سليمان..ملك ملوك الأرض قاهر الإنس والجن
الثلاثاء، 05 سبتمبر 2017 09:00 م عبدالفتاح على
هو سليمان بن داود بن إيشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن نحشون بن عمينا داب بن ارم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وبحسب الحافظ بن عساكر، هو نبى الله ابن نبى الله، من سلالة الأنبياء.
ما أن انتهت جنازة سيدنا داود عليه السلام، حتى تولى ابنه المشهود له بحسن الخلق والإيمان، سليمان عليه السلام، الحكم من بعده على بنى إسرائيل، فبادلوه الحب بالمحبة.
حتى أمه عليه السلام، كانت من العابدات الصالحات، وبعد أن تولى الحكم قالت له: «يا بنى لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تدع العبد فقيرا يوم القيامة»، فتدفعه نحو قيام الليل، والسهر على مصالح عباد الله الذى أؤتمن عليهم.
قال الله تعالى فى سورة النمل {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} إلا أن سيدنا سليمان لم يرث قرشا واحدا من أبيه سيدنا داود، فقد كان المقصود بالوراثة النبوة والملك فقط، لأن الأنبياء لا تورث، فتصبح أموالهم من بعدهم صدقة.
لم يمنح الله أحدا، مثلما منح سليمان، {وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}، فحشر لسليمان الوحش والطير والإنس والجن فكان أعظم ملك لأعظم مملكة على وجه التاريخ.
وفى أحد الأيام كان سليمان عليه السلام يمشى يطمئن على رعيته، فى زمن القحط حيث جدبت الأرض وأصابهم وابل من البؤس، فظل سليمان يدعو ربه، أن ينعم على رعيته بالمطر، وفى هذا الوقت سمع نملا قد خرج من جحره فإذا بنملة رفعت قوائمها إلى السماء تدعو الله عز وجل أن يسقيهم المطر، فقال سليمان عليه السلام لأصحابه ارجعوا إلى بيوتكم، فقد كفيتم، لقد دعت الآن نملة ربها المطر، وسيستجيب الله لها ويسقيكم المطر.
وفى طريق العودة مر سليمان بعصفور يدور حول عصفورة، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول؟ قالوا: وما يقول يا نبى الله؟ قال: يخطبها إلى نفسه ويقول: تزوجيني، أسكنك أى غرف دمشق شئت.
فضحك سليمان عليه السلام وقال: خاطب كذاب، لأن غرف دمشق مبنية بالصخر لا يقدر أن يسكنها أحد.
وما أن غمر الله الأرض بالمطر، وعاد الزرع الأخضر ينتشر فى المراعي، يأكل منه كل حي، حتى قرر سليمان أن يعاود الكرة، فأخذته قدماه مع جنوده نحو الغابات، وما أن اقترب من وادى للنمل، فسمع صوت نملة تحذر قومها {أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}.
لما وصل سليمان حديثها ضحك «فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ»، فنسب الفضل مباشرة لله عز وجل ويدعوه على أن يعينه على شكر هذه النعم.
البعض قال إن الواقعة حدثت بالطائف، وأن النملة اسمها جرسا، من قبيلة بنو الشى صبيان، وكانت عرجاء، وكانت بحجم الذئب، لكنه قول ليس عليه دليل، وأقرب للأساطير، مثل القول الذى ادعى أن الدواب كانت تنطق قبل سليمان وتخاطب الناس، حتى أخذ عليهم سليمان العهد، وألجمها فلم تتكلم بعد ذلك.
كان من عادة سيدنا سليمان، أن يتفقد الجيش صباح كل يوم، وفى أحد الأيام كان يتفقده فلم يجد الهدهد فى مكانه، فسأل عنه، لم يعلم أحد أين ذهب، وكيف جرؤ على التخلف عن موعد مرور القائد فى الصباح.
غضب سليمان الذى عرف عنه الحزم والانضباط، فقد جاء فى كتاب الله الكريم {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّى بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}.
فما لبث حتى رجع الهدهد بعد فترة، فهرول إلى القائد على الفور، فبادره سليمان وسأله ما الذى أخرك؟ قال يا نبى الله لا تستعجل علىّ فقد جئتك بخبر عظيم وبنبأ يقين {فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}.
فجلس سليمان يستمع للهدهد، الذى أكمل حديثه قائلا {إنِّى وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}.
كان الهدهد يتحدث عن بلقيس، المرأة التى كانت تحكم الناس فى اليمن، ويعبدون الشمس من دون الله، فصدم سليمان عليه السلام بهذا الخبر، مستنكرا، كيف لأمة من الناس الذين أعطاهم الله العقل فيعبدون غيره.
جاء فى مرويات بنى إسرائيل أنه بعد وفاة والدها الملك المهاب، الذى تزوج من جنية تدعى ريحانة وأنجب منها بلقيس، قرر قومها أن يجعلوا رجلا ملكا عليهم بعد أبيها بدلا منها، فعم بسببه الفساد، فدعته للزواج منها، فوافق الرجل، أملأ فى تدعيم ركائز ملكه، لكن بلقيس قتلته وعلقت رأسه على باب القصر، فخشى الناس منها، وملكوها عليهم.
المهم، أراد سليمان عليه السلام أن يتأكد من هذا الهدهد هل هو صادق فى حديثه أم كاذب كالعصفور، فقال له سوف اكتب لك رسالة صغيرة تلقيها على هذه المرأة التى وصفت ثم انظر ماذا تفعل هذه المرأة.
أطاع الهدهد أمر القائد، وهناك فتحت بلقيس الرسالة متعجبة من أين أتت؟ فإذا مكتوب فيها {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ}.
فجمعت بلقيس أمراءها، ووزراءها، وأكابر دولتها إلى مشورتها، وقالت لهم ماذا أفعل، فإذا بهم يحرضون بلقيس على القتال وقالوا {نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ}.
لكن بلقيس كانت أعقل منهم فقالت لهم {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ}، فقالوا لها إذا ماذا نفعل يا بلقيس ربما يأتينا سليمان بجنوده، فقالت لهم سوف أرسل لهم هدية، وننظر ماذا يفعلون.
كانت الهدية عبارة عن قافلة كبيرة محملة بالذهب والفضة والمجوهرات وكل ما يهنأ به الإنسان، فإن كان سليمان هذا نبى كما يزعم فإنه لن يقبل بالهدية، وإن كان من أهل الدنيا فتسكته هذه الأموال، ونستريح من شره.
فلما وصل الرسول إلى سليمان عليه السلام، فسأله قال ما هذه القافلة قال إنها هدية يا سليمان، فقال مِن مَن هذه الهدية؟ قال هذه الهدية من بلقيس ملكة سبأ، فغضب سليمان، فقد كان أعظم ملوك الدنيا، ولديه من الكنوز ما تنوء بها الجبال، لكن كل ما يفكر فيه كانت الدعوة إلى الله، وحسن عبادته، وخشى أن يحاسبه المولى عز وجل على وجود مَن يكفر به على الأرض وقد ولاه عليها.
{فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ}، فقال للرسول ارجع بأموالك إلى بلقيس، فغادر الرسول مسرعا ليحذر سيدته، بعد أن رأى الغضب الشديد على وجه سليمان.
وما أن غادر الرسول، حتى جمع سليمان الملأ وجيشه ليستشيرهم، فقال لهم مَن الذى يأتينى بعرشها، أريده بين يدى الآن، أريد عرش هذه المرأة التى ظنت أنها ستشترينى بأموالها، وتوقفنى عن دعوة الله.
فقال عفريت من الجن أنا أتيكم بعرشها قبل أن يأتيك نصف النهار، لأن سليمان كان يبدأ يومه بالجلوس على عرشه ينظر أحوال الناس ويقضى حوائجهم، ولا يقوم إلا عندما ينتصف النهار.
{قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّى عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}، فرفض سليمان تلك المهلة الزمنية، التى رآها طويلة، وخشى أن يقبض الله روحه، وفى الأرض مَن يعبد غير الله.
فقال سليمان: لا هذا وقت طويل، أريد أن أنهى هذا الكفر، قبل ذلك بكثير، فقال أحد كبار مستشاريه الذى مَنّ الله عليه بالعلم من الكتاب الله: يا سليمان إذا أردت عرش بلقيس فإنك ما أن تنظر لأمر، ثم تعيد نظرك إليك مرة أخرى، إلا وترى عرشها أمام عينيك، فقال سليمان لك ما أردت افعل هذا واتنى بعرشها قبل أن يرتد إلىّ طرفي.
{فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِى أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِيٌّ كَرِيمٌ}.
ثم قال لجنوده بدّلوا لها عرشها، واجعلوا الذى فى الأعلى فى الأسفل والذى فى اليمين فى اليسار فنختبرها هل ستعرف عرشها، أم لا؟
فلما وصلت بلقيس وأذعنت لسليمان عليه السلام، فسألها هل هذا عرشك؟ وكانت بلقيس ذكية عاقلة ما قالت نعم ولا قالت لا قالت: {كَأَنَّهُ هُوَ}.
فقال لها سليمان ادخلى قصري، فدخلت، وجدت فيه نهرا يجرى داخل القصر، فرفعت ثيابها لتدخل فى النهر، فقال لها سليمان وهو يبتسم يا بلقيس لا تكشفى عن ساقيك هذا النهر مغطى بالزجاج.
{قِيلَ لَهَا ادْخُلِى الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
كانت بلقيس تعتقد أن عرشها أعظم عرش وقصرها أعظم قصر، فآمنت أن الله قادر على كل شىء، فذهبت وجلست مع سليمان وأخذ يعلمها دين الله، وعلمها التوحيد وأن عبادة غير الله أمر غير مقبول، فعرفت بلقيس أنها قد ظلمت نفسها {قَالَتْ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
وذكر أن سليمان بعد أن تزوجها جعلها ملكة على اليمن، وكان يزورها فى كل شهر مرة، فيقيم عندها ثلاثة أيام، ثم يعود على فلسطين حيث مقر حكمه، وأمر الجان فبنوا له ثلاثة قصور باليمن: غمدان، وسالحين، وبيتون.
ظل سليمان عليه السلام يدعو لله عز وجل ويجاهد فى سبيله، فى يوم كان يستعرض وقت العصر الخيل السريعة (قيل إنها من ذوات الأجنحة) التى يقاتل بها، فلم يدرك الوقت، فغربت الشمس ونسى أن يصلى لله عز وجل {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّى حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}.
ندم سليمان عليه السلام جدا، وظل يستغفر ربه، فنادى سليمان جنوده وقال اتونى بالخيل كلها فقدمها قربانا، لله عز وجل وذبحها، حتى لا تلهيه مرة أخرى عن ذكر الله، وفرق لحومها للفقراء والمساكين {رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ}.
قال بعض العلماء: أن الله تعالى عوّض سليمان لما ترك الخيل لله، بأن منحه خيرا منها، بالريح التى كانت غدوها شهرا ورواحها شهرا، فكان يقف فوق خشبة كبيرة، فيأمر الريح أن تحمله فتطيعه بإذن الله إلى حيث شاء.
يقول النبى محمد صلى الله عليه وسلم، إن سليمان بعد أن جدد بيت المقدس، دعا ربه ثلاث، فأعطاه اثنتين ومنعه واحدة، وقال اللهم إنى أسألك حكما يوافق حكمك فأعطاه الله عز وجل، وقال اللهم إنى أسألك ملكا لا ينبغى لأحد من بعدي، فأعطاه الله عز وجل، أما الثالثة فقال يا رب ما خرج أحد من بيته يريد الصلاة فى بيت المقدس فلا ترجعه من ذنوبه إلا كيوم ولدته أمه، منعت منه فقال النبى صلى الله عليه وسلم «أرجو أن تكون لنا هذه الثالثة».
فى يوم من الأيام ذهبت امرأتان تحملان كل منهما رضيعا، إلى الصحراء فجاء ذئب فافترس طفلا وبقى الآخر، فتنازعت المرأتان فيه فقالت الكبيرة ابنى وقالت الصغيرة ابني.
فذهبتا إلى سليمان تحتكمان، فقال لهما «اتونى بسكين أشقه لكما نصفين نصف للمرأة الكبيرة ونصف للصغيرة، فسكتت الكبيرة فصرخت الصغيرة وقالت يا نبى الله اعطها الطفل فإنه لها.
فعلم سليمان عليه السلام أن الصغيرة هى أمه فأعطاه لها {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}.
كانت لسليمان من النساء ألف امرأة، سبعمائة بمهور، وثلاثمائة سراري، وقيل: بالعكس وقد كان يطيق من التمتع بالنساء أمرا عظيما جدا.
قال سليمان لأطوفن الليلة على مائة امرأة، كل امرأة منهن تلد غلاما يضرب بالسيف فى سبيل الله، ولم يقل إن شاء الله، فطاف تلك الليلة على مائة امرأة فلم تلد منهن امرأة إلا امرأة ولدت نصف إنسان، { َلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدا ثُمَّ أَنَابَ}.
سخر الله لسليمان الجن والشياطين، وكان منهم «البنّاء» الذين يبنون له المبانى، ومنهم «الغواص» الذى يدخل فى البحر فيخرج منه الجواهر بأمر سليمان عليه السلام {وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ}.
فكانوا يصنعون أمورا لا يتخيلها أى إنسان، فالمحاريب التى فى المساجد وفى البيوت والتماثيل أيضا والجفان مثل الأحواض الكبيرة وكذلك القدور التى يصنع فيها الطعام ويوزع على الفقراء والمساكين {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}.
وقد أمر سليمان عليه السلام الجن والإنس ببناء المسجد الأقصى، وقيل فى روايات أن سليمان أعاد بناءه، لا تأسيسه، فبناه بناء محكما.
وقيل إن أول مَن بنى المسجد كان سيدنا آدم، وقيل أيضا إن مَن بناه كان سيدنا يعقوب عليه السلام، كما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأله أبو ذر، يا رسول الله أى مسجد وضع أول؟
قال: «المسجد الحرام»، قلت: ثم أي؟ قال: «مسجد بيت المقدس»، قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون سنة».
ومعلوم أن بين إبراهيم (الذى بنى المسجد الحرام)، وبين سليمان، أزيد من ألف سنة، لذا فرواية أن يعقوب من بنى المسجد الأقصى هى الأقرب للصدق، لكن الثابت أن سليمان من عمّره وكبّره ووسعه وجعله على الهيئة التى هى عليها الآن، بمساعدة الجن والإنس، الذين كانوا يأتمرون بأمره بمشيئة الله.
أما الشياطين التى تعصى أمر سليمان، فكانت تحبس {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِى الأصْفَادِ} وكانت الشياطين تهاب سليمان عليه السلام وكانت تخرج مسرعة إذا دخل سليمان بيت المقدس، فقد كانت تخاف أن تحترق، كما كان يهابه السحرة، وكان يستولى على ما يعملونه من سحر وشعوذة ويدفنه تحت كرسيه.
وجاءت اللحظات الأخيرة فى وفاة أعظم ملوك الأرض، فقد أحس بدنو أجله، ولكنه علم أيضا أنه إذا مات فستفسد الشياطين فى الأرض مرة أخرى وستطلق من محبسها.
فأخذ عصاه فاتكأ عليها وقام يصلى فى بيت المقدس، فلما حانت منيته قبض الله روحه متكأ على عصاه، فلم يسقط على الأرض وظن الجن والشياطين أن سليمان ما زال يصلى فقد كان يظل شهورا معتكفا لله عز وجل.
وقيل إنه ظل سنة كاملة على هذه الحال حتى بدأت دابة الأرض تأكل من العصى وتنخر فيها، فضعفت العصى فوقع سليمان عليه السلام وانتشر بين الناس أن سليمان نبى الله قد مات، {فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبين الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين}.
بموت سليمان، انطلقت الشياطين وبدأوا يفسدون فى الأرض وحفروا تحت كرسى سليمان عليه السلام، وقالوا هذا ورث سليمان هذا علم سليمان فنسبوا لسليمان عليه السلام السحر {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}.