شعيب..خطيب الأنبياء كذب به قومه فأخدتهم الرجفة

الثلاثاء، 05 سبتمبر 2017 09:00 م
شعيب..خطيب الأنبياء كذب به قومه فأخدتهم الرجفة
صورة

يسميه المفسرون خطيب الأنبياء لحسن مراجعة قومه فى إقامة الحجة عليه ودحض حججهم. هو شعيب بن ميكيل بن يَشجر بن مدين من ذرية إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وقيل هو ابن ابنة نبى الله لوط، وقيل غير ذلك، ، وهو من الأنبياء  العرب لقوله صلى الله عليه وسلم لأبى ذر عند ذكر الأنبياء والرسل: أربعة من العرب: «هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر» رواه ابن حبان.
 
ذكر  شعيب فى القرآن الكريم عشر مرات، فى سورة الأعراف، وهود، والشعراء، والعنكبوت، أما قومه فهم شعب مدين بن إبراهيم عليه السلام، ويعبر عنهم فى التوراة بمديان وأما مكانهم فكانوا مزولا فى بلاد الحجاز مما يلى الشام .
 
كان أهل مدين قومًا عربًا يسكنون فى بلاد الحجاز مما يلى جهة الشام قريبًا من خليج العقبة من الجهة الشمالية، ومدينتهم مدين كانت قريبة من أرض معان من أطراف الشام وهى قريبة من بحيرة قوم لوط وكانوا بعدهم بمدة قريبة لقوله تعالى حكاية عن نبيه شعيب «وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ» سورة هود، ومدين قبيلة عرفت بهم وهم من بنى مدين بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام.
 
وكان أهل مدين على دين إبراهيم – الإسلام- إلا أنه لم يطل بهم العهد حتى غيروا دينهم وكفروا بالله، وقد كانوا أصحاب تجارة وسلع وكانوا على الجادة التجارية الكبيرة بين اليمن والشام وبين العراق ومصر على ساحل البحر الأحمر ولكن حب المال سيطر على قلوبهم، فقد كانوا يعبدون الأيكة وهى شجرة من الأيك حَوْلها غيضة وهى أشجار ملتفة على بعضها، وزيادة على كفرهم وضلالهم فقد كانوا ينقصون المكيال والميزان ويطففون فيهما، أى يأخذون مع الزيادة ويدفعون مع النقصان ويأكلون المال الحرام.
 
ولم يكتفوا بهذه المعاملة السيئة بل كانوا يقطعون الطريق على المارة، ويتعرضون للقوافل فيتوعدونها ويخيفونها ويعيثون فى الأرض فسادًا.
جاء شعيب إلى قومه ببينة من ربه على صدقه فيما يدعو إليه غير أن الله تعالى لم يذكر فى الكتاب هذه البينة، وقد تنوعت أقوال المفسرين فيها بما لا برهان لهم به، وقد كانوا يقعدون على الطرق يرصدون الناس الذين يأتون إلى شعيب ليصدوهم عن الدين ويعيبون طريقته، ويوعدون من آمن بشعيب. ويبغون سبيل الله عوجا، ولعل البينة الطريقة الواضحة المقبولة فى العقل وهى شريعة من الله أتاهم بها.
 
وقد جهدوا فى إبطال دعوى شعيب فقد كانوا يقولون «يا شعيب ما نفقه كثيرًا مما تقول»، يحتقرون شأنه بقولهم «وإنا لنراك فينا ضعيفا» ظنا منهم أن القوة ميزان الصدق فى القول وهو ضلال منهم يتهددونه بقولهم «قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ».
 
ولما أحرج شعيب قومه بدعائهم إلى ما لا يريدون من الإيمان بالله وحسن المعاملة والاستقامة على الجادة. اجتمع قومه وهددوه هو والذين آمنوا معه بإخراجهم من القرية إذا لم يدخلوا فى دين قومهم فراجعهم «قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ».
 
أخذ شعيب عليه الصلاة والسلام يبسط لقومه فى الكلام وهو يدعوهم للمعروف وينهاهم عن المنكر والفساد فأراد أن يخرجهم من التعلق بالدنيا وزخارفها ويُبين لهم أن أخذ المال وجمعه بالحلال خير لهم من أخذه بالظلم والخيانة وبطرق الحرام فقال لهم برفق وحكمة: «بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ» سورة هود، أى ما يفضل لكم من الربح بعد وفاء الكيل والميزان خير لكم إن كنتم مؤمنين من أخذ أموال الناس بالتطفيف والظلم والخيانة.
 
والقليل من الحلال الطيب خير من الكثير من الحرام الخبيث، وذلك لأن الحلال مبارك فيه وإن قلّ، والحرام ممحوقٌ لا بركة فيه وإن كثر، كما قال تعالى: «يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِى الصَّدَقَاتِ» ، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الربا وإن كثر فإن مصيره إلى قُلّ» أى إلى قلة، رواه أحمد.
فأراد شعيب عليه الصلاة والسلام أن يبين لهم أنه ناصحٌ لهم فيما دعاهم إليه ونصيحته إليهم خالصة لله وما هو عليهم بحفيظ وأما الله تبارك وتعالى فهو الرقيب عليهم فى جميع تصرفاتهم وأعمالهم العليم بأحوالهم لا تخفى عليه خافية لأنه هو الذى خلقهم، قال تعالى:«وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ» سورة هود.
 
واجه قوم شعيب دعوته عليه الصلاة والسلام بعد كل هذه المحاولات والنصائح بالسخرية والاستهزاء وعدم الاستجابة لدعوته والتكبر عن إتباع الحق وقالوا له على سبيل التهكم والاستهزاء:«أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِى أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ» سورة هود.
 
أى أصلاتك هذه التى تصليها هى الآمرة لك بأن نترك ما كان يعبد آباؤنا الأقدمون وأسلافنا الأولون ونعبد الله وحده، وألا نتعامل فى أموالنا كيف نشاء وكما نريد فنترك المعاملات التى تأباها وإن كنا نحن نرضاها، وهذا منتهى السفه والعمى والتكبر عن إتباع الحق الذى جاء به نبى الله شعيب عليه الصلاة والسلام وأمر قومه بإتباعه، حتى إن قومه الخبثاء قالوا له على وجه الاستهزاء والسخرية {إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} وإزاء هذا الاستهزاء والعناد والضلال الذى واجه به قوم مدين نبيهم شعيبًا عليه السلام استمر نبى الله شعيب يدعوهم إلى الحق والهدى بأبين إشارة وبالحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى: «قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّى وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ» سورة هود.
 
ثم انتقل نبى الله شعيب فى دعوته لقومه إلى نوع آخر من الترهيب فقال لهم: «وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِى أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ» سورة هود.
 
تمادى قوم شعيب فى ضلالهم، واستمروا فى تكذيبه «قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ» سورة الشعراء، «وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ» سورة الأعراف.
 
ولما رأى شعيب عناد قومه استفتح على قومه واستنصر ربه عليهم فى تعجيل ما يستحقونه من العذاب «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ» سورة الأعراف، فأنزل الله عذابه عليهم «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِى دَارِهِمْ جَاثِمِينَ» سورة الأعراف، أى رجفت بهم أرضهم وزُلزلت.
 
عاش سيدنا شعيب عليه الصلاة والسلام مدة من الزمن بعد هلاك قومه بعد أن أدى الأمانة وبلغ ما أمره الله بتبليغه، وجاهد فى الله حق جهاده، ومات عليه الصلاة والسلام فى الأردن ودفن فيها وقبره هناك فى وادٍ يسمى بوادى شعيب، وهو مقام معروف ومشهور هناك، ويقال إنه مات بمكة ومن معه من المؤمنين وقبورهم غربى الكعبة بين دار الندوة ودار بنى سهم. والله أعلم.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة