يعقوب..حفيد الخليل وابن البشارة ووالد الصديق
الثلاثاء، 05 سبتمبر 2017 09:00 ممحمود سمير
للقصص القرآنية أهمية عظيمة للمسلمين، فهى تعرفنا بالقصص الغابرة، لنتخذ منها العظة والعبرة ولنتعرف على سبل أنبياء الله – عليهم السلام - فى الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ولقد ميز الله أنبيائه الكرام بعصمتهم من الذنوب صيانة لعلو مكانتهم،ومن هؤلاء الأنبياء سيدنا يعقوب – عليه السلام – وهو ما سنتحدث عنه فى السطور القادمة:
يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فهو نبى ابن نبى ووالد نبى «سيدنا يوسف»، - عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام - وتعرف أمه بـ «رفقة» بنت بتوئيل، وهو أحد الأنبياء المذكورين فى التوراة والقرآن، وقد تم ذكره فى القرآن الكريم 16 مرة، وله من الأبناء 12 ولدا من بينهم سيدنا يوسف، وبنت وحيدة اسمها دينا، ويعرف أولاده بـ «بنى إسرائيل» نسبة إليه، حيث أنه معروف أيضا باسم «إسرائيل».
وقصته- كما ترويها الإسرائيليات- تقول: لقد تزوج أباه سيدنا «إسحاق» عليه السلام من أمه «رفقا» وهو فى سن الأربعين وكانت أمه عاقرًا، فدعا الله لها، فأنجبت ولدين توأم، الأول أسمه «عيصو» والثانى خرج آخذا بعقب أخيه فسموه «يعقوب» – عليه السلام - وكان أبوه يحب أخاه «عيصو»، وكانت أمه تحبه هو – أى سيدنا يعقوب
لما كبر أبوه «إسحاق عليه السلام» ضعف بصره، وكان يفضل أخاه «عيصو» عليه، فاشتهى والده «إسحاق» الطعام فطلب من «عيصو» أن يصطاد له صيدًا ويطبخه له ليدعو له، وكان أخوه يحب الصيد فذهب ليصطاد، فأمرته أمه أن يسبق هو أخاه ويذبح لوالده من غنمه ما يتشتهيه أبوه ويطبخه هو له، وألبسته أمه ثياب أخيه، وكان أخوه أشعر الجسد، فجعلت أمه على جسمه وعنقه من جلد الغنم المذبوح، فذهب إلى أبيه بالطعام.
فلما دخل على أبيه بالطعام سأله: من أنت، فرد قائلًا: «ولدك»، ولم يذكر اسمه خشية أن يعرفه أبوه ويرفض أن يأكل من الطعام، فرد إسحاق: قائلا: «أما الصوت فهو ليعقوب وأما اللبس فهو والجسم لـ «عيصو»، فلما أكل والده وفرغ من الطعام، دعا الله له أن يكون أكبر أخواته قدرًا، وأن يكون له كلمة عليهم، وأن يكثر ولده ورزقه.
وخرج «يعقوب» من عند أبيه «إسحاق» بعد أن دعا له، وبعد أن ذهب من عند أبيه، جاء أخوه «عيصو» لأبيه بالطعام الذى طلبه منه، فقال: «ما هذا يا بنى؟»، فقال له أما جئتنى به قبل الساعة وأكلت منه ودعوت لك، فعلم «عيصو» أن «يعقوب» سبقه وأتى لوالده بالطعام.
فلما علم أخوه «عيصو» أنه أتى والده بالطعام قبله، وجد فى قلبه ضغينة وكراهية له، حتى يقال إنه تواعده بالقتل إذا مات أبوهما، وطلب أخوه من أبيهما أن يدعو له أن يجعل لذريته غليظ الأرض، وأن يكثر أرزاقهم وثمارهم.
لما سمعت أمه تواعد أخيه بالقتل، ورأت الكراهية من أخيه له، طلبت منه أن يترك البيت وأن يذهب لخاله، «أخاها»، الذى يتواجد بأرض «حران» وهى مدينة تقع حالياً جنوب شرق تركيا، وكان خاله يدعى «لابان»، وطلبت منه أمه يظل عند خاله إلى أن يسكن غضب أخيه، وأن يتزوج من بنات خاله، وقالت لأبيه «إسحاق» أن يأمره بذلك، ويدعو له، فأمره أبوه أن يذهب لخاله ودعا له.
لم يخرج يعقوب إلى خاله بعيدا عن أبويه لولا جفوة عيصو توأمه، فهو كان يرى أن يعقوب أحب إلى قلب أمه فكان يكرهه، لذلك فإن أباه اقترح عليه أن يبتعد فأخذ باقتراحه ولم يعد إلى مسقط رأسه إلا بعد أن تزوج وعرف أن عيصو لان قلبه قليلا.
بعد أن أمره أبواه بالذهاب إلى خاله، خرج يعقوب – عليه السلام – من عندهم وسار فى طريقه إلى خاله، وعندما حل المساء أدركه التعب، فاستراح قليلًا، وأخذ حجرًا ووضعه تحت رأسه ونام، ورأى فى منامه، معراجًا منصوبًا من السماء إلى الأرض، ووجد الملائكة فيه يصعدون وينزلون، ووجد رب العزة سبحانه وتعالى يخاطبه ويقول له: «إنى سأبارك عليك وأكثر ذريتك، وأجعل الأرض لك ولذريتك من بعدك».
فلما استيقظ من نومه فرح فرحًا شديدًا بما رأى فى منامه، ونذر لله نذرًا، لئن رجع لأهله سالمًا ليبنين موضع الحجر هذا معبد لله عز وجل، وأن ما يرزقه الله به سيجعل عشرًا منه صدقات لله تعالى، وذهب إلى الحجر الذى وضع أسفل، وجعل عليه علامة ليعرفه بها بعد ذلك، وسمى ذلك الموضع «بيت إيل» أى بيت الله، وهو موضع بيت المقدس الآن، الذى بناه يعقوب فيما بعد.
ووصل يعقوب إلى بيت خاله « لابان»، وكانت لخاله ابنتان الكبرى وتسمى «ليا» والصغرى تسمى «راحيل» وكانت الابنة الصغرى أكثر جمالًا من الكبرى، فطلب «يعقوب» من خاله أن يزوجه «راحيل» الابنة الصغرى، وطلب منه أن يرعى غنمه سبع سنين كمهر ليزوجه ابنته، ففعل يعقوب، وعندما انتهت السبع السنين، أقام خاله وليمة وطعام ودعا الناس إليه، وزف إليه ابنته الكبرى «ليا»، وكانت ضعيفة النظر، قبيحة الشكل، فلما أصبح يعقوب ذهب إلى خاله وقال له: غدرت بى وزجتنى الكبرى، فقاله له خاله: « ليس من عاداتنا تزويج الصغرى قبل الكبرى»، إن كنت تريد الصغرى فارع لى غنمى سبع سنين أخرى، ففعل يعقوب وتزوج «راحيل»، - وكان فى شريعتهم جائز أن يتزوج الرجل بالأختين، ثم نسخت فى التوراة، ثم وهب خاله لكل من ابنتيه جارية، فوهب لـ «ليا» جارية اسمها «زلفى»، ووهب لـ «راحيل» جارية اسمها «بلهى».
ولقد قامت زوجتاه بوهبه الجاريتين، فأصبح متزوجا من أربع هن«ليا، وراحيل، وزلفى، وبلهى»، لم يكن تعدد الزوجات يسيرًا على يعقوب، بل كان سببا فى كل محنته التى لاقاها فيما بعد بسبب كيد إخوة كانوا من أربع زوجات.
فجبر الله قصر «ليا» وكانت أول من أنجبت له روبيل ثم شمعون، ثم لاوي، ثم يهودا، ثم إيساخر، ثم زابولون ثم حملت مرة أخيرة وخلفت بنتاً واحدةً سمتها دينا.
أما راحيل فكانت عاقرًا لا تلد، وكان هذا سبب إهدائها له جاريتها «بلهى» فتزوجها فأنجب منها غلامًا سموه «دان» ثم حملت مرة غلامًا أيضًا سمته «نفتالى»، ولهذا السبب غارت «ليا» وأهدته جاريته على إثرها، فتزوجها أيضًا وأنجب منها ولدين وهما «جاد وآشير».
ثم قامت راحيل بالتضرع وبدعاء الله تعال ىأن يهبها غلامًا من يعقوب، فاستجاب الله تعالى لها ووهبها غلامًا جميلا سموه «يوسف» – عليه السلام-، كل هذا وهم مقيمون على أرض حران، ويعقوب يقوم برعاية غنم خاله، حت ىمكث فى «حران» ستة أعوام بعد دخوله على ابنة ىخاله فمكث عشرين عامًا فى حران.
طلب يعقوب عليه السلام من خاله «لابان» أن يتركه يرجع لأهله، فقال له خاله «لقد حلت البركة على مالى وغنمى بسببك فخذ من مالى ما تشاء، فأخذ يعقوب من غنم خاله وراعاه فى طريقه إلى العودة حتى صارت له أغنام كثيرة ودواب وعبيد، حتى غار منه أبناء خاله وحملوا له الضغينة فى قلوبهم.
