بلال ليس شهيدًا
الأربعاء، 16 أغسطس 2017 11:42 م
في عتمة الليل الحزين قام بلال يتعبد بين يدي خالقه، فإذ به يتذكر قصوره مع ربه ليقرر التوبة عن الذنوب وينهى حزنه الدائم، لينعم بالدنيا وما فيها.
ذهب بلال فجلس مع أناس يبدو الصلاح على وجوههم، والفلاح في عملهم، والطيب يخرج من أفواههم، وفرشوا له ما تطيب له نفسه، فانشرح قلبه وابتسم وجهه بصحبة الفالحين المصلحين ولم يطلع على ما أخفوه في صدورهم وعظم من ذنوب خلواتهم، وبكى بلال من فعله الذى رسموه له النار والشرار..
خلع الشاب الجميل رداء شبابه وحسن صفاءه ليغرس قدمه في جماعة الفلاح والصلاح، ظنا منه أنه ينعم برضا الخالق بصحبتهم، ويعصم نفسه الفواحش، ويكف لسانه قول البذاءة والفجور كما يدعون، فلبس الجلباب المُقصر، وأطلق اللُحية الصغيرة، وأعفي شاربه الصغير، وأسلم قلبه وعقله لشيخه يضعه ويقوده كيفما شاء فهو الصالح الذي يقوده لفردوس الدنيا والآخرة.
كانت أمه تراه يتنفر أحوال أهله، وينعزل جلوس قومه، ليمكث يصلى ويصوم ويقوم ليله ونهاره تقربا لربه، ولا يتقول على لسانه سوى الحلال والحرام، بل انقطع بلال عن صحبته فكان يراهم الفاجرين المارقين كما علموه في جلستهم، نعم، لقد جردوا بلالاً من نفسه وأهله وأخلّائه بعد أن أسلمهم روحه الطيبة الطاهرة.
وما هو إلا القليل حتى كشفت الجماعة عن لهيب أنيابها ليعرضوا عليه جهاداً في سبيل الله، وحاشاه أن يكون لله!، أقنعوا بلالاً أن يجاهد بلسانه الفحشاء، وأن يجاهد المسلم أخيه إن عصي شيخ الجماعة!، أي جهاد اّدعوا أنه في سبيل الله وهم يرمون المسلمين بالمسلمين؟، وأي جهاد أمر الله به يُروع الآمنين ويسلب أرواح الأبرياء السالمين؟.
اغتسل بلال كما أمره سائق عقله، وكأنه اغتسل من ذنوب الدنيا، وتجهز لزفاف حور الجنة، فخرج بلال منتوياً الشهادة في سبيل الله!، انتوى شهادة بقتل إخوته من بنى قومه ودينه، وقف بلال في وجه جندي يدافع عن وطنه وعرضه وهو يرميه بوابل من الرصاص، حتى يقتل بلال الجندي فيخر صريعا على الأرض ويصيبه الجندي بقذيفة في كتفه ليكبر بلال ثلاث مرات "الله أكبر" لنصر الله.
اقترب بلال من الجندي ليمثل بجسده وهو عدوٌ لله ورسوله، فإذ به يُصرع من دهشته، ويقف الزمن بُرهةً، فيخر بلال شريد العقل من هول ما رأى، نعم، لقد وجد شقيقه في دمه غريقًا، باسم الوجه مثل عريس يُزف يوم عرسه، وازداد النزف من كتفه ولا يقدر أن يوارى دماء أخيه الثرى، ثم وقف قائلا " أي شؤم هذا !؟ ويحك وويح أمك لما صنعت يا بلال!
عاد الفتى المسلوب عقله ونفسه، فلمن يشكو بأسه وما ألم به، فهو يخطو على قدميه ولا يرى، حتى وصل ليجلس بين يدي شيخه ، وسال الدمع من عينيه كنهر تفجر إلى غير وجهة يصب بها، ثم قال: أتدري من قتلت يا سيدي؟، أما والله لقد صرعتُ شقيقي بيدي هاتين! وقد بلغ نحيبه عنان السماء وقلبه ينبض حزنًا وفزعًا، فكيف أجابه سيده وشيخه؟
وما يضيرك يا فتى؟ لقد استباح دمه منذ أن فارق الجماعة واتبع الشهوات وتبع مجتمع المنكرات!، قبحه الله من جواب! أي دماء استبحتموها تسفكونها بأمر سيدكم العبوس! وهل أحل الله لكم أم هو هاتف من سيدكم؟ تذمر الفتى على سيده فكشر بأنيابه غاضبًا متوجهاً بالحديث لسيده قائلاً "قبح الله صنيعتكم بي وبأخي".
فبماذا كُرم بلال على صنيعه وجهاده في سبيل إرضاء شيخ الجماعة؟، صُرع بجانب أخيه قتيلاً!!، كيف له أن يخرج عن طوق طاعة أمير الجهاد والمؤمنين؟ بل ودفن بلال مع أخيه فى قبر واحد، قبرٌ يجمع خصمين أمام الله من نفس الوالدين! فعلى من يصيبنا الحزن؟ وماذا يقول بلالٌ لأخيه إذا اختصما بين يدي الله يوم القيامة!؟.