رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر: سنوات التحول السياسي الأربع الماضية أثرت على الاقتصاد المصري
الأحد، 23 يوليو 2017 01:00 م
في بحث نشره « كريس جارفيس»، رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، ومستشار في إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق، قال:« كانت الدعوة إلى مزيد من العدالة في إتاحة الفرص الاقتصادية، وخاصة فرص العمل، من أهم أسباب ثورة يناير 2011، غير أن سنوات التحول السياسي الأربع الماضية أثرت على الاقتصاد، ونتيجة لذلك، تُرِكَت المشكلات الاقتصادية، أما النمو الإقتصادي، الذي بلغ 2.2% في 2013/2014، فقد ظل دون المستوى الكافي لتحسين المؤشرات الاجتماعية-الاقتصادية الأساسية.
وقال جريفث: إن سياسات رفع النمو وتخفيض العجز تتمثل في إصلاح الدعم ومرونة سعر الصرف ، حيث خلال السنة المالية 2013/2014، أنفقت مصر أكثر من 6% من إجمالي ناتجها المحلي على دعم الوقود، وهو ما يتجاوز حجم إنفاقها على الصحة أو التعليم، ومن المفارقات في هذا الخصوص أن دعم الوقود غالبًا ما يفيد الشرائح السكانية الغنية ، كأصحاب السيارات كثيفة الاستهلاك للوقود ، ولكن أكثر ما يفيد الفقراء حاجتهم إلى حماية اجتماعية أكبر ونظم صحية وتعليمية أفضل.
ويُلاحظ أيضًا، أن دعم الوقود يعمل على تشجيع الصناعات كثيفة الاستخدام لرأس المال، بينما تحتاج مصر إلى مزيد من الصناعات كثيفة العمالة من أجل تخفيض البطالة، وبالإضافة إلى ذلك، فهو يساهم في عجز المالية العامة الكبير وفي تزايد الدين العام، ومن ثم هشاشة الاقتصاد، مما يترك أقل القليل من الموارد للإنفاق على البنية التحتية.
ويمكن تغيير هذه السياسات من خلال إصلاح الدعم، وهو جزء من مجموعة السياسات الاقتصادية التي بدأت السلطات المصرية تنفيذها بالفعل في يونيو الماضى.
وتابع : ومن خلال زيادة أسعار الوقود، ستتمكن الحكومة من توفير الكثير من الأموال المهدورة، مما سيتيح المجال لزيادة التحويلات الموجهة للفئات محدودة الدخل، وزيادة الموارد اللازمة لتحسين مستويات معيشة الفقراء، إلى جانب الاستثمار في الطرق والمدارس والمستشفيات ومحطات الكهرباء، وهذا هو محور جدول أعمال السلطات التي بدأت بالفعل تصميم نظام للتحويلات النقدية المشروطة، بتمويل جزئي من الموفورات الناشئة عن إصلاح دعم الوقود.
ولن تكون ثمار زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم والبنية التحتية مقصورة على الفقراء والأشد احتياجاً على المدى القصير، بل يمكن أن تمتد إلى رفع النمو الممكن على المدى الأطول، وهو ما تشير الأبحاث إلى أهميته الكبيرة في خلق فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة.
وقال جريفث: هناك سياسة اقتصادية أساسية أخرى تتمثل في مرونة سعر الصرف، فوجود سعر صرف أكثر مرونة يمكن أن يعزز التنافسية، ويجذب الاستثمار الأجنبي والنشاط السياحي، ويدعم صادرات الصناعات الجديدة التي تستطيع بدورها خلق المزيد من فرص العمل ودعم النمو طويل الأجل، ومن ثم رفع مستويات المعيشة. وعلى هذه الخلفية، يعتبر تحرك سعر صرف الجنيه المصري مؤخراً في مقابل الدولار الأمريكي بمثابة خطوة في الاتجاه الصحيح.
وفي سياق الإصلاحات الهكيلية أوضح جريفث: أنه من المهم اتخاذ إجراءات هيكلية لتحسين مناخ الأعمال الذي يمكن أن يجعل مصر أكثر جذبا للمستثمرين،حيث تشير دراسات البنك الدولي إلى أن الحصول على تصريح بالبناء يستغرق 218 يوما في مصر، في مقابل 29 يوما فقط في جمهورية كوريا.
وأكد: أنه من الضروري إلغاء اللوائح والروتين الحكومي اللذين يفتقران إلى الكفاءة، من أجل زيادة الاستثمار وتشجيع خلق فرص العمل، ومن شأن التقدم في هذا المجال أن يساعد أيضاً على إدخال القطاع الاقتصادي غير الرسمي تحت المظلة الرسمية، مع ما يحدثه ذلك من أثر إيجابي على البطالة ومستويات المعيشة بشكل عام. وقد وجدنا أن السلطات المصرية تدرك تماما أن الإصلاحات الهيكلية ضرورة ملحة، وهناك خطط جارية لإصدار قانون معدل للاستثمار، على سبيل المثال، وهو تحرك في الاتجاه الصحيح.
ومن أكبر التحديات أمام الحكومة بناء مؤسسات حديثة وشفافة لتشجيع المساءلة والحوكمة الرشيدة، وضمان تطبيق قواعد للعمل تقوم على العدالة والشفافية. وتؤدي العدالة في السياسة الاقتصادية إلى ضمان انتفاع كل أفراد المجتمع بمكاسب النمو، كما تكفل المساواة في إتاحة الوظائف وتوفير الفرص لمؤسسات الأعمال، بغض النظر عن كون الأطراف المعنية من ذوي الصلة بأصحاب النفوذ.
وأخيراً، يكتسب تحسين نظام التعليم في مصر أهمية قصوى لتحقيق التنمية طويلة الأجل. فمن غير الممكن خلق فرص العمل دون اصلاح نظام التعليم بما يكفل إعداد الخريجين لمتطلبات سوق العمل الحديثة. وإذا تمت عملية اعادة ترتيب أولويات الانفاق العام بكفاءة، بحيث يزداد التركيز على الصحة والتعليم حسب نص الدستور، يمكن المساعدة في تحقيق نمو أعلى وأكثر احتواءً لمختلف شرائح السكان على المدى الأطول، مع الحفاظ على استقرار أوضاع المالية العامة.