معونة الّذُل الأمريكية

السبت، 09 سبتمبر 2017 03:37 م
معونة الّذُل الأمريكية
صبرى الديب

 
لا أدرى مبررا للغضبة التي أبداها البعض خلال الأيام الماضية، من قرار الكونجرس الأمريكى، بتخفيض المعونة الأمريكية لمصر بقيمة 300 مليون دولار، ومن قبلها قرار ووزير الخارجية الأمريكي، الذي أجل بمقتضاه صرف مبلغ 195 مليون دولارا من المساعدات العسكرية، وألغي 96.7 مليون دولارا أخرى، ولاسيما أن هذه ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي تستخدم فيها واشنطن ورقة "معونة الذل" للضغط على حرية القرار المصري، وأن التاريخ يؤكد أن الأمريكان لم يتركوا فرصة منذ إقرار المعونة في عام 1953، إلا وتدخلوا تحت ضغط "المن" لإقرار الواقع الذي يريدونه.
 
 
ففي عام 1956 استخدمت واشنطن ورقة المعونة ، للضغط على الرئيس عبد الناصر للتراجع عن قرار تأميم قناة السويس.. وعادت وقررت قطعها مره أخرى بعد شهور من عودتها في عام 1962 احتجاجا على إرسال عبدالناصر قوات مصرية لليمن.. ثم عادت وقطعتها مره ثالثة في عام 1964 بعد شهور قليله من عودتها اعتراضا على المظاهرات التي اندلعت فى القاهرة ، واتهمت واشنطن علنا أمام العالم، بالتورط فى مقتل الزعيم الكونغولي "بياتريس لومبوما" ، وحاول الأمريكان وقتها استخدام المعونة كورقة لمساومة الرئيس عبدالناصر، في مقابل قمع التظاهرات، إلا أن عبدالناصر رد عليهم فى خطابه الشهير فى 23 ديسمبر 1964 والذي قال فيه نصا: (إذا كان الأمريكان بيفهموا أنهم بيدونا المعونة عشان ييجوا يتحكموا فينا وفي سياستنا، أنا بقول لهم إحنا متأسفين، واللي مش عاجبه سلوكنا يشرب من البحر).
 
 
وبعد توقف شحنات السلاح المصرية إلى الكونغو، وتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في اليمن، حدث تقارب في المواقف الأمريكية المصرية مره أخرى في عام 1965، ووقعت القاهرة وواشنطن اتفاقيتين تمنح بموجبهما أمريكا 65 مليون دولارا لمصر في شكل معونات، إلا أن عبدالناصر رأى فيهما قيد على مصر في تصنيع السلاح، فقرر رفضهما، وقال في تصريح شهير:(إن الحرية التي اشتريناها بدمائنا لن نبيعها بالقمح أو الأرز).
 
 وظلت المعونات متوقفة حتى عام 1974 حينما اقترح وزير الخارجية الأمريكي "هنري كيسنجر" مد مصر بشحنه من القمح، بعد أن تدخل لرعاية اتفاقات التهدئة بين مصر والكيان الصهيوني عقب حرب 1973، إلى أن جاء توقيع اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني عام 1979، وصارت المعونات الأمريكية بشقيها العسكري والاقتصادي جزءا من الضمانات الأمريكية للاتفاق بين القاهرة وتل أبيب، وتحولت منذ عام 1982 إلى منح لا ترد بواقع 3 مليارات دولار لإسرائيل، و2.1 مليار دولار لمصر، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية.
 
وعقب ثورة 25 يناير 2011 وظهور قضية التمويل الأجنبي ، وتورط عدد من منظمات المجتمع المدني ، وتوجيه الاتهامات لنشطاء بينهم أمريكيون بالإضرار بالأمن القومي المصري، وإغلاق مكاتب لمنظمات حقوقية أمريكية في مصر، عادت واشنطن فلوحت بقطع "المعونة".. وعادت وقررت تعليقها عقب الإطاحة بمرسى ونظام الإخوان، بعد رفض مصر أى تدخلات أمريكية فيما يتعلق بخارطة الطريق.
 
الغريب أنه على الرغم من ذلك التاريخ الأسود ، لـ "معونة الذل" ، إلا أننا لازلنا لم نقتنع بعد ، أن ما يمنحه لنا الأمريكان ليس"منّا ولا صدقة" ، خاصة بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وأنه إلى جانب ضمان استمرار الاتفاق الاسترتيجى مع الكيان الصهيوني، فقد استفادت واشنطن من مصر أضعاف ما تقدمه من مساعدات، فى الوقت الذي ألزمتنا فيه بشروط مجحفة أصبح وجودها غير مقبول.
 
أعتقد أنه قد آن الآوان لرفض "معونة الذل الأمريكية" لضمان حرية القرار المصري، ولنا في رد الرئيس عبد الناصر عبرة (اللي سلوكنا مش عاجبه يشرب من البحر).
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة