تزامنا مع جولة السيسي الإفريقية.. الثقافة نهر التواصل بين مصر وقلب القارة السمراء
الإثنين، 14 أغسطس 2017 12:00 م
يبدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي جولة إفريقية جديدة اليوم، الاثنين، تشكل الثقافة رافدا هاما لنهر التواصل المستمر والتفاعل البناء بين مصر والأشقاء في القارة الإفريقية.
جولة الرئيس السيسي في إفريقيا
والجولة الإفريقية الجديدة للرئيس عبد الفتاح السيسي التي يزور خلالها كلا من تنزانيا ورواندا والجابون وتشاد تأتي في إطار انفتاح مصر على القارة الإفريقية وحرصها على مواصلة تعزيز علاقاتها بدول القارة في كل المجالات وتكثيف التواصل والتنسيق مع أشقائها الأفارقة حسبما أوضح السفير علاء يوسف المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية.
وإذا كانت السينما تشكل وسيطا ثقافيا إبداعيا هاما لدعم العلاقات والتواصل الحميم بين الشعوب فإن مصر تمضي بخطى لافتة على صعيد توظيف إبداعات "الفن السابع" في تواصلها مع الأشقاء بالقارة الإفريقية وبما يحقق التفاعل الحقيقي بين الثقافة المصرية وثقافات القارة السمراء.
نادي السينما الإفريقية في مصر
وفي خطوة هامة تعزز دور السينما كوسيط ثقافي للتواصل الحميم والبناء بين مصر وقارتها الإفريقية كان وزير الثقافة حلمي النمنم قد افتتح نادي السينما الإفريقية بمصر ليقدم عروضه كل شهر في سينما الهناجر وفي إطار التعاون بين مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية وصندوق التنمية الثقافية.
ولعل افتتاح نادي السينما الأفريقية الذي يقدم عروضا لأفلام أفريقية على مدار العام جاء في إطار نظرة ثقافية مصرية تؤازر التفاعل مع ثقافات إفريقيا وعرض مستجدات المنجز الثقافي- الإبداعي الأفريقي في أرض الكنانة وبما يتسق مع حقيقة أن البعد الأفريقي حاضر ضمن مستويات الهوية المصرية ومكوناتها الثرية.
وأمسى مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية يشكل بؤرة ثقافية مشعة للتواصل الثقافي السينمائي بين مصر والدول الأفريقية الشقيقة ونجح في جذب نجوم في سماء الفن السابع فيما يحظى هذا المهرجان الذي أنجز ست دورات "بورشة سينمائية أصبحت من أهم الورش السينمائية الأفريقية ويشرف عليها المخرج الأثيوبي الكبير هايلي جريما" بينما اضحت السينما الإفريقية دالة على إمكانات "المخزون الإبداعي الإفريقي".
وهذا المخزون الإبداعي الأفريقي أثر في أعمال لمثقفين كبار في الغرب مثل القاص والكاتب السينمائي والمسرحي البريطاني ويليام بويد وهو كاتب أفلام "الخندق" و"مستر جونسون" و"رجل طيب في إفريقيا".
وويليام بويد الذي ولد في السابع من مارس عام 1952 بالعاصمة الغانية اكرا كان والده الأسكوتلاندي طبيبا عمل طويلا في اعماق القارة الافريقية وتنقل ما بين غانا ونيجيريا وهو يسلم في طرح مستفيض بصحيفة الجارديان البريطانية بأن معطيات البيئة والتنشئة أثرت في اهتماماته.
وفي سياق تناولها للمخزون الإبداعي الأفريقي"- قالت الفنانة ومصممة الأزياء ايلي هيوسون في صحيفة الأوبزرفر البريطانية إن "أفريقيا ستطيح بعقولنا خلال الأعوام العشرين القادمة" موضحة أنها التقت في باريس العديد من الفنانين والموسيقيين الأفارقة الشبان الذين أبهروها بمواهبهم وقدراتهم الإبداعية.
ونوهت هيوستون بأنها دشنت مع بعض الفنانين في الغرب ما يعرف "باستديو إفريقيا" كتجمع للمبدعين الشبان في افريقيا سواء كانوا موسيقيين أو مصممي أزياء ومصورين معتبرة أنه على الغرب أن يستعد للاستفادة من المخزون الإبداعي الإفريقي الذي سيفيض خلال العقدين القادمين.
ولعل هذا المخزون الإبداعي الإفريقي يتجلى في دورات مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية وكشف عن بعض جوانب المنجز الثقافي الإفريقي في مجال الفن السابع في وقت تكتسب فيه الاطر المؤسسية للسينما الإفريقية المزيد من الرسوخ كما يتبدى مثلا في كيان سينمائي افريقي هو "الاتحاد الإفريقي للسينمائيين" الذي ظهر لحيز الوجود منذ عام 1969.
والمخرج المالي الشهير شيخ عمر سيسوكو هو رئيس هذا الاتحاد الذي بات نشاطه لافتا في الآونة الأخيرة للنهوض بدور أكثر فعالية على صعيد تطوير الصناعة السينمائية بدول القارة الأفريقية والاستفادة من منجزات التقنية الحديثة وتوظيفها في خدمة الفن السابع.
مهرجان أيام قرطاج السينمائي التونسي
وإذ نوه إبراهيم اللطيف رئيس مهرجان أيام قرطاج السينمائي التونسي بأهمية مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية بأهمية هذا المهرجان تفيد تقارير بأن دولا أفريقية كنيجيريا قطعت خطوات كبيرة في مسيرة الإنتاج السينمائي حتى أن هناك من يطلق على استديوهات السينما النيجيرية الاسم الدال والموحي "نوليوود" على غرار هوليوود حاضرة السينما الأمريكية أو "بولييود" التي تشير لصناعة السينما الهندية العملاقة.
وحسب هذه التقارير المنشورة فإن نيجيريا تنتج نحو 100 فيلم كل عام وتحقق إيرادات سنوية من صناعتها السينمائية تصل لنحو 540 مليون دولار امريكي فيما يتجاوز مجموع استثماراتها في هذه الصناعة ال3 مليارات من الدولارات الأمريكية.
الاتحاد الإفريقي للسينمائيين
وكما يوضح تقرير أعده الاتحاد الإفريقي للسينمائيين عن واقع السينما بالقارة الإفريقية فان هناك توجها حميدا للربط بين الفن السابع وخطط التنمية وتطوير اوجه الحياة في ربوع القارة وزيادة مداخيل دولها من الصناعات الثقافية الإبداعية وفي طليعتها السينما.
مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية
ولئن تبدى الاهتمام في هذا التقرير للاتحاد الإفريقي للسينمائيين بتدريب شباب السينمائيين الأفارقة وتأسيس مراكز اقليمية متطورة للإنتاج السينمائي فلمصر إن تنهض بدور كبير على هذا الصعيد بوصفها "الدولة الرائدة في السينما الإفريقية" كما يمكن لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية أن يخدم هذا التوجه البناء بعد أن نجح في تطوير علاقات عمل وتواصل إبداعي مع مهرجانات سينمائية أفريقية هامة كمهرجان أيام قرطاج في تونس ومهرجان فيسباكو ببوركينا فاسو.
وكانت بوركينا فاسو قد اختيرت كضيف شرف للدورة الرابعة لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية عام 2015 وهي دولة قدمت إسهامات وأسماء كبيرة في عالم السينما كالمخرج البوركيني ادريسا ادراجو الحاصل على جوائز من مهرجانات سينمائية عالمية شهيرة كمهرجان كان ومهرجان برلين.
نادي السينما الإفريقية بالهناجر
ومع افتتاح نادي السينما الإفريقية بالهناجر في القاهرة وانعكاساته الايجابية على مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية فان هذا المهرجان السينمائي المصري بات من أهم مهرجانات الفن السابع في القارة السمراء جنبا إلى جنب مع مهرجان فيسباكو البوركيني ومهرجان قرطاج التونسي.
ويتفق العديد من النقاد والمعلقين المعنيين بالسينما الإفريقية علي أن المهرجانات الثلاثة تشكل نافذة رحبة للأفلام الافريقية كوسيط ثقافي يعكس واقع الحياة في دول القارة والتعرف على هموم وطموحات أبناء أفريقيا فضلا عما تنطوي عليه الأفلام التي تعرض بهذه المهرجانات من دعم للهوية الإفريقية.
ومن هنا حق للمخرج السينمائي البوركيني جاستون كابوريه- الذي كرمه مهرجان الأقصر السينمائي للسينما الإفريقية في دورته الخامسة ان يقول ان السينما الإفريقية قادرة على تقديم التاريخ الحقيقي لإفريقيا.
ومهرجان الأقصر للسينما الأفريقية نجح في فتح سوق للسينما الإفريقية للمرة الأولى في مصر فيما كان سيد فؤاد قد أوضح أن قنوات رسمية وافقت على عرض أفلام افريقية كما تم الاتفاق مع قنوات خاصة على شراء الأفلام الفائزة في مسابقات المهرجان الطويلة والقصيرة.
وهذا المهرجان الذي يحظى بدعم من محافظة الأقصر ووزارات الثقافة والسياحة والخارجية استضاف من قبل أسماء كبيرة في عالم السينما مثل الناقد السينمائي الأمريكي جيه ويسبيرج والمخرجة التونسية مفيدة التلاتلي إلى جانب الاسمين الكبيرين في سينما مالي شيخ عمر سيسكو وسليمان سيسيه والسنغالي موسى توري.
أسئلة الثقافة الإفريقية
ولا ريب أن هذا المهرجان المصري للسينما الأفريقية يثير جدلا ويطرح أسئلة الثقافة الإفريقية التي ينبغي أن تكون حاضرة في العقل الثقافي المصري ليبحث لها عن إجابات متجددة وغير تقليدية.
وأسئلة الثقافة الإفريقية بظلالها وجوانبها المتعددة بحاجة لمتخصصين في الثقافات الإفريقية وفنونها على غرار الناقد السينمائي الفرنسي اوليفييه بارليه المتخصص في السينما الإفريقية ومدير تحرير المجلة الفرنسية: "الثقافة الإفريقية" ومدير برامج السينما الافريقية في مهرجان كان السينمائي الدولي كما انه صاحب كتاب حول السينما الإفريقية في الألفية الثانية.
وإذا كانت الثقافة المصرية تمضي بخطى جديرة بالثناء على صعيد توظيف السينما كوسيط إبداعي في التواصل الحميم مع الأشقاء الأفارقة فقد يحق التساؤل في هذا السياق عن عدد الكتب التي ترجمت للعربية في العالم العربي ككل للمبدعين من الأدباء الأفارقة وخاصة الأجيال الجديدة وهو رقم لا يعبر بأي حال عن أهمية التواصل الثقافي العربي-الأفريقي خاصة في وقت باتت فيه أفريقيا ساحة للتنافس بين القوى الناعمة لدول كبرى من خارج القارة.
القوة الناعمة الصينية في القاهرة الإفريقية
وفي تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز بعنوان: ما السبيل لمواجهة الهجوم الدعائي الصيني في العالم؟ أكد الباحثان المشاركان في معهد ميركاتور للدراسات الصينية اولبيرج وبيرترام لانج تصاعد حضور القوة الناعمة الصينية في القارة الإفريقية بصورة مثيرة لقلق الولايات المتحدة والغرب عموما.
كما تحدثت صحيفة نيويورك تايمز عن قيام الصين بتعزيز وجودها وقوتها الناعمة داخل أفريقيا موضحة أن وسائل الإعلام الصينية باتت تنتشر وتوسع نطاق أنشطتها في دول القارة السمراء مقابل ما وصفته بتراجع في دور الإعلام الغربى بهذه الدول.
وتناولت النيويورك تايمز في تقريرها بقلم اندرو جاكوبز بعض ابعاد هذا التوجه الصينى حيال أفريقيا والذى يتضمن تعظيم الاستثمارات ودعم الخبرات في مجال البناء والإعمار والبنية الأساسية على وجه العموم جنبا إلى جنب مع اهتمام بالدور الإعلامى والبعد الثقافى للتحرك الصينى النشط في ربوع افريقيا.
ومن المفيد دراسة سبل تعظيم القوة الناعمة عبر تحليل ثقافي-سياسي ونظرة مقارنة لتجارب دول أخرى من خارج القارة السمراء مثل التجربة الصينية حيث يتزايد التأثير الثقافى الصينى تدريجيا في عدة دول افريقية.
ولعل من المفيد أيضا في هذا السياق إلقاء الضوء على مسألة استخدام الصين للأدوات الثقافية للقوة الناعمة في إستراتيجيتها الخاصة بالتعامل مع أفريقيا فيما تتفق العديد من الدراسات على أن تنامى قوة الدولة يعنى تزايد قوتها الشاملة.
ففى دراسة نشرتها جامعة فيكتوريا في ويلنجتون تحت عنوان "السياسة الأفريقية للصين وقوتها الناعمة"-تناول الباحثان جيانبو ليو وتشياو مين زهانج بصورة مستفيضة مسألة القوة الناعمة كسبيل مباشر لحماية وتوسيع نطاق المصالح الوطنية للصين في الخارج وعبر البحار فيما يرى الباحثان أن القارة الإفريقية تشكل ساحة هامة لتعزيز القوة الناعمة الصينية في بيئة صراعية تعد سمة أساسية للعلاقات الدولية.
وحسب هذه الدراسة المطولة للباحثين اللذين يعمل أولهما في معهد تثقيف الكوادر بالحزب الشيوعى الصينى فيما يعمل الثانى بجامعة بكين للدراسات الأجنبية فإن ضمان النمو المتواصل للعلاقات الصينية -الأفريقية يشكل محكا واختبارا للصورة الذهنية للصين ومسؤولياتها الدولية في حقبة جديدة مع تأكيدهما على أنه من الأهمية بمكان للإستراتيجية الخارجية للصين تحليل الإنجازات التى تحققت والمشاكل التى مازالت قائمة فيما يتعلق بحشد وتعبئة القوة الناعمة وزيادة التأثير الصينى في أفريقيا.
وأوضح الباحثان أن القوة الناعمة للصين في أفريقيا تتمثل أساسا في عدة مجالات هى المساعدات الخارجية الصينية التى تفضى لنفوذ سياسى للصين في الدول الأفريقية المتلقية لهذه المساعدات والتأثير الثقافى الصينى الذى يتزايد تدريجيا في عدة دول أفريقية مع تصاعد ملحوظ في تحبيذ العديد من دول القارة السمراء للنموذج التنموى الصينى.
وطرح الباحثان جيانبو ليو وتشياو مين زهانج في هذه الدراسة سلسلة من التوصيات والاقتراحات لتحسين صورة الصين وسمعتها في القارة الأفريقية تتضمن صياغة إستراتيجية شاملة ومتماسكة لتعظيم الاستفادة من القوة الناعمة الصينية في إفريقيا ومنح مزيد من الاهتمام للدبلوماسية الثقافية ونشر الثقافة الصينية في ربوع القارة السمراء وزيادة جاذبية النموذج التنموى الصينى في عيون الأفارقة وإقناعهم بأن توسيع نطاق التعاون المشترك يخدم الجانبين معا.
كما يوصى الباحثان بزيادة عدد الطلاب والدارسين الأفارقة في الصين ومنح اهتمام اكبر للدراسات الأفريقية في الجامعات الصينية واقامة معارض ثقافية صينية في الدول الأفريقية.
ولئن كانت القوة الناعمة لمصر في أفريقيا قضية يتوجب الاهتمام بها بعيدا عن اجترار الذكريات أو الاكتفاء بالشعارات فمن نافلة القول أن هذه القوة الناعمة المصرية هي "قوة أفريقية وجزء من القوة الإفريقية الشاملة" وتستند لتاريخ مديد وتفاعل طبيعي بين الشعوب التي تنتمي لقارة واحدة وجغرافيا مشتركة.
وقد تكون قراءة ما خطه قلم احد الآباء الثقافيين المصريين مثل المفكر الاستراتيجي الراحل جمال حمدان دالة في إدراك أهمية توجه مصر على الصعيد الأفريقي منذ رحلات الفراعنة إلى بلاد بونت وتأثير الحضارة المصرية القديمة في أفريقيا حتى تلك المناطق الواقعة خارج حوض النيل وهو تأثير إنساب في أعماق القارة وسجله مستكشفون من الغرب بدهشة.
طريق الحج التاريخي
وهذه الجغرافيا المشتركة أفضت مثلا لما يعرف "بطريق الحج التاريخي" وجعلت من مصر مقصدا للقادمين من عمق القارة الافريقية وصولا لمقصدهم النهائي وهو الحج في مكة المكرمة كما يوضح مثقف مصري وعالم من علماء الأزهر الشريف وهو الدكتور أسامة الأزهري.
فقبل نحو قرن من الزمان كان الأشقاء الأفارقة من بلدان متعددة مثل تشاد والنيجر ومالي ونيجيريا والسنغال يعبرون على ارض مصر من خلال طريق الحج القديم قبل عصر الطيران ويعيشون على ارض الكنانة وبين أشقائهم المصريين اياما أو شهورا قبل استكمال الرحلة للحرمين الشريفين.
ويعيد الدكتور أسامة الأزهري للأذهان ملاحظة المفكر الاستراتيجي الراحل جمال حمدان حول مثل هذه الروافد التي كانت تصب أثرها بهدوء في مصر "أي أنها تصب أثارا اجتماعية واقتصادية ونفسية وعلمية كبيرة ومتدفقة في وجدان الإنسان المصري وشخصيته" موضحا أيضا أن طريق الحج القديم الذي يخترق العمق الإفريقي ويمر ببلدان كثيرة كان طريقا من طرق التجارة العالمية كطريق الحرير الذي كان يعبر من عمق آسيا إلى اوروبا.
كما أن الأزهر الشريف مازال يواصل دوره العلمي والثقافي العظيم ويستقبل أبناء أفريقيا ضمن الآلاف من طلاب العلم القادمين من كل فج بعيد ليرسخ عرى وشائج متعددة بين المصريين والأشقاء الأفارقة الذين يزهو بعض المع مثقفيهم بأنهم تلقوا العلم في اعرق جامعة في العالم آلا وهي جامعة الأزهر.
ولئن رأى الراحل العظيم جمال حمدان أن الحضارة المصرية "ثمرة زواج موفق بين النيل أبو الأنهار ومصر أم الدنيا" فالنظرة الواقعية الآن تدعو لمعرفة الجديد في المنجز الثقافي الأفريقي خاصة وأن البعد الأفريقي حاضر ضمن مستويات الهوية المصرية ومكوناتها الثرية.
الثقافة المصرية والإبداع الإفريقي
وبينما تعتمل القارة الأفريقية جنوب الصحراء بأفكار جديدة تثير اهتمام الصحافة الثقافية الغربية فإن الحاجة تدعو الثقافة المصرية لمزيد من التواصل والتفاعل مع الإبداع الأفريقي وطرح أسئلة الثقافة الأفريقية بجدية في المشهد المصري وبما يحقق التفاعل المنشود بين الثقافة المصرية وثقافات القارة السمراء.
والمتابعات الثقافية لمسارات الأدب والكتابة في القارة الإفريقية تكشف بالفعل تنوعا ثريا ما بين كتابات رومانسية وحداثية وأخرى تدخل في باب الخيال العلمي وحتى قصص بوليسية مثيرة مع وجود مطبوعات ثقافية وأدبية رفيعة المستوى وحريصة حقا على نشر الإبداعات بأقلام أفريقية.
وهذه المطبوعات الثقافية والأدبية من مجلات وصحف مثل "كواني" و"سارابا" و"جالادا" و"شيمورينجا" خليقة باهتمام ثقافي مصري وعربي للتعرف على اتجاهات الأدب الأفريقي الجديد والتواصل الثقافي مع المبدعين الأفارقة.
ويكفي للإشارة لمدى تطور الإبداع الأفريقي على مستوى الأجيال الشابة أن مثقفة أمريكية كبيرة مثل آنا نورث رأت في سياق طرح بضمير المثقف النقدي الحر والمستقل حول جائزة نوبل للآداب أن شاعرة شابة قادمة من افريقيا مثل الصومالية وارسان شاير التي تبدع بالانجليزية في لندن احق بالجائزة من الأمريكي بوب ديلان الذي نال هذه الجائزة في العام الماضي.
وها هو الشاعر والكاتب النيجيري بن اوكري والعاشق لإبداعات سيد الرواية المصرية نجيب محفوظ يقول عبر صحيفة الجارديان البريطانية في طرح حول الأدب الافريقي إن ما يصفه "بظاهرة العسف الذهني" مسؤولة عن حجب كثير من الكتاب الأفارقة عن مجد يستحقونه في الغرب.
ولا ريب أن "الحداثة" بدلالاتها قد تختلف كثيرا بين أفريقيا وأوروبا ناهيك عن أمريكا لكن ثمة حاجة مصرية وعربية لمتابعة جادة لما يعتمل الآن إبداعيا في أحشاء القارة السمراء وخاصة في الدول الواقعة جنوب الصحراء وهاهو بن اوكري يوضح موقفه مجددا بالقول :"إنني أدعو ببساطة ألا نسمح كمبدعين أفارقة لأي شخص أو طرف بتحديد وتقرير ما نكتبه".
إنها دعوة لحرية المبدع الأفريقي وحقه في تناول ما يحلو له ككاتب أو شاعر واكتشاف مناطق إبداعية جديدة مازالت غير مطروقة ولعلها مجهولة في الأدب الإفريقي كما ينبغي التأكيد على ضرورة الاهتمام الثقافي العربي بالأسماء الجديدة والصاعدة بقوة في المجال الثقافي والأدبي بالقارة السمراء جنوب الصحراء.
عولمة الأدب الإفريقي
إنها أسماء يعرفها الغرب ولا نعرفها نحن بما يكفي مثل كوجو لينج وبيسي هيد والين موبانكوكو ويوفوني اديامبو اوور وكلها تستفيد من أجواء الحرية في عصر جديد بالقارة السمراء لتقدم إبداعات أفريقية ثرية ومتنوعة وتعبر عن "الذائقة الإفريقية الجديدة ومزاج العصر في افريقيا" ولعلها تنتظر قراء بالعربية في وقت يتحدث فيه مبدع افريقي مثل النيجيري بن اوكري عن أهمية "عولمة الأدب الإفريقي".
إن مصر التي تسكنها نشوة إفريقية شفرتها الحب وأبجديتها الإخلاص تشكل قوة ثقافية رائدة على جسور التواصل العربي - الأفريقي وتدرك أن الثقافة رافد هام لنهر التواصل والتفاعل مع الأشقاء في القارة الإفريقية.. وعلى ضفاف النهر الطويل المدى أن ينصت لقصة حب على شراع الأيام وملامح المكان وأسفار الزمان.