أرصفة مصر.. تحت الاحتلال
الإثنين، 21 أغسطس 2017 10:45 ص
* مفاجأة.. غرامة إشغال الطريق فى المحليات 400 مليم إذا كان الطريق درجة أولى
المسألة ليست فى أمتار من المساحة العامة، التى يحتلها المتحكمون فى مصائر العباد، المسألة فى قيم منهارة، لا تجد محلا من الإعراب حتى فى عقل الضحايا الذين هم كبار السن والأطفال والسيدات، الفئة الأولى بحق المرور الآمن على الرصيف.
المسألة فى أن الاحتلال بات حقا للمغتصب، والضحايا لا يملكون فى القانون ملجأ، لأن رجال القانون أنفسهم، شركاء فى الجريمة ليس فى تقاعسهم عن إزالة الإشغالات فحسب، بل لأن جزءا من الإشغالات يقوم بها رجال الحكومة خاصة الشرطة.
المادة رقم 14 من قانون أشغال الطرق العامة رقم140 لسنة 1956 تقول يعاقب من يشغل الطريق العام بغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تزيد على 300 جنيه كل من يخالف أحكام القانون وتزال المخالفة فى الميعاد الذى يقرره حكم القضاء.
المصيبة أن من يكرر نفس الجريمة مرة أخرى، يعاقب وفقا لنفس المادة بغرامة قدرها 300 جنيه إلى 1000 جنيه، وينفذ القرار مرة أخرى بميعاد يحدده حكم قضائى (القضاء ينظر 16 مليون قضية سنويا).
هذا هو عقاب من يحتل الأرصفة، ويمنع المواطنين من السير الآمن على الأرصفة، ويعرض حياتهم لخطر الموت، أو الإعاقة، أو الإصابة، فقط 100 جنيه، وإذا كان الحكم مشددا يصل إلى 300 جنيه.
يعنى بثمن ثلاث علب سجائر مستوردة، يجوز للمخالف أن ينجو من العقاب، بل يمنحه الحصانة، من عقاب حقيقى وحاسم.
ملحوظة على الهامش: القانون الأصلى صدر سنة 1885، وتم تعديله سنة 1923، ثم عدل فى سنة 1948، ثم عدل للمرة الأخيرة سنة 1952، وأخيرا صدر قانون جديد سنة 1956، منذ ذلك الوقت ونحن تحت رحمة الملاليم.
لهذه الأسباب كلها، لا يوجد رصيف واحد فى مصر يحترم البشر، أو يخضع لحكم القانون، حتى لو كان هذا القانون عمره ستين سنة.
هذه الظاهرة لفتت انتباه الجمعية الدولية لدراسات البيئات التقليدية، التابعة لكلية العمارة والتخطيط العمرانى بجامعة بيركلى «كاليفورنيا»، فشرعت فى عمل دراسة عن الرصيف فى مصر باعتباره، ظاهرة كارثية تستحق التوقف عندها والتأمل، قبل الدراسة والبحث عن حلول.
الدراسة قامت على دراسة سلوك الضحايا، الصامتين عن حقهم، المفرطين فى حياتهم وصحتهم، لماذا لا يعترضون على احتلال مسارات مرورهم الآمنة.
اختارت الدراسة ثلاث مناطق تعبر عن ثلاثة مستويات اجتماعية واقتصادية مختلفة، لتكون ممثلة لكل مستويات الحياة فى القاهرة، ورصدت كل أنواع المخالفات والإشغالات التى توجد على أرصفة تلك الأماكن وهى حى «الزمالك» كنموذج للمستوى الاجتماعى والاقتصادى المرتفع، وحى «المهندسين» نموذج للمستوى الاقتصادى فوق المتوسط، وحى المنيب نموذج للمستوى الاقتصادى المنخفض.
بحسب الدراسة أكثر من 50% من الإشغالات والمخالفات تخص جهات حكومية، وأهم تلك الإشغالات هى أكشاك الكهرباء والتليفونات والغاز، وكذلك كبائن التليفونات وأعمدة الإنارة وضعت بشكل غير صحيح، والنسبة الأقل قام بها أفراد وشركات خاصة وأهمها ظاهرة احتلال المقاهى لأرصفة الشوارع وكذلك المحال أو استقطاع جزء من الرصيف ليكون جراجا خاصا للسيارات.
نتيجة الدراسة: الرصيف نفسه إما قد اختفى بسبب أن من تعدى عليه مؤسسات عامة، أو استغلاله من قبل أفراد.. وإما لا يصلح بسبب سوء تصميمه.
العجيب والمدهش، والمثير للسخرية، أن مصدر بإدارة الأشغال بمحافظة الجيزة، قال لى إن اللائحة التنفيذية للقانون «المسن» تقضى بأن رسم إشغال الطريق يتم وفقا لطبيعة المنطقة ودرجة الشارع، فمثلا غرامة إشغال رصيف من الدرجة الأولى (جامعة الدول مثلا) تكون بواقع(400) مليم على المتر الواحد!
فى حين أن غرامة إشغال رصيف من الدرجة الثانية (شارع الثورة) تكون الغرامة 50 مليما على المتر الواحد!
أما أرصفة الدرجة الثالثة (الشوارع الجانبية) فغرامة إشغال المتر الواحد بها 15 مليما .