«الأطلال تتحدث».. تحت الأنقاض ذكريات لضحايا عقار المنصورة المنهار (صور)

السبت، 05 أغسطس 2017 01:07 م

أطلال عقار المنصورة

الدقهلية ـ محمد حيزة

«يا ليل لا تروح إذا جاء نهار بتبان الجروح»، لم تستجب الشمس، لتوسلات سرحان مجدي بيشوي، الرجل الستيني، الذي حضر لموقع انهيار عقار شارع الثانوية بمدينة المنصورة، بمحافظة الدقهلية، ليشهد المكان الذي فقد فيه صديق عمره، بالجوار كانا يسيران معاً، يشهد على سمرهم كل أزقة شوارع المنصورة، عقب قداس الأحد.

أظهرت الشمس فاجعة حطام انهيار العقار أول الأمس، ليرى الناظر بعينه، ملابس السكان، واختلطت بحديد صبة المنزل، وذكرياتهم تحت تراب الإنهيار، وجوابات البريد بالطوابع القديمة التي تحمل عام 1970، وشهادات تقدير الطفلة ساندرا، وذكريات والدتها وقت أن كانت في سنها.

رمال العقار المنهار التي اختلطت ببعضها، لم تفرق بين مسلم وقبطي، حيث التقطت العدسات أيقونة للأنبا كيرلس السادس، معلق عليها لوحة خشبية مكتوب عليها لفظ الجلالة الله واسم النبي محمد، اختلطت لوحات الطابق الثاني الذي كان يعيش فيه منصور حسن علي أحد الضحيا، بأيقونات الطابق الثالث الذي كان يعيش فيه رزق نجيب زكي.

وسط الركام حصلنا على صورة من تأشيرة دخول دولة الكويت، وصورة من تذكرة طيران خطوط مصر للطيران، تفيد بعودة الضحية رزق نجيب زكي، أول أمس 2 ظهراً، لمصر، بعد أن كان في زيارة عائلية لدولة الكويت، ليمهله القدر 24 ساعة فقط، ويلقى حتفه داخل منزله، متأثراً بإصابته من انهيار العقار.

مينا عادل، أحد سكان الطابق الخامس، أنقذته العناية الإلهية، قال أحد سكان العقار المنهار بالمنصورة، إن السكان جميعاً، كانوا لا يجدون خطورة فى البيت، وكنت أعيش فى البيت بشكل طبيعى جداً، ولم يكن هناك أي بوادر لتهالك المنزل، أو مبشرات لانهياره، وكنا نعلم أنه صادر له قرار إزالة، ولكن لم يكن أحد يهتم خاصة أن القرار منذ 14 سنة.

وأضاف «سمير» أن السكان كانوا يعيشون بشكل طبيعي، وكنت أنا ووالدتي خارج المنزل، وفوجئنا بالانهيار، ولا نعلم السبب لذلك، لا أصدق نفسي أني أرى الأثاث الخاص بمنزلي، حجرة نومي، الكراسي التي كنت أجلس عليها، كلها تحولت لتراب وكوم قش، والحزن أكبر على فراق الجيران.

خطاب الطفلة الضحية، ساندرا جورج ماهر 7 سنوات، الذي علاه التراب والطين، وسط أكوام الركام داخل حطام المنزل، الذي أرسلته لوالدتها في عيد الأم، وهي تفتتحه بإحدى آيات الكتاب المقدس، ثم توسلات منها لتنال رضاها، كان من أكثر المشاهد لفتاً لأنظار المتجمهرين حول الركام، في اليوم الثالث على التوالي، لتكون الشمس شاهدة على قسوة الحدث والذي راحت ضحيته الطفلة التي لم تكمل عقدها الأول.

جد ساندرا لم يكن أكثر حظاً منها، فالقتيل الثالث، رزق نجيب زكي 63 سنة، لم يمهله القدر أكثر من 24 ساعة بمصر، بعد أن عاد من رحلة بدولة الكويت، حيث كان في زيارة عائلية، حسب صورة التأشيرة ـ التي حصلنا عليها من داخل الركان- عاد قبل الحادث بـ21 ساعة إلى مصر، بعد رحلة استمرت عدة أشهر بالكويت.

أما أشهر ضحايا العقار فهي إيمان منصور، 22 سنة، الفتاة القعيدة، والتي أقعدها المرض، والعجز الذهني، والتي كانت لا تفارق حجرتها، حتى أجبرتها حجرتها على مفارقة الحياة بأكملها، بعد أن انهار المنزل كله فوق رأسها، ورأس أبيها منصور زكي 57 سنة، والذي كان دائم المكوث بجوار ابنته القعيدة، حيث لم يكن يعش في المنزل سواهما.

أيقونات السيد المسيح وسط الركام، تنظر إليها فتاة، ثم تبكي وتحملها وتضمها إلى صدرها، وتنظر إلى خلفها، لتجد الإهداء الذي أهدته لصديقتها، التي انتقلت إلى الأمجاد السماوية، لتترك لها هديتها والكثير من الألم، تقول جاكلين سيد منير، 35 عام، صديقتي نشكر الله لنجاتها، ولكنها فقدت كل أسرتها، وأسرتها كانت بالنسبة لي أسرتي، وكنت دائمة الزيارة لهم في المنزل، أشعر أني فقدت منزلي، وليس مجرد منزل صديقتي، وهذه الأيقونة، اشتريتها لها هدية في عيد ميلادها، العام قبل الماضي، وكان احتفا جميلا، ومبهجا اليوم أرى ذكرياتي وذكريات أسرتي الثانية، تحت الركام تحولت لشاهد على مشاهد الموت.

فيما قال الدكتور أحمد الشعراوي محافظ الدقهلية: «حاولت إخفاء حزني على الضحايا الأبرياء كثيرا لم أستطع حتى وأنا أتحدث إلى الناجين في المستشفى، سألتني ميرنا والدة الطفلة ساندرا عن ابنتها فقلت لها أنها بخير، لم أستطع أن أخبرها أنها توفيت، الأمر كان عسيرا جدا، وأنا وكافة التنفيذيين في المحافظة، تعاملنا مع الأمر بشكل إنساني أولا، قبل أن نتعامل معه بشكل قيادي ومؤسسي، لأننا كشعب نعيش حياة واحدة، وأحزاننا مشتركة وأفراحنا مشتركة، وقد أمرت بسرعة صرف إعانات للمصابين، 5 آلاف جنيها لكل مصاب، و15 ألف جنيها لأسرة كل متوفي، وإيجاد سكن إيواء للناجين، وإجراء العناية الطبية اللازمة لجميع المصابين».