عقول معطلة

الأحد، 10 سبتمبر 2017 03:00 م
عقول معطلة
التفكير - صورة أرشيفية

استمعت إلى رأيه الجائر، الذى كان يلقيه بحماسة شديدة، أشبه بالهتاف وأنا مصدومة، فقررت مناقشته، وعندما سألته مستفسرة عن الأسباب والدوافع، التى جعلته يتبنى هذا الرأى، فاجأنى رده الخانق، الذى لا يخلو من الاتهام بأنه ليس رأيه، بل هو رأى فلان، الذى لابد وأن يكون صائبا، فهو أكثر علما وأشد ثقافة وخبرة ! حاولت أن أتمالك نفسى، وأسيطر على دهشتى، وأنا أخبره بأن كلنا قد يخطئ، وأنه لا يوجد معصوم، وأن لكل منا عقله الحر وضميره المستقل. 
 
فانهال علىّ سبا وتخوينا وتسفيها، كيف تجرؤين على التشكيك فى رأى فلان؟ كيف لا تعترفين برجاحة عقله وعلمه ببواطن الأمور ؟
هل تظنين نفسك أعلم منه أو حتى أنا؟ فهو الحاصل على شهادة كذا وكذا، كما أنه يشغل منصبا مرموقا، وهذه المسألة فى صميم تخصصه.
 
عند هذا الحد قررت الانسحاب آسفة، وأنهيت الجدال السخيف، وما ينتابنى من الشعور بالشفقة، والأسف أكبر بكثير من الشعور بالهزيمة والإهانة.
 
فقد انحدر بنا الحال، ليس فقط إلى الإلغاء التام لاستعمال العقول وتعطيل الضمائر، بل وصلنا إلى تقديس الأشخاص فى مختلف المجالات على حساب الأفكار والمبادئ والقيم، وجعلهم أشبه بحاملى الرسالات أو بالمتحدثين باسم الجماعات، وأيضا النيل من كل من يجرؤ على التفكير منفردا مستخدما عقله، ونائيا به عن القطيع.
 
أهكذا يُعرف الحق وتُحسم القضايا؟ وأين موقعنا مكانة وعلما وصلاحا من الإمام على بن أبى طالب، رضى الله عنه، عندما قال لحارث بن حوط، وقد قال له الحارث يا على! أتظن أن طلحة والزبير على باطل؟ وأنت على حق؟ فقال رضى الله عنه يا حارث! إنه ملبوس عليك أن الحق لا يُعرف بالرجال أعرف الحق تعرف أهله.
 
وإذا جزمنا برجاحة عقل وصلاح الأشخاص، كيف نتناسى قول النبى، صلى الله عليه وسلم، عن أم سلمة فى صحيح البخارى (إنما أنا بشرٌ، وإنكم تختصمون إلىَّ، ولعلَّ بعضَكم أن يكون ألحنَ بحُجَّتِه من بعضٍ، فأقضى له على نحوِ ما أسمعُ، فمن قضيتُ له بحقِّ أخيه شيئًا فلا يأخذُه، فإنما أقطعُ له قطعةً من النارِ). منبها إيانا أن كل البشر حتى هو، عليه الصلاة والسلام، قد تلتبس عليهم أمور الدنيا، إذا نقصت المعطيات أو تضاربت المعلومات أو تباينت طرق الإلقاء وقوة الحجج. اللهم اجعلنا أهلا لإتباع الحق لا الرجال.
صيدلانية

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق