زواج المسلمة من غير المسلم.. خناقة فقهية من ألف سنة!

الثلاثاء، 29 أغسطس 2017 01:59 م
زواج المسلمة من غير المسلم.. خناقة فقهية من ألف سنة!
القرضاوى
طلال رسلان

لعل هذه المسألة مما اتفق عليها الفقه الإسلامى، وجاءت قوانين الأحوال الشخصية فى البلدان الإسلامية «زواج المسلمة من غير المسلم باطل»، واتفقت كلمة المسلمين حول هذا الحكم وساروا على ذلك فى تزويج بناتهم، ولم يحدث أن زوّجوا بناتهم لغير المسلمين، بل كان ثمة حرج لدى البعض فى زمن التعصب الفقهى أن يزوج الحنفى ابنته لشافعى.
 
لكن الأمر لا يمنع من وجود فتاوى تجيز زواج المسلمة من غير المسلم، محتجا بأنه لا يوجد نص «قرآن وسنة» يحرّم ذلك، وبأن الاجتهاد فى هذا الموضوع بنى على تبعية المرأة للرجل، وأن زواجها من غير المسلم سيضيّع دينها، وستضطر إلى أن تتبع زوجها فى دينه وتفتن فى ذلك وتعرض نفسها للخروج من الإسلام، ومما قيل فى هذا الشأن أن المرأة اليوم وخاصة فى أوروبا تعرف حقوقها وليست تابعة للرجل، وأنها فى كثير من الأحيان أدخلت زوجها وأسرته فى الإسلام.
 
سئل الشيخ يوسف القرضاوى صراحة عن زواج المسلمة من غير المسلم، فقال إن هذا من نتائج سفر المرأة بغير محرم إلى بلاد غير المسلمين، ومن نتائج إقامة المسلم فى غير بلاد الإسلام دون التحصن الصحيح ودون معرفة صحيحة بالإسلام الذين يدين لله به.
 
والمسلمون مجمعون على عدم حل وعدم صحة زواج المسلمة بغير مسلم، وأنه إن حدث فهو زنا، وبقاء مَن أسلمت بعد زواجها من غير مسلم على ذمة زوجها وإعطاؤه فرصة ليُسلم والانتظار رجاء إسلامه، وقال برأيه آخرون من العلماء، بينما قال البعض إنه بمجرد إسلام الزوجة ينفسخ عقد الزواج، ولم يقل أحد من علماء المسلمين أنه يجوز للمسلمة قبل زواجها أن تتزوج غير مسلم.
 
من المقرر المعلوم: أنه يغتفر فى البقاء، ما لا يغتفر فى الابتداء، فنحن منهيون ابتداء أن نزوّج المرأة لكافر، كما قال تعالى: {ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا، ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم}.
 
وهذا مما لا يجوز التهاون فيه، فلا نزوّج مسلمة ابتداء لغير مسلم ولكن نحن هنا لم نزوجها، بل وجدناها متزوجة قبل أن تدخل فى ديننا، ويحكم عليها شرعنا، وهنا يختلف الأمر فى البقاء عنه فى الابتداء.
 
فلدينا إذن قولان معتبران يمكن لأهل الفتوى الاستناد إليهما لعلاج هذه المشكلة التى قد تقف عقبة فى سبيل دخول الكثيرات فى الإسلام.
 
القول الأول: هو قول سيدنا على رضى الله عنه وكرم الله وجهه، وهو: أن زوجها أحق بها ما لم تخرج من مصرها، وهنا نجد المرأة باقية فى وطنها ومصرها ولم تهاجر منه، لا إلى دار الإسلام ولا غيرها.
 
والقول الثانى: هو قول الزهرى: إنهما على نكاحهما ما لم يفرق بينهما سلطان، أى ما لم يصدر حكم قضائى بالتفريق بينهما، ويسند هذا القول ظاهر ما روى عن عمر رضى الله عنه أنه خيّر زوجة النصرانى حين أسلمت بين فراقه وإقامتها عليه.
 
ويقول هو نفسه فى موضع آخر: 
المسلمة لا تتزوج إلا مسلم، والله تعالى يقول (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) وقال (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) ثم استثنى وقال ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) فأباح زواج المحصنات من أهل الكتاب ولم يجز زواج الرجال من نساء المسلمين.
 
أجاز الزعيم الإسلامى السودانى الدكتور حسن الترابى، زواج المرأة المسلمة من الرجل الكتابى «مسيحيا كان أو يهوديا»، قبل أن يصف أن القول بحرمة ذلك بأنه مجرد «أقاويل وتخرصات وأوهام وتضليل»، الهدف منها جر المرأة إلى الوراء، واعتبر الترابى «الحجاب» للنساء، يعنى الستار وهو الخمار لتغطية الصدر وجزء من محاسن المرأة، «ولا يعنى تكميم النساء»، بناء على الفهم الخاطئ لمقاصد الدين، والآيات التى نزلت بخصوص الحجاب والخمار.
 
حسن الترابى
 
وقال: إن منع زواج المرأة المسلمة من غير المسلم، ليس من الشرع فى شيء، والإسلام لم يحرمه ولا توجد آية أو حديث يحرم زواج المسلمة من الكتابى مطلقا، إلا أن الترابى نوه إلى أن الحرمة التى كانت موجودة، كانت مرتبطة بالحرب والقتال بين المسلمين وغيرهم تزول بزوال السبب.
 
وأضاف الترابى، أنه يقدم الأسانيد لما أفتى به، وقال إن «التخرصات والأباطيل التى تمنع زواج المرأة المسلمة من الكتابى، لا أساس لها من الدين، ولا تقوم على ساق من الشرع الحنيف»، معتبرا على حد قوله «وما تلك إلا مجرد أوهام وتضليل وتجهيل وإغلاق وتحنيط وخدع للعقول، الإسلام منها براء».
 
وجدد الترابى، أقواله السابقة التى أجازت إمامة المرأة للرجل فى الصلاة، وقال إن من حق المرأة المسلمة، أن تؤم الرجال وتتقدم الصفوف للصلاة، إذا كانت أكثر علما وفقها فى الدين من الرجال، وأوضح «أنه من حقها فى هذه الحالة».
 
واستشهد فى هذا الخصوص، بالرسول، بأنه كان قد سمح لإحدى الصحابيات العالمات والمتبحرات فى الدين، أن تؤم أهل بيتها فى الصلاة بمن فى ذلك الرجال، سواء كان زوجها أو ابنها، وأضاف: «ليس هناك ما يمنع ذلك فقط، يجب ألا يلتصق الرجال بالنساء التصاقا قويا فى الصفوف، حتى لا تحدث الشهوة والانصراف عن الصلاة».
 
وشدد الترابى، على أن الإسلام لم يحرم أو يمنع إمامة المرأة وتقدمها للرجال فى الصفوف، وضرب مثلا بالسيدة عائشة زوجة الرسول، التى كانت أكثر فقها وعلما من الرجال، وأجاز الترابى الصلاة المختلطة بين الرجال والنساء، شريطة التباعد وعدم الاحتكاك.
 
ورأى، أن قوامة الرجال على النساء، لا تعنى أنهم أفضل من النساء، ونبّه إلى أن القوامة ليست فى كل الأمور، بل تتعلق بالأمور الخاصة التى ليست من اختصاص المرأة، وهى من اختصاص الرجال مثل التجارة، وأضاف: «ولكن ليس معنى القوامة الأفضلية المطلقة للرجال على النساء»، مشددا على أن هناك نساء أفضل وأفقه وأعلم من الرجال.
 
وقال الترابى، إن شهادة المرأة تساوى شهادة الرجل تماما وتوازيه بناء على هذا الأمر، بل أحيانا تكون أفضل منه وأعلم وأقوى منه، نافيا ما يقال إن شهادة امرأتين تساوى شهادة رجل واحد، وقال ليس ذلك من الدين أو الإسلام، بل هى مجرد أوهام وأباطيل وتدليس أريد بها تغييب وسجن العقول فى الأفكار الظلامية، التى لا تمت للإسلام فى شيء. 
 
وتحدى الترابى فى هذا الخصوص «من يثبت صحة كل تلك الأباطيل أو يأتى بما يؤكدها من الكتاب والسنة»، معتبرا أن التعامل السائد الآن مع حجاب المرأة، لا يخلو من بعض الفهم الخاطئ لمقاصد الآيات القرآنية التى نزلت بخصوص الحجاب والخمار للمرأة، لا يمكن تعميمها، وأن آيات الحجاب تخص نساء النبى محمد، ونزلت بمعنى الستار الذى يفصل بين نساء الرسول وضيوفه من الصحابة وغيرهم.
 
وأضاف: «أما الخمار، فإنه جاء لتغطية صدر المرأة وجزء من محاسنها، ولا يعنى بأى حال من الأحوال «تكميم المرأة»، بناء على الفهم الخاطئ لمقاصد الآيات، التى نزلت بخصوص الحجاب والخمار، وقال الترابى إن الإسلام أعطى المرأة حقوقها كاملة، ولم ينقصها شيئا، «وتقدم على القوانين الغربية، التى هضمت حق المرأة وظلمتها كثيرا فى الماضى». 
 
ودعا الترابى، المرأة إلى اقتحام مجالات العمل السياسى والإبداعى والفكرى والرياضى، وأخذ حقوقها كاملة، والمساهمة فى وضع الاستراتيجيات والتشريعات التى تكفل تلك الحقوق، ووجه الترابى هجوما عنيفا للحكومة السودانية، وقال إن نظام الحكم القائم الآن فى السودان ليس راشدا، وإن البلاد تفتقر وتعانى من عدم وجود الحكم الرشيد، الذى يقوم على مبادئ الحرية والشفافية والمساءلة والعدالة والمشاركة الديمقراطية.
 
 وأوضح الترابى: «نحن الآن فى حكم غير رشيد، والفساد فى كل البلاد، ولا بد من إصلاح الأسرة والمجتمع، وإشراك المرأة»، مشددا على ضرورة أن يتضمن قانون الانتخابات نصا يحدد مشاركة المرأة حتى يكون لها دور فى الأحزاب والانتخابات وقيادة البلاد.
 
قال القرضاوى، إن فتوى الترابى، التى أباح فيها زواج المرأة المسلمة من رجل كتابى «من اليهود والنصارى» باطلة، ولا يجوز العمل بها لأنها مخالفة لإجماع المذاهب الإسلامية وما استقر عليه الفقه الإسلامى.
 
وقال: إننا نرفض هذه الفتوى، لأنها ضد إجماع الأمة، وأن جميع المذاهب الإسلامية السنية والشيعية والزيدية سواء المتبوع منها أو المنقرض، تستنكر هذه الفتوى وتؤكد مخالفتها للشرع الإسلامى.
 
وأضاف القرضاوى، أنه لا يجوز شرعا أن تتزوج المرأة المسلمة ابتداء من رجل كتابى «يهوديا كان أم مسيحيا»، لأن تحريم زواج المرأة المسلمة من رجل كتابى من الأمور التى استقر عليها الإسلام، منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان.
 
وتابع القرضاوى، قائلا: فى الحقيقة إن فتوى الترابى هذه قديمة متجددة سمعتها منه وهو فى الولايات المتحدة الأمريكية فى عام 1975، وراجعته فيها وفسّرها لى فى ذلك الوقت، بأنه لا يقول إن المسلمة لا تتزوج ابتداء من رجل كتابى، ولكنه يقصد المرأة غير المسلمة التى تعتنق الإسلام وهى متزوجة من رجل كتابى يجوز لها البقاء مع زوجها غير المسلم، ولكنه لم يقصد أن تتزوج المرأة المسلمة من غير المسلم ابتداء ولم أوافقه على هذه الفتوى، ولكن بعد ذلك قرأت أن الإمام ابن القيم الجوزية ذكر فى مثل هذه المسألة تسعة أقوال فى أحكام أهل الذمة، ومنها أقوال تجيز للمرأة أن تبقى مع زوجها الكتابى، ومنها من قال أن نكاحهما يبقى حتى يفرق بينهما السلطان.
 
الدكتور عبدالعظيم المطعنى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فى القاهرة، وأستاذ الدراسات العليا فى جامعة الأزهر، أكد فى دراسة أصدرها فى كتاب بعنوان «ملاحظات موضوعية حول فتوى إسلام المرأة دون زوجها وهل يفرق بينهما»، أن فتوى القرضاوى مخالفة لنصوص شرعية قطعية واردة فى القرآن الكريم، ويؤكد أن الأقوال التسعة التى استند إليها القرضاوى وجاءت فى كتاب أحكام أهل الذمة «لابن القيم الجوزية» أن سبعة منها ترى التفريق بين الزوجين إذا أسلمت الزوجة وبقى الزوج على دينه، والقول بوجوب التفريق بينهما ظاهر جدا فى خمسة أقوال منها مروية عن بعض الصحابة والأئمة الكبار مؤسسى المذاهب الفقهية الكبرى وهم أبوحنيفة ومالك والشافعى وأحمد.
 
عبد العظيم المطعنى
 
فالتفريق بين المرأة إذا أسلمت دون زوجها متفق عليه بينهم جميعا والخلاف بينهما: متى يكون التفريق؟ وهل التفريق فورا أم بعد انقضاء عدة المرأة منه، أما القولان السادس والسابع فإن التفريق فيهما، وإن لم يرد نص صريح فإن فيهما دليلا قويا عليه، فمثلا القول السادس الذى أباح لمن أسلمت دون زوجها أن تنتظر وتتربص وإن مكثت سنوات، هذا القول وصفه «ابن القيم» بأنه أصح المذاهب فى هذه المسألة لم يجز أن تقيم تحت تصرف زوجها غير المسلم بل إن المفارقة الجسيمة واردة فيه، وذلك من تعليق ابن القيم الآتى وليس معناه أن تقيم تحت زوجها النصرانى بل تنتظر وتتربص، فمتى أسلم فهى امرأته وإن مكثت سنوات.
وأوضح أن من هذه المذاهب ما يفتى بسريان عقد النكاح القديم فإن أسلم الزوج عادت إليه، ولا يفهم من قول «ابن القيم» إلا هذا، وهذه الإقامة ذريعة لمعاشرتها لزوجها، أما الاستدلال على عدم التفريق بما روى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من أنه خيّر امرأة أسلمت أن تقيم عند زوجها النصرانى أو تفارقه، فهذه الرواية يقول الدكتور المطعنى نرجح عدم صدورها عن سيدنا عمر وحتى إن صحت نسبتها إليه فليس معناها أن تعيش عنده فى بيته، وإنما معناها أنه إذا أسلم وهى على ذمته فلا تتزوج غيره، فالتخيير هنا فى الانتظار أم عدم الانتظار.
 
إضافة إلى أن هناك عدة روايات عن سيدنا عمر أنه منع زواج المسلمين بالكتابيات، مع أن الله أباح هذا للمسلمين، واستند الدكتور المطعنى إلى ما ذكره بعض المفسرين من أن ذهاب سيدنا عمر إلى هذا المنع مع جوازه شرعا كان لدفع الضرر عن المسلمات بتركهن عوانس أو أرامل، وكذلك تجنيب المساوئ فى هذا الزواج من المعاشرة وشدة التأثير بالأخلاق غير الإسلامية فى تربية الأبناء.
 
وقال المطعنى إن هناك رواية أخرى ذكرها «ابن القيم الجوزية» من أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قال لرجل ذمى أسلمت زوجته ولم يسلم هو: إما أن تسلم وإما نزعناها منك، فهذا هو الصواب عن عمر، لأنه الموافق لكتاب الله سبحانه وتعالى فى النهى عن نكاح المشركين وتحريم المسلمات عليهم.
ويؤكد الدكتور المطعنى، أن ما ذكره «ابن القيم الجوزية» لا ينصر فتوى الدكتور القرضاوى بقصد ترغيب النساء الغربيات فى الإسلام.
 
ثم استعرض بعض النصوص الشرعية التى تخالف فتوى القرضاوى، وهى قول الله تعالى: «ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم».. وفى الآية حكم قاطع بتحريم نكاح المسلم لغير المسلمة وتحريم نكاح غير المسلم للمسلمة، والدلالة على التحريم فى الموضعين قطعية لا ظنية مثل النصوص الدالة عليها، إلا أن الله تعالى استثنى الكتابيات، فأباح للمسلم نكاحهن، أيضا قوله تعالى: «يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فى علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة