كابوس التهميش والإهمال يضع الجيزة بين فكى الإرهاب..
هنا جنوب الجيزة.. مربع السيطرة الإخوانية ومعقل الدواعش (ملف خاص)
الأحد، 23 يوليو 2017 12:00 م هناء قنديل - تصوير - عزوز الديب
«القطة المتكلمة» كلمة السر فى السيطرة على أهالى المنطقة.. «إشارة رابعة» تكشف سر مشروع «الإرهابى المحتمل» بقرى جنوب الجيزة.. تمثال «أبو طورية» خلّد النضال الوطنى لربات البيوت ضد الاحتلال الإنجليزى.. تخترق «أبورجوان» مخبأ خلية كمين أبوصير التكفيرية
دفتر الخصومات الثأرية يسجل عشرات الضحايا بسبب البط والحمير والأطفال! .. قرى جنوب الجيزة تحتل المركز الأول فى نسب زواج القاصرات
الظهير الصحراوى للمحافظة يصل إلى الصحراء الغربية حيث معسكرات الدواعش .. المتطرفون خدعوا ربات البيوت وأقنعوهن بأنهم «بتوع ربنا»
تقع قرية المساندة على الطريق الزراعى على بعد 5 كيلومترات من العياط وتعانى ما تعيشه القرى المجاورة من أزمات غياب الصرف الصحى وانتشار البطالة، والتسرب من التعليم
رغم أن مدن وقرى محافظة الجيزة، أقرب إلى القاهرة، مركز الحضر فى مصر، فإن معظم المقيمين فيها من أصول جنوبية؛ الأمر الذى كان سببا فى سيطرة عدد كبير من العادات، والتقاليد المرتبطة بأبناء الصعيد، والتى تحمل فى طياتها العصبية القبلية، والعنف الثأرى؛ وهما عاملان يصنعان إنسانا مستعدا بالفطرة لتقبل الفكر المتطرف، واعتناقه.. وإذا أضفنا إلى هذين العاملين، عنصرى إهمال الدولة للخدمات، وتهميش الأهالى المقيمين فى هذه المناطق؛ سنجد أنفسنا أمام كابوس يمكنه أن يحرق الجيزة بنيران الإرهاب، ويقدمها لقمة سائغة بين فكى قيادات الجماعات المتطرفة.. وتعانى الجيزة وجود مربع مرعب من المدن، التى خضعت للفكر التكفيرى، وسيطر عليها الإخوان، والدواعش هى: البدرشين، والعياط، والصف، وأطفيح، وهو ما كان واضحا خلال ثورة 30 يونيو، التى شهدت خلالها هذه المدن، ومعها كرداسة وناهيا فى شمال المحافظة أحداثا فى منتهى الخطورة، على أمن الوطن، وكانت أيضا مناطق الجيزة، مقرا لاختباء عناصر الإخوان، وقياداتهم عقب فض رابعة، مثل: عصام العريان، ومحمد البلتاجى، وصفوت حجازى.
الأرقام والإحصاءات المتعلقة بمختلف نواحى الحياة فى جنوب الجيزة، بقدر ما تثير الخوف، على مستقبل هذا المجتمع، فإنها تقدم أيضا ردا على السؤال المهم جدان وهو: لماذا جنوب الجيزة هى المنطقة الأكثر خضوعا للجماعات الإرهابية؟
وتحتل قرى جنوب الجيزة وفق الإحصاءات الرسمية، المركز الأول فى نسب زواج القاصرات، بسبب الفقر، وتتصدر الحوامدية قائمة قرى ومدن تزويج الفتيات قبل سن 18 عاما، بنسبه 8.3% بالمائة، وتليها أبوالنمرس بنسبة 6%، والبدرشين بنسبة 3.4%.
ويدفع هذا إلى وجود أسر غير قادرة على تربية أبنائها؛ ما يدفعهم إلى اللجوء للشارع من أجل صناعة فرصهم فى الحياة بأيديهم، الأمر الذى يجعلهم فريسة للاستقطاب.
ويبلغ متوسط دخل الأسرة فى مناطق جنوب الجيزة نحو 850 جنيها، وهو مبلغ يدفع الأهالى على عدم تعليم أبنائهم الذكور، ودفعهم لجلب المال بأى وسيلة ممكنة، وكذلك إلى تزويج بناتهم فى صفقات أشبه ما تكون بالتعاقدات التجارية، وأعمال البيع، والشراء، لا سيما فى ظل وصول متوسط عدد الأسرة الواحدة فى هذه المناطق إلى 8 أفراد، فى الوقت الذى تتجاوز فيه أعداد المتسربين من التعليم مليون شخص.
«صوت الأمة» خاضت المغامرة، واخترقت مناطق الإرهاب فى الجيزة، لتكشف السر وراء تكرار الحوادث الإرهابية فى جنوب الجيزة، وبخاصة بعد العملية الأخيرة التى راح ضحيتها 5 من رجال الأمن بكمين أبوصير، فى وضح النهار، وعلى رءوس الأشهاد، كما زرنا قرية «أبورجوان»، منطلق حركة «حسم» الإرهابية، وأيضا مخبأ الخلية الإرهابية التى نفذت الهجوم على كمين أبوصير الأمنى، ومعقل الدواعش فى مدخل الصعيد.
خريطة جنوب الجيزة
تبدأ الرحلة إلى جنوب الجيزة، فى شارع البحر الأعظم، الذى يصل فى نهايته إلى منطقة المنيب، ومنها إلى أبوالنمرس، أول مراكز الجنوب، ثم الحوامدية، والبدرشين، والعياط، وذلك كله بالتوازى مع الصف، وأطفيح، الواقعتين على الضفة الأخرى من نهر النيل، لينتهى الأمر على مدخل قرى الصعيد بمحافظتى بنى سويف، والفيوم.
ثغرة الظهير الصحراوى
ولا تخلو قرى ومدن جنوب الجيزة من ظهير صحراوى، يمثل ثغرة مهمة وخطيرة فى البناء الجغرافى للمنطقة؛ لأنه يقود إلى المدقات الجبلية المتصلة مباشرة بالحدود الغربية، حتى ليبيا، مرورا بالواحات، وما تضمه من عناصر إرهابية أقامت لنفسها معسكرات بالفرافرة، وأطلق بعضهم على أنفسهم اسم «داعش الوادى»! وهى العناصر التى قضت القوات المسلحة على أعداد كبيرة منها خلال الأشهر الماضية.
ويربط الظهير الصحراوى المشار إليه، جنوب الجيزة، بطريق السويس، وكذلك الفيوم، وبنى سويف، والواحات عبر الطريق الدائرى الإقليمى؛ الذى بات يسهل انتقال أى عناصر غريبة قادمة من سيناء شرقا، أو ليبيا غربا لقلب جنوب الجيزة، ومنها للقاهرة، والدلتا.
4 قرى فى قبضة الإخوان
وتعد قرى أبورجوان، والبليدة، والعطف، وأبونجم، أخطر قرى جنوب الجيزة؛ بعد أن صارت مرتعا لرجال الإخوان، وسقطت بكاملها فى قبضتهم، يعيثون فيها فسادا، ويتخذونها منطلقا لأعمالهم الإرهابية، ضد المجتمع؛ لا سيما وأنهم نجحوا فى استقطاب السواد الأعظم من أبناء هذه القرى، فكريا، وتنظيميا، فى ظل انتشارهم بها منذ سبعينيات القرن المنقضى، وتحديدا منذ أن سمح لهم الرئيس الراحل أنور السادات بالتحرك بحرية داخل المجتمع، لمواجهة الشيوعيين.
الزوايا مفتاح السيطرة
وكالعادة فى كل مكان يسيطر عليه أصحاب الفكر التكفيرى، تبدأ عملية الاستقطاب من الزوايا، والجمعيات الشرعية، غير الخاضعة لسلطة الدولة، وعندما تصل إلى مدخل جنوب الجيزة تجد نفسك أمام عشرات الزوايا، ولا يفصل بين كل منها على امتداد الطريق سوى أمتار قليلة، وهو أمر لافت للنظر؛ لو لم نكن نعلم السر الحقيقى وراءها.
غياب الدولة
ويجب الالتفات هنا إلى ملحوظة بالغة الخطورة، وهى أن عناصر الإخوان، والمروجين للفكر التكفيرى بشكل عام، لجأوا إلى حيلة خطيرة فى الجيزة، وهى ممارسة عدد من الأنشطة التى من المفترض أنها موكلة للدولة؛ إلا أن غياب الأجهزة الحكومية عنها، مكن هؤلاء العناصر من عدم التوقف عند الأنشطة المعتادة لهم، من تحفيظ القرآن، وإعطاء الدروس الدينية، ومساعدة الأسر الفقيرة، وإنما تمددوا إلى إقامة محطات لبيع مياه الشرب، ومستوصفات طبية بديلة للمستشفى الغائب دائما؛ هو ما سهل عليهم دخول كل بيت، وإيجاد مكانة جيدة جدا لهم داخل قلوب البسطاء، حمتهم من القبضة الأمنية مدة طويلة جدا، عن طريق الاختباء بين أعداد كبيرة من المريدين.
المعدية النيلية مدخل للبدائية المطلقة
بمجرد أن تعبر المعدية من ضفة النيل إلى الضفة الأخرى، حيث قرية «أبورجوان»، فى البدرشين، يتغير المشهد تماما ويتحول إلى حالة شديدة البدائية، وكأنك فى القرون الوسطى، فالسيدات يجتمعن على أطراف الترعة؛ يغسلن الأطباق، وأدوات المطبخ، وهن يتجاذبن أطراف الحديث، فيما يسبح أبناؤهم عراة فى المياه؛ للاستحمام، وعلى بعد خطوات قليلة تجلس سيدات أخريات أمام منازلهن، حيث الفرن البلدى، الذى يتم إشعاله بروث البقر، والجاموس.
وفى الوقت الذى تسيطر فيه البدائية على كل شىء، تفاجأ بأن الجميع كبارا وأطفالا على صلة دائمة بالأحداث الجارية، فتراهم يتحدثون عما جرى من ثورات، وإرهاب، بكل طلاقة، وقوة؛ حتى أنهم يعرفون بكل دقة أماكن اختباء العناصر المتطرفة التى احتمت بأرضهم خلال السنوات الماضية.
إهمال وتهميش
الإهمال والتهميش، هما الكلمتان اللتان يمكن بهما إيجاز التفاصيل اليومية لقرية «أبورجوان»، فالأطفال تنطق ملامحهم بالمرض، والشقاء المبكر، والرجال يعملون بالزراعة التى لا تكاد تكفى قوتهم اليومى، فيما تقضى السيدات أوقاتهن إما بالخدمة فى الأراضى الزراعية مقابل أجور زهيدة جدا، فى الوقت الذى لا يمكنهم فيه الحصول على أبسط الخدمات إلا بمقابل مادى باهظ.
وفى «أبورجوان»، وجميع قرى جنوب الجيزة، تباع المياه فى جراكن داخل محطات خاصة أقامها بعض الأهالى، ويصل سعر العبوة التى لا تتجاوز 5 لترات، إلى جنيهين، أما الخدمات الصحية فلا وجود لها إطلاقًا، ورغم أن مئات الآلاف من البشر يقطنون هذه القرى، فإن مركز البدرشين لا يوجد به مستشفى مركزى واحد يخدم الأهالى.
وفى ظل هذا كله، من الطبيعى أن ترتفع معدلات التسرب من التعليم إلى أقصى درجاتها؛ لحرص الأهالى على إلحاق أبنائهم منذ الصغر بالمهن المتاحة، حتى يمكنهم كسب الرزق، ويعمل أغلب الأطفال والفتيات هناك فى الفلاحة، وفى مصانع الطوب.
ثنائى الاختباء
شريط السكة الحديد، والزراعات، هما ثنائى الاختباء، الذى تلجأ إليه العناصر الإرهابية للإفلات، وإذا كانت الزراعات تمثل لهم غطاء جيدا، فإن التسطيح على القطارات، ثم القفز بالمناطق الصحراوية أثناء الرحلة إلى أقصى الصعيد، يمثل لهم أيضا مهربا آمنا، وبين هذا وذاك صارت قرى جنوب الجيزة، الملاذ المفضل للإرهابيين، من حسم، وداعش، وغيرها من السلفية المتطرفة.
المكان عبارة عن «عشة» بطريق زراعى ضيق متفرع إلى شقين أحدهما يحده من الجانبين شريط السكة الحديد وترعة، والآخر على جانبه الأيمن أراض زراعية، والأيسر محاجر دهشور.
«قال الله وقال الرسول»
«الناس دى مش وحشة دول بيقولوا لنا قال الله وقال الرسول وبيعلمونا القرآن»، بهذه الكلمات عبرت الكثيرات من ربات البيوت، اللاتى التقينا بهن، مجتمعات على ضفاف الترعة، عن رأيهن فى من نعتبرهم عناصر إرهابية خطرة، ولعل هذا ما يكشف عن مدى توغل هذه العناصر المتطرفة، داخل عقول وقلوب البسطاء، مرتدين عباءة الدين، ومستغلين غياب الدولة عن دورها الخدمى، والتنويرى تجاه المجتمع.
«أم إبراهيم»، ربة منزل لديها 4 أولاد، لم تستطع أن تعلم إلا الأول منهم فقط، أما الثلاثة الباقون فتركوا التعليم، من أجل العمل.
وقالت لـ «صوت الأمة»: «زوجى أرزقى يعمل اليوم بيومه، ولا نستطيع أن نعلم أبناءنا، أو نوفر لهم الحياة التى يرغبون فيها، لذا فهم يعملون فى مصانع الطوب، بيومية 50 جنيها، وحتى المتعلم منهم، لقى مصير أشقائه».
وترى «أم إبراهيم»، أن قريتهم لا تأوى إرهابيين، أو متطرفين، وإنما هم «ناس بتوع ربنا، بيقولوا قال «الله وقال الرسول، وبيعلموا الأولاد القرآن، يبقوا إرهابيين إزاي؟!»
ومن سؤال «أم إبراهيم»، المندهش، إلى «أم حسام»، التى أكدت أن هناك جماعات إرهابية، وأنها تستقطب الشباب عن طريق إغرائهم بالعمل والمال، وهما أهم ما يفتقده أبناء هذه القرى، الذين سيطرت البطالة على حياتهم.
وكشفت «أم حسام» لـ«صوت الأمة» عن أن عددا من الجماعات المتطرفة، يستقطب الأطفال الأيتام، استغلالا لعدم وجود من يرعاهم.
سألنا «أم حسام» عن سبب لجوئها إلى الترعة من أجل غسل الأوانى، فأجابت بأنها تتجه لهذا؛ الانقطاع الدائم للمياه، الذى يستمر أياما طويلة متتالية، ما يصعب عليهم حياتهم اليومية، وتابعت: «الأشد صعوبة من غياب مياه الشرب، هو عدم وجود صرف صحى».
نشاط لجماعات التبليغ
محمد عبدالنبى معلم لغة عربية، من قرية «أبورجوان» كشف عن مفاجأة صارخة، فى معرض تأكيده على خلو قريتهم من العناصر الإرهابية، قائلا: «عندنا مافيش غير الجماعة بتوع التبليغ، الذين يعلمون الناس الصلاة، ويدعونهم إلى قراءة القرآن، وفعل الخيرات، والابتعاد عن المنكرات».
وأوضح «عبدالنبي»، أن المنطقة التى يعيشون فيها، تخلو من الخدمات الرئيسة، بالإضافة إلى خلوها من أى بدائل ترفيهية يمكنها أن تجذب الشباب وقت فراغهم؛ الأمر الذى يسهل من استقطابهم، وإقناعهم بالفكر المتطرف.
رابعة فى عقول الأطفال
فى أثناء سيرنا بالمكان، لتصوير شكل الحياة اليومية للأهالى، اقترب منا عدد من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و16 سنة، محاولين استكشاف ما نفعل، وبمجرد أن لاحظ أحدهم، الكاميرا بحوزتنا، اقترب أحدهم منا، وفاجأنا برفع يده مشيرا بعلامة رابعة.
وطرح هذا التصرف من ذلك الصبى سؤالا مهما يتلخص فى: ماذا فعلت الدولة حتى تزيل من عقول هؤلاء الأطفال القناعة بالفكر المتطرف؟ وحتى يكونوا شبابا صالحا، ولا يكونوا مشروعات لإرهابيين محتملين؟
المثير فى الأمر أن الحالة اليومية لهؤلاء الأطفال؛ تجعلهم أقرب ما يكون إلى السقوط فى فخ «أفيون الشعوب»، الذى يبثه أصحاب الفكر المتطرف فى دماء كل من يشعر بصعوبة الحياة عبر الترويج إلى أن الانضمام لهم سيوفر المال الكافى لسد العوز اليومى، كما أنه سينتهى إلى الشهادة التى تضمن الجنة.
وتحت وطأة حالة الشقاء التى تضع بصماتها على قسمات وجوه هؤلاء الصغار، فيشيبون قبل أوانهم؛ يصبح من السهولة المطلقة استقطابهم، وتحويلهم إلى إرهابيين مستعدين للانتقام من المجتمع، ولو بتفجير أنفسهم فى وجه ثلاثى الإهمال، والتهميش، والفقر، الذى تركتهم الدولة له لينهش أعمارهم، ويغتال براءتهم، ويدمر أرواحهم.
قرية العرب
وبينما نهم بالمغادرة مررنا على قرية العرب، وهى معقل مهم جدا لعرب الجيزة، الذين ينتشرون من هذه القرية، وحتى سقارة، والأهرامات، ويعمل عدد غير قليل منهم فى تجارة السلاح، والمخدرات.
عندما حاولنا النزول إلى القرية، تلقينا نصائح بعدم الإقدام على ذلك؛ لأن جميع أهلها من الأقارب، ولا يستقبلون أى غرباء مهما كان شأنهم.
تمثال أبوطورية
على أطراف مدينة البدرشين، توجد قرية الشوبك، مقر «أبوطورية»، وهو فلاح يحمل فأسه عاليا، ويستقبل تمثاله الأبيض كل من يدخل هذه القرية، وهو موضوع أعلى نصب تذكارى مدونة عليه أسماء أشهر المناضلين ضد الإنجليز خلال ثورة 1919.
ويضم النصب التذكارى للفلاح «أبوطورية» أسماء سيدات، تعاونّ معه، ومع الفدائيين؛ من أجل إيقاع الخسائر بجنود الاحتلال، وكان الفلاح «أبوطورية» هو بطل هذه المعارك مستخدما فأسه فى تقليع قضبان السكة الحديد قبل مرور القطارات التى تحمل الجنود، وتحمل الطعام والمؤن إليهم، كما كان يهاجم الجنود الفرادى ويقتلهم بفأسه.
وعندما أرادت سلطات الاحتلال الظفر بـ«أبوطورية»؛ خاضوا معركة ضارية اشترك فيها الأهالى رجالا، وسيدات، وكبدوا القوات المعتدية خسائر فادحة، واعتبر يوم نصر أهالى الشوبك على جنود الاحتلال هو العيد القومى لمحافظة الجيزة، فى نهاية مارس من كل عام.
العياط.. مرآة الصعيد
يمكنك أن تعتبر مدينة العياط، مرآة حقيقية للصعيد، فهى وإن كانت تنتمى جغرافيا إلى محافظة الجيزة، فهى أقرب اجتماعيا إلى الصعيد، إذ تحكمها جميع العادات، والتقاليد الصعيدية، الإيجابية، والسلبية.
وفى العياط تجد الحياة البكر التى تعيشها معظم قرى، ونجوع الصعيد، وتجد أيضا العنف والثأر وتجارة السلاح.
وتتسم العياط بأن حالها الخدمى لا يختلف عن محيطها الجغرافى، وإن كان أكثر سواء، فمن منا ينسى حوادث القطارات التى جعلت العياط أشهر مكان لحوادث القطارات فى مصر، مرة كل عام على الأقل، وتحديدا فى عيد الفطر، طوال عهد مبارك.
أما على صعيد الإرهاب، والتطرف، فسنجد أن العياط تمثل بيئة حاضنة لكل أنواع التطرف، فهى تتصدر مدن النصف الجنوبى من الدولة المصرية، فى معدلات الجرائم التى ارتكبتها عناصر الإخوان ضد الدولة، بل إن أشرس مقاومة للدولة، من قبل الإخوان خرجت من العياط، ومعها البدرشين، وكرداسة أيضا، رغم بعد الأخيرة جغرافيا.
قصة العطف
وفى قلب النيل، وعلى مسافة متساوية بين العياط والصف، تقف جزيرة العطف، شاهدة على أعنف الجرائم التى ارتكبت ضد الشرطة، منذ عهد مبارك، وهى مأوى لكل الخارجين على القانون، من مختلف الملل، والنحل.
وخلال الأحداث التى تلت ثورتى يناير، ويونيو، تمكن الإخوان من كسب ود العناصر الإجرامية التى تعيش على هذه الجزيرة، وإبرام تحالف وثيق بين الطرفين، صارت «العطف» على أثره قلعة حصينة، تابعة للجماعة الإرهابية، وأتباعها، من السلفيين، والتكفيريين، والدواعش، وانتهاءً بالمجرمين الجنائيين.
المساندة.. بياعو المياه
تقع قرية المساندة على الطريق الزراعى، على بعد 5 كيلومترات من العياط، ورغم أنها تعانى ما تعيشه القرى المجاورة من أزمات غياب الصرف الصحى، وانتشار البطالة، والتسرب من التعليم، فإنها تختلف فى أن عددا من أهلها أسسوا جمعية خيرية، أقامت محطة لتحلية المياه وبيعها للمواطنين فى القرى المجاورة.
ويعمل أهالى القرية فى نشاط تحلية المياه، وبيعها، فيما يلجأ عدد آخر منهم لممارسة مهنة الصيد بنهر النيل، فضلا عن قيادة المراكب الشراعية التى يعتمدون عليها فى التنقل بين جزر النيل المنتشرة على مجرى النهر بالصعيد.
قرية الضبعى.. نموذج للفقر
إذا أردت أن تعرف معنى الحياة فى بيئة فقيرة، تحرض الأمراض على الانتشار، وتمثل دافعا قويا جدا، للشباب لكى يهربوا ولو إلى جحيم الإرهاب، فما عليك سوى أن ترتحل فى زيارة سريعة، لقرية «الضبعى»، فى جنوب الجيزة، التى يمكنه وصفها دون مبالغة، بأنها النموذج الحى للفقر المدقع.
ويعيش الأهالى فى قرية الضبعى، على مسافة شاسعة جدا مع أبسط مقومات الحياة، التى يمكن لها أن تربطهم بالعالم المحيط، والذى تخطى عامه الـ17 بعد الألفية الجديدة، فيما لم يتجاوزوا هم السنوات البدائية الأولى، وسط غياب تام للدولة، وأجهزتها التنفيذية، من أول الأحياء، ومرورا بالمحافظة، وحتى الوزارات الخدمية مثل: التعليم، والصحة، والتضامن الاجتماعى.
ولا يعرف أهالى القرية، من الحياة سوى منزل يضم مصطبة أسمنتية للجلوس، وكليم من الصوف يغطى الأرض.
ويئن أهالى القرية تحت وطأة الغلاء الشديد، فى ظل تراجع الدخل اليومى لهم، وانتشار البطالة بين الشباب.
فى الوقت ذاته يعيش الكثير من رجال، وسيدات القرية تحت وطأة المرض، الذى لا يرحم؛ فى ظل غياب أدنى قدرة مالية على دفع تكاليف العلاج، حتى صار الكثير من الآباء، والأمهات عاجزين تماما عن القيام بواجباتهم الأسرية.
عمدة جرزا: انتشار الجميعات الخيرية الإخوانية خطر يهدد المجتمع.
ويحذر عمدة قرية جرزا، بالعياط، محمود عبدالقوى، من انتشار الجمعيات الخيرية التابعة للإخوان، فى قرى جنوب الجيزة، مشددا على أنها تمثل بديلا للدولة فى العياط؛ الأمر الذى يجعلهم قادرين على التوغل اجتماعيا، واستقطاب الأسر الفقيرة، التى تمثل الغالبية العظمى من المقيمين فى هذه المنطقة.
وطالب عمدة جرزا بضرورة وضع قرى جنوب الجيزة على خرائط التنمية الحكومية؛ حتى يكون للدولة وجود يحمى المجتمع من توغل العناصر المتطرفة، داعيا وزارة الأوقاف إلى مد نفوذها إلى الزوايا المنتشرة بهذه القرى، والتى تعد المصنع الرئيس لتخريج دفعات متتالية من المقتنعين بالأفكار الهدامة، الضالة، إلى يبثها المتطرفون فى عقول الشباب والأطفال.
ودعا «عبدالقوى»، إلى الارتقاء بالخدمات التعليمية، وتخفيف الكثافة بالفصول الدراسية، التى بلغت 90 طالبا فى كل فصل، وهو ما يؤدى لفشل العملية التعليمية نهائيا.
وحول رأيه كممثل للدولة فى أسباب انتشار العمليات الإرهابية فى جنوب الجيزة، أوضح عمدة قرية جرزا، أن الموقع الجغرافى بهذه القرى يوفر الكثير من الفرص للعناصر الإرهابية للاختباء، والتدريب، والحصول على الأسلحة، وكذلك الهروب عندما يسلتزم الأمر ذلك.
وأشار إلى أن قريتى «أبونجم»، والبلدية، تعدان إلى جوار العطف، وباقى قرى مراكز الجنوب، مرتعا خصبا للإخوان، الأمر الذى يستدعى مواجهتهم فكريا، وأمنيا؛ حتى يمكن تفادى النشاط الحالى لجيل الصف الثانى من جماعة الإخوان.
وشدد «عبدالقوى»، على حاجة الجيزة إلى تكاتف جميع الأجهزة التنفيذية، لتطوير الحياة، بشكل يقنع الأهالى، وأيضا يساعد الأمن فى معركته ضد الإرهاب، مضيفا: «الأجهزة الأمنية تبذل قصارى جهدها للسيطرة على الأوضاع، لكن دون تضافر جهود الجميع، لن يستطيع الأمن حل المشكلات وحده.
التاريخ الإجرامى فى سجلات جنوب الجيزة
شهدت مدن وقرى جنوب الجيزة العديد من الجرائم الجنائية، مثلك السطو المسلح، والإرهابية مثل: الاعتداء على الأقسام، وتفخيخ الأكمنة الأمنية، بشكل جعل لها من التاريخ الإجرامى.
وتمثل الجرائم الجنائية التى تقع فى جنوب الجيزة، نحو 80 % من إجمالى ما تسجله المحافظة، وبخاصة فى البدرشين، والعياط، والصف، وأطفيح.
وبدأت الجرائم الإرهابية تنتشر فى جنوب الجيزة، عقب ثورة 30 يونيو، وشهدت البدرشين، والعياط، أعنف هذه العمليات ومنها: حرق أقسام الشرطة، والاستيلاء على الأسلحة الموجودة داخلها، وإشعال النيران فى سيارات الشرطة، والهجوم على محكمة العياط، وإتلاف العديد من القضايا لبعض الجنائيين والمحكوم عليهم.
وشهدت الحوامدية أيضا مظاهرات إخوانية حاشدة، ويومية، وكذلك أعمال عنف وقطع للطريق الدولى مصر - أسوان، واعتداءات على قسم شرطة الحوامدية، ومحاولات لحرقه 3 مرات منذ ثورة 30 يونيو، كما حاولت العناصر المتطرفة، اغتيال نائب مأمور قسم شرطة الحوامدية، خلال عودته من ترحيل عدد من المتهمين داخل سجن طنطا، وحاولوا الهجوم على نقطة تأمين منطقة سقارة، وغيرها من الحوادث الإرهابية.
ولم تكن الصف بعيدة عن هذه الأعمال الإرهابية، إذ تم ضبط مخزن متفجرات، وأعلاما لتنظيم القاعدة داخل منزل بمنطقة زراعية، كما تم ضبط كميات كبيرة من المواد المتفجرة المعدة لتصنيع القنابل، بالإضافة إلى محاولة اغتيال رئيس مباحث الصف السابق.
وكذلك انفجار سيارة إرهابيين بمنطقة الصف، كانا فى طريقهما لتنفيذ عمليات إرهابية لتفجير أبراج الضغط العالى بمحطة كهرباء الكريمات، وهى أكبر محطات الكهرباء المغذية لمحافظة الجيزة بالكامل. ف ويعد مركز أبوالنمرس أحد المراكز التى شهدت أعمال عنف، وتم حرق قسم الشرطة عقب أحداث العنف فى 30 يونيو، ووقعت محاولات عديدة من أنصار الإخوان لحرق نقطة شرطة البوادى، وغيرها من أعمال العنف، ووضع قنابل على قضبان السكة الحديد.
وفى غضون هذه الأحداث أوقعت الأجهزة الأمنية بعدد هائل من العناصر الإرهابية، والخلايا النائمة، والنشطة المتورطة فى عدد كبير من الجرائم، أو التى كانت تعد لتنفيذ عدد كبير من الجرائم.
دفتر الخصومة الثأرية
مصدر أمنى، رفض كشف هويته، أكد لـ «صوت الأمة»، أن ملف الخصومات الثأرية، لا يقل فى خطورته بقرى جنوب الجيزة، عن ملف الإرهابن مشيرا إلى أن عددا كبيرا من قضايا الثأر بقرى جنوب الجيزة، يصعب تسويتها؛ بسبب أنهار الدماء التى أريقت بين العائلات، رغم أن الأسباب الحقيقية لهذه الجرائم تافهة جدا، مثل: خصومة ممتدة منذ سنوات بسبب اعتداء حمار مملوك لعائلة على أرض زراعية لعائلة أخرى، وأكله من محصولها دون استئذان، وكذلك خصومة أخرى اندلعت بفعل خناقات الأطفال، وكسر طفل آخر رجل بطة مملوكة للجيران.
المصدر ذاته أوضح أن جهود لجان المصالحة التابعة لوزارة الداخلية، والتابعة للأهالى دائما ما تصطدم برغبات بعض كبار العائلات، من السيدات، والرجال، فى الانتقام، وبالتالى يحثون الشباب على التمسك بالعصبية القبلية، والعائلية؛ الأمر الذى يؤدى إلى فشل محاولات الصلح.
وطالب المصدر أجهزة الدولة، وفى مقدمتها الأزهر الشريف، بزيارة هذه الأماكن، وتنظيم حملات توعوية دينيا، واجتماعيا؛ تعرف الأهالى بمساوئ الثأر، وحرمة الدماء، وعقوبة من ينتهك الدم بدافع الانتقام.
إمام مسجد بالعياط: الزوايا تحت السيطرة والخطاب الدينى يتجدد
من جانبه أكد الشيخ أحمد عبدالمعطى، إمام مسجد بمدينة العياط، أن الأمور تطورت خلال العامين الأخيرين، وأصبحت المساجد، والزوايا بالمنطقة تحت السيطرة، مشيرا إلى أن إطلاق مبادرة تجديد الخطاب الدينى، كان لها أثر كبير فى تحسن الأمور.
وأشار إلى أن وزارة الأوقاف نجحت خلال الآونة الأخيرة، فى ضبط المنابر، ومنعت غير المتخصصين من الصعود عليها، الأمر الذى تحسنت معه الأوضاع بشكل عام، وأصبح من الصعب على العناصر المتطرفة، استقطاب المزيد من الأتباع.
وأضاف: «أسباب انتشار العناصر المتطرفة فى أى مكان، واحدة تقريبا ويتصدرها الفقر، والجهل، والابتعاد عن صحيح الدين»، مطالبا الجهات المعنية بالتعاون مع وزارتى الداخلية، والأوقاف اللتان تؤديان دوريهما فى هذا الملف على أكمل وجه.
وأتم بالقول: «لا بد من تطوير التعليم، والقضاء على الفقر، والأمية؛ حتى يمكن انتشال المجتمعات الريفية، من أزماتها، وبالتالى وقف تمدد الأفكار المتطرفة، ومنع عناصرها وقياداتها من الاستفادة بمزيد من الأتباع، والأنصار.
حكاية الشيخ أبوقطة
ويختلط فى قرى جنوب الجيزة الفقر، مع الجهل، وهو ما يبدو واضحا فى حكاية الشيخ «أبوقطة»، وهو كما روت لنا إحدى الزوجات التى تعيش موجة خلافات شديدة مع زوجها، رجل «سره باتع»، وحلال للمشاكل، ولا يلجأ إليه أحد إلا ويعود منتصرا.
وما سر اسم «أبوقطة»؟ كان هذا سؤال منطقيًا من «صوت الأمة»، لتجيب السيدة صاحبة الرواية: «الشيخ يعتمد فى حل مشكلات الناس، على تعليمات يتلقاها من قطة، يمتلكها تتحدث معه مثل البشر، ويتصل من خلالها بالعوالم الأخرى؛ لتحقيق المعجزات، فهو يزوج العوانس، ويفك الأسحار، ويبطل الأعمال، ببركة هذه القطة المتكلمة».
الصف.. وكر الإجرام
تعتبر مدينة الصف، أحد أخطر الأوكار الإجرامية فى جنوب الجيزة، حيث تنتشر بها المناطق الفقيرة، والعشوائية، التى تجعلها مرتعا خصبا لجميع أنواع العناصر التخريبية، والإجرامية، الذين يتحصنون بالجبال المحيطة بالمدينة.
وتتصل الصف التى تبعد عن حلوان 30 كيلومترا، 25 قرية ومركزا، ويحدها شمالا مدينة التبين، وجنوبا مركز أطفيح، من الشرق بصحراء البحر الأحمر، وهو ما يساهم فى انتشار تجارة السلاح، والمخدرات.
وشهدت الصف خلال الفترة الأخيرة انتشارا كبيرا لمصانع الأسلحة المحلية، التى لجأ إليها أصحاب ورش الخراطة، والحدادين، كتجارة مربحة، وهربا من البطالة التى ضربت كل الحرف هناك.. زيارة بسيطة إلى الصف تكشف عن الأعداد الكبيرة من الخارجين على القانون، الذين يتدفقون عليها يوميا، من محافظات الصعيد، وبخاصة منذ الحملة الأمنية التى شنتها وزارة الداخلية، ضد عناصر الجماعة الإرهابية، عقب أعمالهم المشينة تزامنا مع فض اعتصامى رابعة، والنهضة المسلحين.
ويتمركز تجار السلاح، والمخدرات فى الصف، وأطفيح بقرى: المنيا، والشرفا، والأخصاص وصف البلد، والديسمى والقبابات والكداية، والبرمبل، وعرب أبوساعد، وعرب أبوطماعة وعرب الحصار.
وتوفر طبيعة المناطق الجبلية والصحراوية بمركز الصف، فرصة سانحة للإرهابيين.
ويستخدم الخارجون عن القانون، والإرهابيون بقرية الشوبك الشرقى، المناطق الجبلية المحيطة بها للهروب من قوات الأمن، خاصة فى المنطقة بين الكريمات وحلوان.