن نعتبر أن من أفضل الافلام التي تناولت ثورة يوليو بغض النظر عن الاختلاف في وجهات النظر هما فيلم "ناصر 56" وقد أبدع الراحل أحمد زكي بتجسيد شخصية الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس أنور السادات، وقد حصل أحمد زكي على درع الاعلام من وزير الاعلام "صفوت الشريف" في عام 1996 العام الذي عرض فيه الفيلم، وهوسيناريو وحوار محفوظ عبد الرحمن ومن إخراج محمد فاضل، وقد تناول رفض البنك الدولي تمويل بناء السد العالي ليعلن عبد الناصر قراره التاريخي تأميم قناة السويس ليبدأ العدوان الثلاثي الاسرائيلي والبريطاني والفرنسي على مصر، استمر تصوير الفيلم لمدة عام كامل، وواجه الكثير من الصعوبات والعراقيل منها احتراق الكثير من المشاهد المصورة في التحميض مرتين، وإصابة المخرج "محمد فاضل" بأزمة قلبية نتيجة الارهاق في العمل وانتهت بسفره الى الخارج وإجراء جراحة بالقلب، وكما توفت مديرة الانتاج أمينة المعداوي في دمياط إثر انقلاب سيارة التلفزيون وذلك قبل أن ترى جهدها في الفيلم، ومن الانتقادات التي واجهت الفيلم هو استنكار البعض لماذا ناصر 56 وليس فيلماً كاملاً عن عبد الناصر؟ بينما على الجانب الاخر استنكر البعض لماذا تمجيد الرئيس من خلال هذا القرار؟ لماذا لم يتم انتاج فيلم عن هزيمته في 67 ؟ كما اعترض البعض بقوله ألا يوجد صفحات مضيئة بتاريخ مصر سوى تأميم قناة السويس!! ومن بعض التعليقات التي كتبت حول لفيلم أن عبد الناصر ترك ثروة لمصر تدر عليه كل يوم 5 ملايين دولار من قناة السويس، بالرغم من الانتقادات التي نالت الفيلم الا أنه حقق ايرادات عالية جداً وحقق نجاحاً واسعاً في جميع البلاد العربية.