أم محفوظ أطلقت عليه منذ صغره لقب «أبوالتفانين الرايق»

الثلاثاء، 29 أغسطس 2017 09:00 م
أم محفوظ أطلقت عليه منذ صغره لقب «أبوالتفانين الرايق»
نجيب محفوظ

بعد أيام وتحديدًا فى الثلاثين من شهرنا هذا تحين الذكرى الحادية عشرة على رحيل عميد الرواية العربية الراحل الكريم الأستاذ نجيب محفوظ، وتخليدًا لذكرى رحيل الروائى الرائد أهدنا الكاتب الأستاذ محمد شعير فصلًا من كتابه «أيام نجيب محفوظ». تدور فكرة كتاب شعير الذى يصدر قريبًا حول انتقاء عشرة أيام من حياة محفوظ كل يوم يمثل عشر سنوات من عمره.

أيام نجيب محفوظ كما رصدها محمد شعير
فى شهر ميلاد محفوظ انطلقت سلسلة «الروايات العصرية».. وتألق سلامة حجازى فى تقديم روميو وجولييت.. وفى عام ميلاده بلغ عدد سكان القاهرة 700 ألف نسمة
الإثنين، 11 ديسمبر 1911
1 - يوم شتوى عاصف، درجة الحرارة تصل إلى 12 درجة مئوية، مع أمطار عزيرة تتساقط على القاهرة والمدن الساحلية. البرودة القاسية لم تمنع عودة الموظفين إلى أعمالهم بعد إجازة عيد الأضحى، ولم تمنع العديد من الأسر فى الخروج إلى الموانئ لاستقبال ذويهم العائدين من الحج. عشاق السهر، أمامهم فرص عديدة لقضاء السهرة، دار التمثيل العربى تعرض رواية «شهداء الغرام» تمثيل وتلحين الشيخ سلامة حجازى، وهى حسب إعلان جريدة الأهرام من الروايات التاريخية الغرامية، مأخوذة من رواية «روميو وجوليت»، وفى الحفلة نفسها سيقدم الشيخ حجازى لأول مرة رواية «الشمس والخالق» تمثيلا وتلحينا أيضا، أما تياترو عبدالعزيز فيقدم رواية «عواطف البنين»، ويقدم جورج أبيض مع فرقته رواية «كارمن» فى الأوبرا الخديوية. «ليواصل جدلا شديدا بعروضه الأجنبية»، أما قاعات السينماغراف (شبرا، المنظر الجميل، باتيه، بالاس) فتقدم مناظر طبيعية وروايات و«فصول جديدة جميلة جدا».
 
كانت السينما فنا جديدا يلقى اهتماما خاصا من الخديو والعديد من الوزراء، ويحظى بمتابعة إخبارية دقيقة، للتطور السريع، والقفزات الهائلة لهذا الفن الذى «شاع حتى ملأ الأرض فاقتضى ذلك طبعا كثرة المعامل التى تصنعه وقد اقتسمت العمل بينها، فبعضها لأخذ الصور، والبعض الآخر لتحضيرها، ومعامل لتصنيع السيور الحساسة التى تؤخذ الصور عليها»، العالم كان ينفق فى تلك الأيام مليونى جنيه لتصنيع هذه السيور أو آلالات العرض السينمائى» حسبما جاء فى افتتاحية مجلة «الهلال» فى عددها الصادر فى الشهر ذاته.
 
جورج أفندى أبيض العائد قبل شهرين من باريس موفدا من الخديو لدراسة الفن، كانت لديه بعد العودة مهمتان، تعريب التعليم المصرى بتكيلف من وزير المعارف آنذاك سعد زغلول، أما المهمة الثانية التى بدأ فيها بالفعل هى تكوين فرقة عربية تقوم بتمثيل روايات منقولة إلى العربية على غرار «الجوق» (الفرقة) الفرنسية الذى احضره معه من باريس ومثلت بضع ليال فى الأوبرا على سبيل التجربة.
 
فرقة أبيض قدمت طوال شهرى نوفمبر  وديسمبر روايات « أوديب ملكا» لسوفكليس بتعريب فرح أفندى انطون، ورواية «لويس الحادى عشر لكازيمير دى لافين من تعريب «الكاتب المشهور أفندى فياض».
 
عشرات العروض الممصرة المعروضة على خشبات المسرح فجرت قضية أخرى، شغلت اهتمام الجرائد والمجلات، فأكدت افتتاحية مجلة الهلال فى عددها الصادر فى شهر ديسمبر مثلا على الحاجة إلى «تأليف الروايات العربية نقلا عن التاريخ العربى أو تمثيل العادات المصرية وانتقادها، إننا فى أشد الحاجة إلى ذلك، فنلفت نظر هذا الجوق إلى التمثيل المفيد فإنه يعود إلى تهذيب الأخلاق وتوسيع معارف الجمهور بتاريخ بلادهم». ولكن يبدو أن «جوق الأبيض» لم يجد نصوصا عربية صالحة إذ كان يعرض فى ذلك اليوم رواية « (كارمن) فى الأوبرا الخديوية. 
 
ربما استجابة لهذا الجدل أصدر محمد افندى لبيب أمين الكتبخانة المصرية سلسلة روايات بعنوان «سلسلة الروايات العصرية» بهدف «ترقية فن التمثيل فى مصر» كما قال فى مقدمة هذا العمل، وصدر أول أعدادها فى ديسمبر بعنوان «رواية الميت الحى» مزينة بالرسوم، وأشاد بها االنقاد: « نثنى على حضرته لأننا فى أشد الحاجة إلى ترقية هذا الفن»، وفى مقابل هذه الرواية صدرت أيضا فى التوقيت نفسه رواية «لوسيوس الحمار» وهى قصة أدبية فكاهية خيالية من آثار الفيلسوف اليونانى لوسين، نقلها من الفرنسية صالح أفندى حمدى حماد لما فيها من «المغزى الأدبى والفكاهة. حبذا لو حذف منها كل ما هو سمج، ولا يناسب الآداب المصرية».
 
لكن لا الرواية « العصرية»ولا «المترجمة» شغلت الجمهور الواسع، وإنما رواية أخرى بعنوان «ميت يتكلم» التى نفدت فور صدورها، واعتبرت من أعلى الكتب مبيعا، وكانت طبعتها الأولى قد صدرت عام (1905) ونفدت فى أيام قليلة. غير أن الموانع حالت دون إعادة طبعها».
 
لتصدر طبعتها الثانية فى شهر ديسمبر1911 بعد ست سنوات من طبعتها الأولى. وهى حسبما تم تقديمها فى الصحف: «من الروايات القليلة التى تمتعت بالانتشار وأحرزت رضى الجمهور»، ومغزى الرواية حسبما ذكرت مجلة «الهلال»: « أن الحكام يخطئون وتنفذ أحكامهم ظلما إذا أخذوا بظواهر الأمور وأغفلوا بواطنها الخفية.
 
فى اليوم نفسه تداول كثيرون شائعة حدوث تغيير فى «هيئة الوزارة المصرية» واهتمت جريدة «المصرى» بنفى خبر نشرته جريدة «الجورنال دى كير ساج» عن عزم سعد باشا زغلول، وسعادة سابا باشا، ترك منصبيهما، فى الوزارة على أن يخلف الأول شقيقه فتحى باشا زغلول، وسيخلف الثانى حشمت باشا ناظر المعارف، ووصفت «المصرى» ذلك بأنه «إشاعة باطلة بالمرة وسابقة لأوانها، وكل ما ينتظر حصوله الآن هو استقالة سعادة سابا باشا وتعيين آخر بدلا منه إن لم تستدع الظروف خلاف ذلك».
 
لم تتوقف جرائد ذلك اليوم أمام « جرائم» تستدعى أن تفرد لها مساحات خاصة، باستثناء حكم محكمة جنايات الإسكندرية ضد إسماعيل أفندى صبرى (كاتب خفر مركز أبو حمص) بالسجن سنة مع التشغيل بتهمة اختلاس 54 جنيها من أموال الحكومة.
 
2 - كانت مصر فى استراحة بين « ثورتين»: الثورة العرابية التى رحل قائدها أحمد عرابى فى سبتمبر منذ أقل من ثلاثة شهور، ولا تزال الصحف والجرائد تفرد الصفحات لمناقشة تاريخه ودوره، ولكن الكثير منها يتهمه بجالب الحسرة والغصة وعار الهزيمة للأمة، وثورة قادمة كان مفجرها سعد زغلول الذى لم يكن وقتها قد انتقل إلى صفوف المعارضة وكان يقضى - يومها- أيامه الأخيرة فى منصبه ناظرا للمعارف (وزارة التعليم) ليتولى نظارة الحقانية (وزارة العدل)، كان محمد فريد هو بطل المشهد السياسى آنذاك، أفرج عنه فى يوليو بعد أن قضى عقوبة الحبس ست شهور، 1911 بتهمة كتابة مقدمة ديوان «وطنيتى» للشاعر على الغاياتى الذى حكم عليه بالسجن لمدة عام، ولكنه تمكن من الهرب إلى إسطنبول، ثم إلى جنيف حيث عاش فى رحلة منفى طالت حتى عام 1938، وحكم فى القضية نفسها على الشيخ عبدالعزيز جاويش بثلاثة شهور لتقريظه للديوان. 
 
وكان فريد قد أشار فى المقدمة التى أدين بسببها إلى أن «استبداد حكومة الفرد أدى إلى اماتة الشعر الحماسى، وحمل الشعراء بالعطايا والمنح على وضع قصائد المدح البارد والاطراء الفارغ للملوك والأمراء والوزراء وابتعادهم عن كل ما يربى النفوس ويغرس فيها حب الحرية والاستقلال، كما كان من نتائج هذا الاستبداد خلو خطب المساجد من كل فائدة تعود على المستمع، حتى أصبحت كلها تدور حول موضوع التزهيد فى الدنيا، والحض على الكسل وانتظار الرزق بلا سعى ولا عمل». 
 
كانت مصر مشغولة بالتحرر، والشعب يغنى مع محمد يونس القاضى: «ياست مصر صباح الخير/ يسعد صباحك يا عينيا/ فين العداله يا مون شير/ وبس فين الحرية/ أما الزمن ده له أحكام/ أحكام لكن عرفية/ واللى يشوف ثغره بسام/ يحسب أموره مرضيه/ وبس مين يرضى يا رجال/ حرة وتصبح مأسورة/ وبعد الدهب تلبس أغلال/ وتعيش أسيرة ومقهورة/ خدام فى بلدي/.. وده حال/ يبكى أهل المعمورة/ ياست مصر صباح الخير / يسعد صباحك ياعينيا».
 
3 - ولأن العام يوشك على الرحيل فقد تبارت الجرائد فى الحديث عن إحصائيات العام، وتوقعات العام الجديد، فقد بلغ تعداد سكان العاصمة 700 ألف نسمة (حسب إحصاء القطر المصرى لعام 1911)، كما نشرت جريدة « مصر» أن عدد الحجاج المصريين فى ذلك العام بلغ 528 حاجا، وراتب البكباشى الإنجليزى الذى تم تعيينه مراقبا للذخائر والأسلحة التى يستوردها الأهالى 700 جنيه سنويا، وقدمت جريدة «المقطم» إحصائيات عن وصول عدد طلبة المدارس العليا الأميرية فى السنة المكتبية الجارية إلى 1014، وتلاميذ المدارس الخصوصية إلى 730 طالبا، والمدارس الثانوية إلى 2405، والمدارس الابتدائية إلى 8034، وبلغ عدد الطالبات 510 فيكون المجموع العمومى لطلاب المدارس 12693.
 
كما نشرت الجريدة إحصائية لطيفة عن عدد الطائرات التى صنعت فى عام 1911 وقد بلغ 1350 طائرة مقابل 800 طائرة فى عام 1910، وبلغ عدد من استخدموها فى الطيران 12000 بعد أن كان 4800 فى العام الماضى.
4 - تكشف إعلانات الجرائد الكثير عن الحياة التى كانت تعيشها مصر فى بداية العقد الثانى من القرن العشرين، فالحداثة تهاجم التقاليد القديمة، والانفتاح على العالم يجذب العاصمة نحو نموذج الغرب المتقدم، فالمناخ الليبرالى وتعددية الأحزاب، والدستور الذى ولد بعد ذلك بقليل لم يكن نبتة شيطانية من الفراغ، لكنها كانت نتائج طبيعية لمقدمات التفاعل مع الآخر، والرغبة فى التحديث، ودعم البعثات الدراسية والتعليمية للخارج، واستيراد السلع أيضا مهما كان بعضها استهلاكيا ومضحكا، جريدة المقطم نشرت إعلانا تحت عنوان « جواب استغفار» يشكو فيه أصحاب مشروب «ويسكى برفكسيون» من وجود ماركة مقلدة تباع فى القاهرة للمشروب لأن «التقليد حرام ولا يجوز من الله».
 
هذا الفيض من الإعلانات توافق مع الإعلان عن تأسيس هيئة كبار علماء الأزهر بعد صدور القانون رقم 10 لسنة 1911، وقد أريد بهذه الهيئة «ضبط العملية التعليمية فى الأزهر، وزيادة الاهتمام بالعلوم القديمة، وخاصة بعد رفض الأزهريين قانون تحديث الأزهر عام 1908 الذى رأى البعض أنه سلب الأزهر الكثير من اختصاصاته.
 
5 - فى العام ذاته سافر محمود مختار إلى باريس ليستكمل دراسته الفنية فور تخرجه ضمن أول دفعة من مدرسة الفنون الجميلة، وفى باريس كان محمد حسين هيكل يضع اللمسات الأخيرة لروايته «زينب». أيامها، وعلى مدى سنوات طوال، كانت كتابة القصة مثل «شم الكوكايين»- والتعبير لمحمود تيمور- و«كان شيوخ الأزهر يقولون إن القصة خيال من صنع الشيطان». يضيف تيمور: «الكاتب الجرىء الذى يملك قلب أسد هو الذى يكتب قصة ويضع فى نهايتها اسمه.
 
لذا عندما عاد هيكل من باريس استقبله الأدباء استقبال الغزاة.. لقد كان أول من تسلل عبر الأسلاك الشائكة ووضع فى الحقل الجدب بذرة القصة».. 
وكان هيكل قد بدأ كتابة « زينب» بين عامى (1910-1911) بين باريس ولندن وجنيف، عندما كان مبعوثا للحصول على درجة الدكتوراة فى باريس. وقد نشرها بعد تردد لتصدر فى 1913 عن مطبعة الجريدة بدون ان يضع اسمه عليها سواء لحساسية مركزه السياسى والاجتماعى، أو «ترفعا عن أن يعتبره أدباء عصره راوية حواديت وفكاهات» كما يقول محمود تيمور، أو خوفا «من أن يعبر عن نفسه فى سياق قصة حب» كما يقول يحيى حقى.
 
6 - فى تلك الأجواء، أطلقت السيدة فاطمة مصطفى قشيشة، ابنة الشيخ مصطفى قشيشة صرخة الولادة. ليخرج ابنها نجيب محفوظ إلى ساحة الحياة الصاخبة فى لحظة يتوغل المصريون برفق نحو مظاهر الحداثة، ويبحث فيها المجتمع عن حريته، ومحاولا الإجابة على أسئلة المصير الكبرى.. لحظة كانت البلاد تخرج من ثورة مجهضة إلى ثورة مأمولة تنشد الاستقلال والحرية والعدالة.
 
7 - هل كانت الولادة متعثرة؟ ربما تكشف إجابة السؤال جزءا من «أسطورة» الاسم. اسم المولود الجديد: نجيب محفوظ!
أمه حكت له - كما قال فى حوار إذاعى عام 1981 - أن الولادة كانت عسيرة، وأن الاب التقليدى استدعى الطبيب الشهير وقتها نجيب محفوظ ليقوم بتوليد الام، عندما رأى خطرا على صحة «الأم»، لكن الأم حكت أيضا أنهم اختاروا له اسم حافظ نجيب اللص الشهير وقتها، وكان اسمه رنانا فى مصر كلها.. ولكن الشخص الذى ذهب إلى مكتب المواليد لتسجيل الاسم نسى اسم حافظ نجيب وتذكر اسم الطبيب.. يضحك نجيب محفوظ وهو يحكى الروايتين:  «ربنا أعلم بالحقيقة، وقد تكون هذه الحكايات مجرد أساطير اخترعت، ويكون اللى خلفونا روائيين زينا». من الإجابة يبدو ولع محفوظ الروائى بالأساطير، بصناعتها، بتعدد تأويلاتها وانفتاحها على الدلالات المختلفة.. اسمه أسطورة أيضا.
 
لم تكن وقتها قد منعت الأسماء المركبة، كانت تقليدا مصريا، لكن المدهش أن هذا التقليد المصرى ارتبط بتسميه المولود باسمه الذى اختارته له العائلة مضافا إليه اسما آخر، وعادة ما يكون اسم الخديو او الملك. 
 
يحكى عباس العقاد فى كتابه «حياة قلم»: «ومما يحضرنى من ذكرياتى فيما دون العاشرة أننى رفضت أشد الرفض أن أجيب نداء المعلم حين دعانى باسم «عباس حلمى» جريا على تقاليد ذلك العهد التى بقيت إلى الآن فى أسماء المعاصرين.. فلم يكن أحد من التلاميذ يدعى باسم أبيه ولكنهم كانوا يلقبون بألقاب حلمى وصبرى ولطفى وحسنى وشكرى وما شاكلها على حسب المطابقة لأسماء المشهورين أو الموافقة لجرس اللقب ورنينه فى الأسماع، فبقيت واحدا من قليلين يذكرون بأسماء آبائهم بين أبناء هذا الجيل، ولولا إصرارى على رفض اللقب المستعار لكان اسمى اليوم «عباس حلمى محمود» كما كتب فى قائمة «التصنيف» أى توفيق الأسماء والألقاب»!
 
لكن نجيب محفوظ لم يحمل اسم « الحاكم» كعادة الاسم المركبة وإنما اسم الطبيب «القبطى» فى الأسطورة الأولى التى ينفيها هو مرات ومرات، أو اسم اللص الظريف (الذى كان مدخله إلى عالم الأدب) فى الأسطورة الثانية!
 
لنختبر إذن صحة الحكايتين الافتراضيتين. ولد نجيب محفوظ (الطبيب) فى يناير 1882 فى مدينة المنصورة، أى كان عمره وقت ولادة محفوظ 29 عاما.. وتخرج من كلية الطب عام 1908 وكان الأول على دفعته ضمن ثمانية آخرين تخرجوا فى العام ذاته.. كانت شهرته فى البداية كطبيب باطنة، ولكنه اتقن عمليات الولادة العسيرة واتفق مع مفتشى صحة أقسام القاهرة على استدعائه فى الولادات العسيرة التى يدعون لها «على ألا اطالبهم نظير ذلك بأجر»، كما يقول فى مذكراته: «وقد واظبت على ذلك خمس عشرة سنة، أجريت خلالها نحو ألفى ولادة فى المنازل، ولست أغالى حين أقول إنى لم أبت فى منزلى أثناء تلك الحقبة أكثر من يومين فى الأسبوع». 
 
وقد حقق - فى سن صغيرة- شهرة كبيرة بسبب نجاحه فى إجراء العديد من الجراحات فى أمراض النساء حتى أن إحدى السيدات محافظة قنا، أصيبت بناسور بولى بعد ولادتها فذهبت إلى المستشفى الأميرى، فتم تحويلها إلى مستشفى أسيوط، وأجرت ثلاث جراحات دون جدوى فأخرجوها، وقالوا لها: اذهبى إلى القاهرة عند نجيب محفوظ فى القصر العينى». قطعت المرأة الفقيرة الطريق مشيا إلى القاهرة، لمدة أربعة شهور حتى وصلت إلى قصر العينى، فأخبرها « بواب المستشفى» أن حظها سىء لأن نجيب محفوظ سيسافر فى الصباح، وعندما علمت بذلك أغمى عليها.. فاتصل البواب بمحفوظ الذى قرر ان يؤجل سفره أسبوعين لإجراء جراحة للسيدة.. يحكى محفوظ فى مذكراته التى حملت عنوان «حياة طبيب»: قبل سفرى بيوم كنت أمر بالمرضى، فسمعت تلك المريضة تقول للحكيمة: «مش تدلونى على الحكيم اللى عملى العملية علشان أقوله « كتر خيرك»، فقالت لها الحكيمة: « ما هوّ اللى بيفوت عليكى كل يوم» فقالت: « بقى هو الشاب الصغير اللى شنبه لسه ما خطش؟ انتو فاكرينى عبيطة؟» فقال لها: « لا هو حقيقى اللى عمل لك العملية» فلما وقفت عندها فى اليوم التالى حدقت فى وجهى باستغراب وقالت» ما اسم الكريم؟ فقلت: «اسمى نجيب» فقالت ما اسم والدتك؟ فقلت: مريم فقالت: « روح يا نجيب يا ابن مريم، ربنا يكافئك عنى حادعى لك دعوة مستجابة إن شاء الله: «ربنا يجعل فى وشك جوهرة، وفى فمك سكرة»!
 
استمر نجاح محفوظ فى أوساط الطبقات الفقيرة تحديدا، وخاصة أن الأسر الكبيرة وحدها التى كانت تلجأ إلى أطباء.. وافتتح عيادة فى القاهرة لم يكن يتقاضى فى البداية أى أجر على ما يقوم به من أجل كسب ثقة المصريين الفقراء.. 
الغريب أن الدكتور نجيب محفوظ تزوج فى نوفمبر 1911.. أى قبل شهر واحد من ميلاد سميه نجيب محفوظ.. والمدهش أيضا أنه كان فى إجازة شهر العسل لمدة شهرين مع زوجته فى ذلك الوقت، وهو ما نشرته جريدة المقطم، ونشره محفوظ فى مذكراته، حيث تعرض لحادث «غريب»: «طلبت اجازة شهرين أقضيهما فى الخارج، ونشرت جريدة المقطم موعد سفرى، واجتمع فى المحطة بعض الأصدقاء للتوديع، وقبل قيام القطار أقبلت سيدة على وجهها اللثام الأبيض (اليشمك التركى) ومرقت بين المودعين، حتى وصلت إلى مكان زوجتى فصافحتها وتركت فى يدها باقة من الزهور النادرة فشكرتها، واتجهت السيدة نحوى فصافحتنى وانحنت على يدى تقبلها، وقام القطار قبل أن أعرف من تكون هذه السيدة، ولم تبد زوجتى ضيقا بما صنعت معى، ولكنها كانت مفاجأة ثقيلة أن يسافر زوج مع زوجته لتمضيه شهر العسل، فتعترض طريقه سيدة لا تكتفى بمصافحة الزوج بل تقبل يده، مما يثير بعض الظنون». هذا ما كتبه الطبيب فى مذكراته.. ولكن يظل السؤال: هل قضى الشهرين خارج مصر كما كان يخطط؟ أم عاد قبل أن يكملهما؟ 
 
التشابه بين اسم محفوظ الطبيب والأديب أحدث العديد من المفارقات الضاحكة لكليهما.
 
حكى محفوظ فى أحد حواراته أن الأديب الصحفى السورى نزيه الحكيم جاء ليزوره فى القاهرة سنه 1945، ولكنه ذهب إلى عيادة الطبيب، وراح يحدثه عن رادوبيس وكفاح طيبة والقاهرة الجديدة، حتى قال له الدكتور نجيب محفوظ: «أنا يا بنى جراح، ولست طبيب أمراض عقلية». لكن محفوظ يحكى فى حوارات أخرى أنه لم يكن يعرف الطبيب معرفة شخصية.. حتى أخذه صديق ثروت أباظة إليه وقدمه له قائلا: هذا أحد مواليدك يا باشا!
 
فى الحكاية الثانية، التى حكاها على لسان والدته.. يتحدث عن أسطورة أخرى، حافظ نجيب (1879-1946) الذى كان مادة صحفية خصبة للجرائد والمجلات فى تلك الفترة وحسب جريدة المحروسة (1909): تسابقت الصحف فى تتبع أخباره وتسجيل حوادثه، وإجراء التحقيقات الصحفية معه عند القبض عليه، وعقد موازنات بينه وبين المحتالين العالميين مثل النصاب الباريسى « الماير»، وقد وضع عنه صديقه الصحفى اللبنانى جورج طنوس كتابين الأول عام 1909 بعنوان « نابغة المحتالين أو حافظ نجيب، والثانى بعده بعام بعنوان «الراهب المسلم».
 
وحسب المؤرخ أحمد حسين الطماوى، بالرغم من انحراف حافظ نجيب إلا أنه أحد صناع الثقافة إذ أنه شاعر وقاص وروائى ومترجم وكاتب مسرحى، وممثل مسرحى، وواعظ دينى وصحفى حرر مجلتين.
 
