16 عاما على أحداث 11 سبتمبر.. اهتمام ثقافي لاقتلاع الإرهاب من جذوره

الإثنين، 11 سبتمبر 2017 02:00 م
16 عاما على أحداث 11 سبتمبر.. اهتمام ثقافي لاقتلاع الإرهاب من جذوره
11 سبتمبر - صورة أرشيفية

مع مرور الذكرى الـ16 للهجمات الإرهابية التي عرفت بـ أحداث 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن، يبزر تصاعد اهتمام المثقفين وسعيهم الفكري لاقتلاع جذور الإرهاب والتطرف في عالم مازال يبدو حتى الآن بعيدا عن الأمن المنشود منذ هذه الذكرى الأليمة في التاريخ الإنساني.

وتحل هذه الذكرى فيما تقف مصر على قلب رجل واحد في موقع متقدم على النسق الأول في جبهة الحرب على الإرهاب وتواجه بكل الحسم التنظيمات الإرهابية ومن يقف خلفها ويوفر لها ملاذات آمنة ويروج لخطابها الظلامي لدفع المنطقة نحو مستنقع التخلف والفوضى وأعاصير اليأس.

أسامة الغزالي: 11 سبتمبر العالم لم يعد بعده كما كان

وإذ رأى مثقف مصري بارز هو الكاتب والمعلق الدكتور أسامة الغزالي حرب أن يوم 11 سبتمبر 2001 هو "اليوم الذي لم يعد العالم بعده مثلما كان من قبله" فقد ذهب إلى أنه رغم مرور 16 عاما على تلك الأحداث المذهلة "لم يكشف أبدا عن كل حقائقها" معيدا للأذهان أنها كانت بداية أحداث كبرى في العالم مثل الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق.

وثمة اتفاق عام بين المعلقين على أن العالم مازال بعيدا عن الأمن المنشود والآمان المرتجى بعد 16 عاما من ذلك اليوم الأسود في التاريخ الإنساني وأن "عالم ما بعد 11 سبتمبر 2001 مازال مخيفا" بينما يتوقع البعض أن يتحول تنظيم إرهابي مثل تنظيم داعش إلى "لعبة الذئاب المنفردة والخلايا النائمة" بعد انحسار وجوده الظلامي على الأرض في العراق وسوريا.

خارطة الإرهاب بعد 11 سبتمبر

فبعد 16 عاما على أحداث 11 سبتمبر الأليمة والهجمات التي تعرضت لها نيويورك وواشنطن لتوجع الإنسانية كلها مازال الإرهاب يعربد على امتداد خارطة العالم ليسقط المزيد من الضحايا الأبرياء ويروع الإنسانية كلها ويثير المزيد من الشكوك والمخاوف التي تقوض جسور الحوار بين الثقافات بقدر ما تمنح المزيد من الذرائع لأعداء الحوار ودعاة صراع الحضارات على إيقاعات حشرجات القتلى.

داعش تحت مجهر المثقفين

وتنظيم داعش الظلامي الإرهابي بات تحت مجهر المثقفين سواء في مصر أو العالم العربي ككل وها هو الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة يتناول وضعية هذا التنظيم الدموي بعد الهزائم المتلاحقة التي منى بها في الأشهر الأخيرة.. مضيفا "وربما جاء اليوم الذي أدركنا فيه حقيقة داعش وكيف تشكلت ومن كان وراؤها وما هي الدول التي قدمت الدعم لهذه الفئة الباغية".

فاروق جويدة: معركة الثقافة مع داعش لا ينبغي التخلي عنها

غير أن جويدة يؤكد ضرورة البحث العميق في ظاهرة التطرف والإرهاب بأبعادها المتعددة.. مشددا على أن هناك "معركة فكرية وثقافية ودينية لا ينبغي التخلي عنها حتى لا يعود المرض ويصبح أكثر شراسة في سنوات مقبلة".

إنشاء مجلس قومي لمواجهة الإرهاب والتطرف

ونوه الكاتب والشاعر فاروق جويدة في هذا السياق بقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بإنشاء مجلس قومي لمواجهة الإرهاب والتطرف وهو المجلس الذي سيتحمل "مسؤولية إعداد استراتيجية كاملة لمواجهة الإرهاب على المستوى الأمني والفكري والثقافي والاقتصادي ودراسة أسباب الظاهرة وكيف نواجهها".

وأضاف في طرح بجريدة الأهرام أن هذا المجلس ستكون له أبعاده ونشاطه على المستوى العربي والإسلامي بل والعالمي "لأن القضية الآن أصبحت تمثل تهديدا للعالم كله" فيما شدد على أهمية تناول "الجوانب الفكرية والثقافية في قضية الإرهاب والتطرف".

داعش إلى أين؟

وفي كتاب جديد صدر بعنوان :"داعش إلى أين؟" يرى الدكتور فواز جرجس الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية أن هذا التنظيم الإرهابي يتعرض لانحسار في ظل الهزائم المتوالية التي يتجرعها في سوريا والعراق منذ العام الماضي غير أن هذا الأستاذ الجامعي المنحدر من أصل لبناني والذي يشغل أيضا منصب مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة لندن يحذر من أن انحسار داعش حاليا لايعني استبعاد إمكانية عودته بصورة جديدة وأكثر وحشية وعنفا.

وإذ يركز فواز جرجس على السياقين الاجتماعي والسياسي ضمن جهده المعرفي لفهم حقيقة وطبيعة تنظيم داعش فإنه يوضح أن هذا التنظيم وإن انحدر من تنظيم القاعدة المتهم بمسؤوليته عن أحداث 11 سبتمبر 2001 فإنه في الواقع ليس مجرد امتداد للقاعدة حيث "يدمج ما بين أبعاد محلية وعالمية".

وفيما يحذر جرجس مما يصفه "بفهم داعش على نحو أسطوري وسطحي ودعائي" فإنه يشير إلى وجود صلة بين ظهور هذا التنظيم الظلامي الإرهابي وسياقات ما عرف "بالربيع العربي" وتحطم مؤسسات الدولة في بلدان عربية "والصراعات الجيو-سياسية والجيو-طائفية" في المنطقة العربية.. موضحا أن البيئة المواتية للنمو الداعشي هي "بيئة الاضطراب والعنف والتسلط الطائفي".

أما ليلى صبار الكاتبة الفرنسية المنحدرة من أصل جزائري فقد سعت باعتبارها أديبة نالت جوائز ثقافية في فرنسا لمعالجة ظاهرة التطرف عبر رؤية إبداعية في عمل جديد لمجموعة قصصية قصيرة جاءت بعنوان :"الشرق أحمر" وتدور وقائعها في بلاد الشام بلغة مكثفة لكنها صادمة بمشاهد مؤلمة لممارسات الإرهاب في سوريا والعراق وهي مشاهد تتضمن أيضا تدمير لوحات فنية أو ما يمكن وصفه "بالإرهاب الثقافي".

وتحاول صبار في مجموعتها القصصية الجديدة الإجابة عن أسئلة ملحة في إشكالية التطرف والإرهاب وتبحث في دوافع مرتكبي الجرائم الإرهابية النكراء التي لا تمت للدين الحنيف بصلة.. موضحة أن هؤلاء الإرهابيين يعانون من حالة جهل ديني مطبق مع أنهم يرتكبون جرائمهم باسم الدين.

وليلى صبار صاحبة إبداعات بالفرنسية مثل "الملابس الخضراء" و"البيت الأزرق" و"العيون الخضر" عملت في الاذاعة الثقافية الفرنسية ولها كتب تتناول إشكاليات الهجرة والتكيف الثقافي ومعنية بقضايا الحوار المفترض بين العالم العربي والإسلامي وبين الغرب.

إذ يؤكد الخطاب الرسمي المصري عبر مضامين متعددة على أن أفكار وممارسات التطرف والإرهاب موجهة في الحقيقة ضد جوهر الدين الحنيف فإن هذه الظاهرة تفرض قضايا ثقافية بالدرجة الأولى فيما تلح إشكالية "صناعة الصورة الغربية الزائفة للإسلام" وحقيقة التيار الذي يقف خلف صنع هذه الصورة الزائفة مستفيدا بلا ريب من وقائع مثل الهجمات الإرهابية التي بلغت ذروة خطيرة يوم 11 سبتمبر 2001.

وإذا كان من المفترض والمأمول أن يرتكز أي حوار بين العالم الإسلامي والغرب على مبدأ الخصوصية الثقافية وأن يكون جزءا من الحوار المنشود بين الثقافات فمن دواعي الأسف أن هناك تيارا بأكمله في الغرب الأوروبي والأمريكي هو التيار اليميني العنصري الإقصائي المتطرف يجد في الهجمات الإرهابية التي تدمي قلوب كل الأسوياء في العالم فرصة سانحة لمزيد من "شيطنة المسلمين الذين يعيشون في هذه الدول".

ظاهرة الإسلاموفوبيا

ولاريب أن ظاهرة الإسلاموفوبيا أو كراهية المسلمين والخوف المرضي منهم شهدت مدا عاليا في الغرب بعد هجمات 11 سبتمبر الأليمة الأمر الذي كان يستدعي في المقابل جهدا ثقافيا عربيا - إسلاميا للتعامل مع هذا المشهد وصياغة أفكار مشتركة تعزز الجهود الرامية إلى تأكيد حقيقة أنه ليس هناك تعارض بين الإسلام ومؤسسات الدولة الحديثة ونبذ الصورة السلبية للإسلام والمجتمعات الإسلامية خارجها.

وفيما تشكل "لغة ومفردات جماعات التطرف والإرهاب وخطابها التكفيري الاستئصالي" عقبة لا يجوز التقليل من خطورتها على صورة المسلمين وتصورات الغرب عنهم فثمة حاجة في رأي العديد من المثقفين المصريين والعرب للتركيز على الجوانب الفكرية والثقافية لدحض الأفكار الظلامية للتنظيمات الإرهابية ونشر قيم ومباديء الإسلام السمحة والوسطية والمعتدلة جنبا إلى جنب مع بحث سبل مواجهة ظاهرة "الإسلاموفوبيا" التي تجتاح بعض الدول جراء المفاهيم المغلوطة عن الإسلام والتي تغذيها ممارسات إرهابية ناجمة عن أفكار متطرفة تجافي جوهر الإسلام.

ولظاهرة "الإسلاموفوبيا" انعكاساتها السلبية المباشرة على المسلمين الأبرياء الذين يعيشون في دول الغرب فيما يتعرض بعضهم لاعتداءات دون مبرر سوى تلك "الصورة الذهنية السلبية الناجمة عن ممارسات ولغة ومفردات الخطاب التكفيري الاستئصالي لجماعات التطرف والإرهاب التي تقسم العالم إلى فسطاطين".

وفي مواجهة هذا الخطاب قد يكون من المفيد الإشارة لحقيقة مثل أن بعض أفضل الأطروحات الجامعية ورسائل الدكتوراه لباحثين في قضايا تتصل بالخطاب الديني الإسلامي والقضايا التي تهم المسلمين نوقشت أصلا في جامعة السوربون بباريس وغيرها من كبريات جامعات الغرب كرسالة الدكتوراه للإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الراحل الدكتور عبد الحليم محمود وكانت في التصوف الإسلامي عن موضوع "أستاذ السائرين: الحارث بن أسد المحاسبي" ومن الطريف والدال على تنوع اهتماماته الثقافية أن أول ما نشره قصة ترجمها عن الفرنسية من تأليف اندريه موروا.

كما ارتبط شيخ الأزهر الحالي الدكتور أحمد الطيب بعلاقات علمية وثيقة مع هذه الجامعة الفرنسية وأساتذتها الكبار وكذلك كان الحال في رسالة الدكتوراه لعلم آخر من أعلام الأزهر وهو العلامة الدكتور محمد عبد الله دراز والذي حصل على الدكتوراه في فلسفة الأديان من السوربون عام 1947 وكانت الرسالة من شقين أحدهما "مدخل إلى القرآن الكريم" بينما شقها الثاني حول دستور الأخلاق في القرآن الكريم.

ولا ريب أن المستفيد الحقيقي من وضع مشحون بالشكوك والاحتقانات بين العالم الإسلامي وبقية أنحاء العالم وخاصة في الغرب الأوروبي والأمريكي هو التيار التكفيري الاستئصالي كما تعبر عنه جماعات التطرف والإرهاب، فضلا عن التيار الإقصائي العنصري المتطرف والمعادي للإسلام كدين بقدر ما يناهض الثقافة العقلانية الغربية المرحبة بالتنوع والحوار والتي تعلي من قيم الحرية والإخاء والمساواة والتسامح وقبول الأخر.

11 سبتمبر ونظرية الفوضى الخلاقة وصراع الحضارات

وفيما دفع العالم العربي ثمنا باهظا لأفكار ونظريات بعض الساسة في الغرب مثل "نظرية الفوضى الخلاقة" التي ظهرت بعد أحداث 11 سبتمبر وثبت أنها تشجع التطرف والإرهاب الذي يشكو منه الغرب للمفارقة فقد أثارت قبل ذلك نظرية "صراع الحضارات" للمفكر الأمريكي الراحل صمويل هنتجتون جدلا مريرا منذ طرحها عام 1993 واعتبرت ضارة بالعلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي.

ومن نافلة القول إن الجماعات المتطرفة والإرهابية روعت العرب والمسلمين قبل غيرهم في هذا العالم والتي تبدو كأدوات جهنمية حافلة بالشرور بقدر ما تخدم التيارات الإقصائية والعنصرية ودعاة الحروب بين الحضارات والثقافات.

ومصر التي تقدم الشهداء في حربها النبيلة ضد الإرهاب إنما تدافع في واقع الحال عن العالم ككل بقدر ما تشكل دوما الحصن المدافع عن الحضارة الإنسانية قابضة بالإيمان على رسالتها التاريخية التي تشكل جسرا طبيعيا للحوار بين الحضارات والثقافات.. ورغم ظلال الذكرى الأليمة لأحداث 11 سبتمبر وضحايا الإرهاب في عالم ما بعد 11 سبتمبر للتاريخ أن يزهو برجال في أرض الكنانة يحاربون الآن خطرا يهدد الإنسانية كلها.. فتحية للسواعد المصرية النبيلة والخطى الواثقة في الحرب على الإرهاب.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق