الفتوجية
الإثنين، 24 يوليو 2017 06:20 م
أؤكد أن أمر «الفتوى» في كل الدول العربية والإسلامية قد تعدى كل الحدود، بعد أن حوله «الفتوجية» من محبي الشهرة، والجهلاء، وأنصاف المتعلمين، الذين لا يمتلكون من أمرهم سوى الجلباب الأبيض القصير، أو العمامة، إلى فوضى يدلي فيها من يعلم أو لا يعلم بدلوه، لدرجة جعلت البعض في حيرة من أمرهم في كثير من قضايا الحلال والحرام، والجائز وغير الجائز، من كثرة التضارب والفتاوى غير الطبيعية، التي لا يقبلها دين أو عقل أو منطق.
وهو أمر أصبح يحتم على الحكومات، ضرورة التدخل وبحزم لوقف تلك المهازل، وسن تشريعات رادعة، تُجرم بمقتضاها «الفتوى» لـ «غير العلماء»، وتضع ضوابط تحظر خروج فتاوى فردية منعا الشطط، وتقصرها على مجالس مجمعة من العلماء منعا للميل إلى أهواء.
ففي أبريل الماضي، خرج الشيخ يوسف القرضاوى، بفتوى لا يقبلها عقل ولا دين، أجاز خلالها لـ «الانتحاري» تفجير نفسه وسط مدنيين، حتى ولو نتج عن ذلك خسائر، طالما رأت الجماعة ذلك.
وبعدها بأيام خرجت أستاذة شهيرة بجامعة الأزهر، لتجيز «بيع النساء من أسرى الحروب»، مؤكدة أنه لو حدثت حرب بيننا وبين إسرائيل، وتم أسر عدد من النساء، سيصبحن «ملك يمين» للقائد المسلم، ويجوز له أن يستمتع بهن كما يستمتع بزوجاته.
كما أفتى شيخ شهير بـ «عدم جواز محاسبة الزوج للزوجة وعشيقها، حال ضبطهما في حالة زنا»، وأن عليه أن تيقن أن «الفرج في الفرج» وأن يرجع إلى الحاكم الشرعي أولا.. وأفتى آخر بأنه «إذا خانت المرأة زوجها فإن ذلك يعد ذنبا بينها وبين الله، ولا يحق لزوجها أن يحاسبها عليه».. وأفتى ثالث بأن «القرآن لم يحرم الزنا»، وأنه لا يوجد في القرآن الكريم آية تقول «حرّم عليكم الزنا»، وأن الله حرم كل مقدمات الزنا وما يؤدي إليه، فقال: «ولا تقربوا الزنا».
وبعيداً عن فتوى «إرضاع الكبير» الكوميدية، التي أفتى خلالها أستاذ بالأزهر، بأن يرضع الموظف من زميلته في العمل 5 رضعات «تجنبا للخلوة» بينهما في مكان العمل.. أصدر عدد من «الفتوجية» عددا من الفتاوى أخرى أكثر«تهريجا»، حيث أباح شيخ شهير «القبلات بين الجنسين في حال عدم القدرة على الزواج».. كما أجاز للمرأة إمامة الرجال في الصلاة.. وأحل «تدخين سجائر في نهار رمضان».. وأفتى أخر ببطلان عقد الزواج في حالة تعري الزوجين خلال المعاشرة الزوجية.
وامتد تهريج «الفتوجية» إلى الشأن السياسي، حيث حرم قيادي سلفي، الانضمام إلى «الأحزاب السياسية» بحجة أن الدين ليس به أحزاب.. وحرم آخر الزواج من أبناء أعضاء الحزب الوطني المنحل.. وأفتى قيادي إخوانى بأن الانضمام لحزب الحرية والعدالة «تقربا إلى الله، وصورة من صور العبادة».. وحرم سلفي آخر المشاركة في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية.
وللأسف الشديد.. إن فوضى الفتوى و«الفتوجية» أصبح يشمل كل الدول العربية والإسلامية، ففي سوريا على سبيل المثال، حرمت جماعة «قبيسات» نوم المرأة بجانب الحائط على اعتبار أن الحائط «ذكر».. كما حرمت جلوس المرأة على الكرسي بحجة إنه ينسيها عبادة الله.. كما أفتى المغربي عبد البارى الزمزمي، بجواز «معاشرة الرجل لزوجته الميتة».. وأجاز أيضا للمرأة الحامل «شرب الخمر خلال فترة الوحم».
كما حرم السعودي عثمان الخميس، على المرأة الجلوس بمفردها على الإنترنت، إلا في وجود محرم.. وحرمت حركة الشباب المجاهدين في الصومال أكل «السمبوسة» لأنها تحتوي على أضلاع تشبه «الثالوث المقدس» عند المسيحيين.. وحرم أحد الأئمة العرب على السيدات تناول الموز والخيار حتى لا يثرن جنسيا، مشترطا ضرورة تقطيعهما إلى شرائح بمعرفة «محرم» قبل أن تتناولهما المرأة.
بالطبع نكن كل تقدير لكل علمائنا الأجلاء في سائل العالم الإسلامي، ولكن هذا هو حال «الفتوى» في بلادنا للأسف، تعدى كل الحدود، وأصبح مستباحا حتى للجهلاء، وهو ما يحتم الحكومات ضرورة التدخل، ووقف تلك المهازل «انتصارا للدين» بسن تشريعات تحديد من لهم الحق في الفتوى، عدم ترك الأمر لـ «الفتوجية»، الذين يتعاملون مع أمور الدين، بذات منطق الرياضة والفنون التي تقبل «العبث».