وبعيدا عن أسطورة التسمية فإن حافظ نجيب كان مدخل نجيب محفوظ إلى عوالم الأدب القراءة والفن فيها، قاده إلى «أبواب السحر ومدائن الغرائب».. يقول محفوظ: «أعطانى صديق رواية بوليسية، وكانت خارج المقرر الدراسى ومن هذا اليوم لم أتوقف عن القراءة.. ومن صغرى كنت أقرأ ما كتبه حافظ نجيب، وكان «حرامى مثقف» وعربيدا دوخ الحكومة! وأصبح أشهر مؤلف قصص بوليسية وأشهر مؤلفاته «جونسون» و«ميلتون ويب». هذه السلاسل كانت بديلا لكتب الأطفال». يضيف محفوظ: «ففى ذلك الوقت لم تكن هناك كتب لصغار السن، وكان أقرب شىء يصلح لنا الروايات البوليسية، وبعد عشرات من الروايات التى كان بطلها جونسون، وزاد عددها على العشرين انتهت السلسلة، لكن نجاحها دفع حافظ نجيب إلى إصدار سلسلة جديدة عن ابن البطل أسماها ابن جونسون، والحقيقة التى اكتشفتها لاحقا أنه لم تكن هناك سلسلة باسم ابن جونسون، لكن المترجم أراد استثمار نجاح السلسلة بعد انتهائها، ولما كان بطلها جونسون قد مات فى الرواية الأخيرة رأى حافظ نجيب استكمالها بأن جعل للبطل ابنا يمكنه من إصدار الروايات، أى أنه كان يؤلف هذه الروايات كما علمت بعد ذلك، لكنه كان يضع عليها عبارة ترجمة حافظ نجيب لأن القراء كانوا يحبون الروايات البوليسية المترجمة والتى لم يكن فى مصر من يكتبها، وكانت أحداث روايات جونسون تجرى فى فرنسا باعتبار المؤلف فرنسيا، لكن حافظ نجيب نقل أحداث روايات ابن جونسون إلى أمريكا اللاتينية. الطريف أننى فى ذلك الوقت لم أكن أعرف جونسون ولا ابنه، لكنى حين عرفت الابن فى الرواية الأولى، وبقية سلسلة ابن جونسون، عدت إلى السلسلة السابقة عليها الخاصة بــ جونسون نفسه، ثم توصلت بعد ذلك إلى سلاسل أخرى لـــ ملفيل توب وروكامبول وغيرهما، وعن طريق كتب الأهرام المترجمة بدأت دائرة قراءتى تتسع حيث كنت أتابع إعلانات هذه الكتب بالجريدة، وأسارع بشرائها ولم أعد بحاجة لاستعارة الكتب من صديقى العزيز يحيى صقر». 
 
يحيى صقر هو زميل محفوظ فى المدرسة، وزميله فى فريق كرة القدم أيضا  سيتحول فنيا إلى يحيى مدكور.. كما يحكى محفوظ الحكاية فى نصه الفنى المكثف فى «حكايات حارتنا» الذى يتضمن حكايات الطفولة: 
 «يحيى مدكور أمهر لاعب كرة فى مدرستنا، وصديقى المفضل فى المدرسة الابتدائية. أجده يوماً يقرأ كتاباً فى الفسحة فأسأله: ما هذا؟
ابن جونسون.. الحلقة الأولى من سلسلة بوليسية جديدة.
ويعيرنى الكتاب بعد فراغه فأقرأه بسعادة لم أجد مثلها من قبل. وأواظب على قراءة السلسلة، ثم أنتقل من سلسلة إلى أخرى، ومن كتاب إلى آخر، ثم أدمن القراءة. وأصير مع الزمن بطلاً من أبطال القراءة، أما صديقى فيهجرها سريعاً، ثم يتربع على عرش الكرة».. 
 
والمدهش أن اسم محفوظ كان سببا أساسيا فى أن يفقد بعثة للسفر إلى فرنسا لدراسة الفلسفة، إذ تصور مدير البعثات فى وزارة المعارف إبراهيم رمزى وكان كاتبا مسرحيا أن نجيب محفوظ قبطى فقرر حرمانه من البعثة.. وهو ما كشف عنه أدهم رجب صديق محفوظ فى حوار له فى مجلة الهلال (1970): اسم نجيب محفوظ جنى عليه‏، فقد تم حرمانه من البعثة إلى فرنسا بسبب ذلك الاسم‏، ولا أستطيع أن أفصح أكثر من ذلك لحساسية الموضوع‏،‏ والاسم الكامل لنجيب محفوظ هو نجيب محفوظ عبدالعزيز إبراهيم أحمد الباشا‏، ولكنه كان يوقع أوراقه الرسمية ووثائقه باسم نجيب محفوظ فحسب‏،‏ وبسبب هذا الاسم أفلتت منه فرصة العمر باعتبار ما كان،‏ ولكن أعود فأقول‏: ‏ الحمدلله‏، فربما لو كان نجيب محفوظ سافر فى بعثة الفلسفة تلك‏، باعتباره كان الثانى على دفعته فى قسم الفلسفة‏، وهى دفعة‏1934، لكان عاد متخصصا ومتبحرا فى الفلسفة‏، ولربما عاد أستاذا فى الفلسفة‏، وساعتها‏، من يدرى‏، ربما كانت اهتماماته قد تحولت عن الأدب‏.‏».
 