فأوحى الله تعالى إلى يعقوب أن يرجع إلى بلد أبيه وقومه، ووعده بأن يكون معه، فعرض على أهله العودة، فلبوا طلبه، فأخذ ماله وأهله، وسرقت زوجته «راحيل» أصنام أبيها، فلما ذهب بعيدًا عن بلدة خاله، لحقهم «لابان» وجاء خلفه ليعاتبه على الرحيل دون علمه، ليودع بناته وأحفاده ويقيم لهم حفل وداع بالمزاهر والطبول، وليسأله عن أصنامه، ولم يكن يعلم يعقوب شيئًا عن أصنامه التى قامت «راحيل» بسرقتها فأنكر أنها معهم.
فدخل «لابان» على بناته وإمائهن ليفتش عن أصنامه، وكانت «راحيل» قد خبأتهم تحت برذعة الجمل، وكانت تجلس عليها ولم تقم وتعللت بأنها حائض لا تستطيع القيام، فلم يجد «لابان» أصنامه، وتعاهد خاله معه على أن يحسن معاملة بناته وألا يتزوج عليهن، وودع كل منهما الآخر، وعاد «لابان» إلى حران مرة أخرى.
وبعث يعقوب إلى أخيه قافلة لكى يترفق عليه ويصالحه، فرجعت القافلة قائلة: أن أخاك «عيصو» قادم إليك ومعه أربع مائة راجل، فخشى يعقوب من أخيه ومن معه، فدعا الله تعالى وتضرع إليه أن يكف عنه أذاهم، وجهز هدية لأخيه وكانت عبارة عن «مائتى شاة، وعشرين تيسا ومائتى نعجة، وعشرين كبشًا، وأربعين بقرة، وعشرة من الثيران، وعشرة من الحمر، وأمر عبيده بأن يسوقوا هذه الهدايا لأخيه، وأن يكون قلة قافلة منهم وراء الأخرى، وذهبوا فى طريقهم إلى «عيصو»، وإذا قابلهم قال للأول لمن هذا القطيع قال لعبدك يعقوبك، أهداها لسيدى عيصو، والثانى مثل ذلك والثالث أيضا، وهكذا، ويقول كل منهم وهو أى «يعقوب» آتى خلفنا.
ورفع يعقوب عينيه فإذا بأخيه «عيصو» قد جاء ومعه الأربع مائة رجل، فتقدم يعقوب أمام أهله خشية أن يتعرض لهم أخوه، فلما رأى أخاه سجد له سبع مرات (وكانت هذه تحيتهم فى هذا الزمن، وكان مشروعا لهم كما سجد إخوة يوسف وأبواه له)، ولما رآه «عصيو» احضتنه وقبله وبكى، ورفع عيصو عينيه، ونظر إلى النساء، وقال: «من أين لك هذا؟، فقال: « هؤلاء ما وهب الله لعبدك»، فاقتربت الجاريتان «زلفى وبلهى»، وأبنائهما فسجدوا له، واقتربت زوجتاه وسجدوا أيضًا له.
وعرض يعقوب على أخيه أن يقبل هديته وألح عليه فقبلها، ورجع عيصو ومشى فى الأمام وتبعه يعقوب وزوجاته وأبنائه، إلى طريق جبال «ساعير»، وهو المكان الموجود به أبوه «إسحاق»، ثم توفيت زوجته راحيل أثناء ولادة «بنيامين» فدفنها يعقوب فى أفراث وهى بيت لحم الآن، وجعل يعقوب على قبرها حجرًا، وهى الحجارة المعروفة بقبر «راحيل» إلى يومنا هذا.
وجاء «يعقوب» إلى أبيه «إسحاق»، وأقام عنده بقرية «حبرون»، والموجودة فى أرض «كنعان»، حيث يسكن سيدنا «إبراهيم»، ومرض «إسحاق» وتوفى عن عمر مائة وثمانين سنة، وقام بدفنه أبناء يعقوب وعيصو، وأبوه الخليل إبراهيم، «عليهم جميعا وعلى نبينا الصلاة والسلام».
ومن الجدير بالذكر أيضًا أن سيدنا يعقوب كان يحب ابنه سيدنا «يوسف» ويفضله على بقية أبنائه الأحد عشر، وكانوا أخواته يغارون منه ويكيدون له، ولما رأى سيدنا يوسف رؤيته الشهيرة، وهى«أحد عشر كوكبا والشمس والقمر يسجدون له، كما ذكر ذلك القرآن الكريم،» فنصحه أبوه ألا يقص تلك الرؤيا على أخوته فيزدادونله كيدًا، حتى أن الشيطان سول لهم أن يقتلوه، ولكن نصحهم أخوهم ألا يقتلوه ولكن يلقوه فى غيابة الجب، ليتلتقطه بعض المارة.