وقد علق نجيب محفوظ فى العدد ذاته من المجلة على ما كتبه الدكتور أدهم رجب فقال‏: ‏بل ضاعت على بعثتان لا بعثة واحدة‏: ‏ بعثة فى الفلسفة وبعثة فى اللغة الفرنسية‏، والسبب فعلا هو اسمى‏.. ‏ وقد تحرج الدكتور أدهم من رواية السبب‏، ولست أرى سببا للحرج‏، فقد راح ذلك وانتهى‏.‏ والقصة هى أن السراى كانت تضطهد الأقباط لأنها كانت ترى أنهم العماد الأساسى لحزب الوفد‏، وقد اشتبهوا فى اسمى ظنا منهم أننى قبطى‏.‏ وكنت ثانى دفعتى وكان الأول قبطيا فقالوا‏: ‏ يكفى قبطى واحد‏.‏ وأخذوا الأول والثالث وتخطونى‏.. ‏ وأنا لست حزينا على بعثة الفلسفة‏، لكنى كنت أتمنى لو أننى ذهبت إلى فرنسا فى بعثة اللغة الفرنسية‏، كنت سأتجه كليا إلى ما اتجه إليه توفيق الحكيم فى زهرة العمر».
 
 لقد اختار محفوظ منذ البداية أن يحذف اسم والده (عبدالعزيز) من توقيعه سواء على المقالات التى كان يكتبها أو فى رواياته، اكتفى فقط باسمه مجردا من العائلة ربما تفسرها أعماله الروائية التى كان فيها ناقدا ومعارضا للنظام الأبوى، وسلطة الأب والعائلة، أراد منذ البداية أن يكون «هو« نفسه بدون الاستناد إلى سلطة أخرى، وهو ما فسره على لسان كمال عبدالجواد فى الثلاثية: «كلّ شىء فى هذا البيت يخضعُ خضوعًا أعمى لإرادةٍ عليا ذات سيطرة لا حدَّ لها هى بالسيطرة الدينية أشبهُ».. وهكذا اختار محفوظ أن يعبر عن موقفه الدينى والفلسفى والأخلاقى من النظام العائلى والكونى.. من السلطة الأبوية!
 
8 - ملاعب الطفولة
رغم أن محفوظ يعتبر مرحلة الطفولة، «فترة خاطفة تبدو لعين الحالم خطوة أولى فى طريق بلا نهاية»، إلا أنها من وجهه نظره.. »تحمل أجنة احتمالات لا تعد، تشهد مولد الأسئلة الخالدة، والحب، والجنس، والصداقة، والقيم، والحياة والموت، فى رحاب ذى الجلال. ألحان أساسية تنمو وتتنوع مع العمر، تتلقى من البحر الثرى أمواجا متدافعة وآفاقا مترامية. توزعنا الأهواء والتأملات، الحلم والأفعال، الانكماش والاندفاع، ولا تتخلى عن الرغبة الأبدية فى الاهتداء إلى مصباح يضىء لنا طريق المصير».
 
محفوظ عبر هذه الفترة وتأثيرها فى الكثير من أعماله، ما يمكننا أن نعتبر أنه كتب سيرة هذه الفترة كاملة فى صيغ فنية عديدة سواء فى «الثلاثية» أو فى « حكايات حارتنا»، أو «حديث الصباح والمساء»، لكنها كانت أكثر وضوحا فى قصته القصيرة «المهد».. وهى القصة التى كتبها للمخرجة الفرنسية آنا نينى التى أخرجت فى نهاية الثمانينيات فيلما عن « طفولة الأدباء».. واختارت محفوظ من بين الأدباء الذين قدمت طفولتهم، القصة التى نشرت فيما بعد فى مجموعته القصصية «القرار الأخير» يمكن اعتبارها الفصل الأول من سيرة محفوظ.
 
لم تكن طفولة نجيب محفوظ «استثنائية»، جاء إلى الدنيا بعد ستة أبناء، وبعد أن توقفت امه على الإنجاب لمدة تسع سنوات، ما جعل الفرق بينه وبين أصغر الأبناء عشر سنوات كاملة. الأمر الذى جعله يشعر بأنه «وحيد أبويه»: قال محفوظ: » كنت أنا الطفل الوحيد فى البيت، مع أبى ومع أمى.. كانت إخوتى البنات واخوتى الذكور كلهم قد تزوجوا وأصبح البيت خاليا، الأم فى عالم والأب فى عالم، وأنا فى عالم، لا أسمع من واقعه سوى دبيب خطوات أو أصوات زوجين عجوزين عاشا عمرا طويلا وأنجبا أولادا أصبحوا آباء، ذلك كان عالمى، عالم خلف فى نفسى طعما بمرارة الحرمان.. الحرمان من الأخوة».
 
فى البيت لم يكن هناك ما يدل على « جو مهيأ» لما يمكن أن يكون عليه مستقبل هذا الطفل الأدبى، لم يكن ثمة مكتبة مثلا.. الأب(1870-1937) حسب وصف محفوظ كان رجلا «مستقيما»، منتميا لإحدى الطرق الصوفية، عمل مديرا لمدرسة فى النحاسين، ثم عمل مديرا لشركة النحاس المطروق، وفيما بعد استقال من عمله، وتفرغ للعمل الحر فى « الفابريكا» الحسينية، ويحكى عنه محمود الكردى ابن ابنته: «كان جدى رجلا أنيقا يلبس الجبه والقفطان فى الصيف، والبدلة فى الشتاء من أرقى الملابس».
 
ويضيف: «وقد كان محبا لصالح عبدالحى، الذى ألف له طقطوقة خاصة به: (لابس جبة وقفطان/ وعامل لى بتاع نسوان/ ما بقاش فى الدنيا أمان/واقف فى العتبة الخضرة/ ماشى على باب خضرة/ ولابس لى كاكولا خضرة/ ومحزقها ومحندقها/ وبتبرق زى الحضرة/ وماسك لى فى إيده كمان/سبحة حب الرمان/ما بقاش فى الدنيا أمان/وان شاف قطقوطة جاية/ من ماركة الافرنجية/ يعمل غندور ويقول بونجور/ باردون ميرسى ألا مور/ياخى دى ايه ده يا شيخ مهران/كل ده شغل بتنجان/ ما بقاش فى الدنيا أمان)».. وقد أعاد سيد مكاوى تلحين الأغنية وتقديمها فيما بعد. لم يكن الأب محبا للقراءة، لم يقرأ فى حياته كتابا واحدا سوى «عيسى بن هشام «للمويلحى» الذى كان صديقا شخصيا له، وأهداه نسخة من هذا الكتاب. 
 
أما الأم (رحلت عام 1968) فحسبما وصفها محفوظ: «سيدة أمية لا تقرأ ولا تكتب، ومع ذلك كانت مخزنا للثقافة الشعبية.. وكانت تعشق سيدنا الحسين وتزوره باستمرار.. وكانت دائمة التردد على المتحف المصرى، وتحب قضاء أغلب الوقت فى حجرة المومياوات.. ثم إنها كانت بنفس الحماس تذهب لزيارة الآثار القبطية خاصة دير «مار جرجس».. وكنت عندما أسألها عن حبها للحسين و«مار جرجس» فى نفس الوقت تقول «كلهم بركة» وتعتبرهم «سلسلة واحدة». وكانت أيضا  تحب الأغانى، وخاصة أغنيات سيد درويش، مثلها مثل الست أمينة (فى الثلاثية): تحب الغناء، وعرفت كيف تسمعه، وكيف تحفظه، وكيف تعيده بصوت حسن. لم ينل من هذا الهوى شعورها الدينى الذى غلب على كافة مشاعرها». رحلات الطفل نجيب بصحبه أمه فى «دنيا الآثار العجيبة» « نقشت رموزها فى القلب والخيال إلى الأبد، كم حركت من خيالى وآثارت من شجونى، الخطوة الأولى بدأتها مع أبى، ثم وقعت أمى فى شباكها فصارت من طقوس تقواها».. يضيف محفوظ: « وحديث أبى عنها موجز جدا وجاف». 
 
ولع الصغير بالأسئلة، وبالفن، والعيش فى عوالمه الخاصة المصنوعة من «الخيال»، جعل الأم تطلق عليه «ابو التفانين الرايق» ( كما قال ابن شقيقته محمود الكردى). حكى نجيب محفوظ لعباس خضر (مجلة الرسالة الجديدة - سبتمبر 1958) أنه كان مولعا بتمثيل الأشياء بعد أن يؤلف فى خياله وقائع، وكان ينهمك فيها الساعات الطوال، كان يأخذ لعبة تمثال البائع الذى يحمل قفص العنب ويأتى ببعض الأطفال، ويخرج « إخراجا» للموقف، فيجعل كلا منهم يشترى منه، أو يجرى بينه وبينهم مساومات ويشترك فيها، ولا يدع البائع حتى يجعله يبيع كل ما معه ويعود إلى زوجته وأولاده. كان يسمع عن حالات الولادة العسيرة التى تستلزم إجراء عملية، فوضع فى خياله قصة بطلتها الخادمة الصغيرة، وجعل نفسه الطبيب الذى يقوم بواجبه الإنسانى فى إنقاذ الأم والجنين.. وانهمكت معه البنت ونسيت نفسها فاستسلمت لمشرط الطبيب وأحضر هو موسى لهذا الغرض وشرع فى إجراء العملية، ولكن أمره انكشف قبل أن يبدأ.
 
نجيب محفوظ (1)
 
نجيب محفوظ (2)
 
نجيب محفوظ (3)
 
نجيب محفوظ (4)
 
نجيب محفوظ (5)
 
نجيب محفوظ (6)
 
نجيب محفوظ (7)
 
نجيب محفوظ (8)
 
نجيب محفوظ (9)
 
نجيب محفوظ (10)
 
نجيب محفوظ (11)
 
نجيب محفوظ (12)
 
ملاحظات..
  •  كانت مصر مشغولة بالتحرر وتستعد لثورة جديدة
  •  عدد طالبات المدارس بلغ 510 طالبات
  •  النموذج الغربى يهاجم التقاليد من خلال حملات إعلانية
  •  شائعة خروج سعد باشا زغلول من الوزارة تستحوذ على اهتمام المصريين.. و«جنايات إسكندرية» تحبس موظفًا عموميًا سنة لاختلاسه 54 جنيها من أموال الحكومة
  •  المثال محمود مختار يستكمل دراسته فى باريس فور تخرجه
  •  هيكل باشا يبدأ كتابة روايته «زينب» بين لندن وباريس
  •  أم محفوظ كانت مخزنا للثقافة الشعبية
  •  مسئول متعصب يجعل أديب نوبل يفقد بعثتين بسبب اسمه
     

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة