أكشاك التقوى أم الفتوى
السبت، 22 يوليو 2017 08:28 م
مبادرة إنشاء أكشاك الفتوى بمحطات المترو أثارت لغطا كبيرا البعض إيدها باعتبارها حائط صد ضد الأفكار المتطرفة ومواجهة الفتاوى المغلوطة والبعض نظر إليها على مزايدة باسم الدين وترسيخا للعنصرية وللدولة الدينية.. وكلا يدافع عن وجهة نظره.. وهي فكرة استدعت لدي صكوك غفران العصور الوسطي.
الفكرة لقيت ترحيب من تيارات الحركة السلفية، الذين يعملون بايدولوجية مغايرة تماما لمنهجهم الذي تأسست عليه حركتهم الدينية، وأصبحت تتقارب مع أيدلوجية جماعة الإخوان المسلمين وتعدى الأمر الترحيب إلى المطالبة بتعميم الفكرة لتشمل الجامعات والمدارس بمختلف مراحلها والأندية حتى يكون هناك مكان ثابت لمفتي شرعي ويبدو أننا بصدد حركة جديدة لتغيير وجه وهوية مصر.. وأثير سؤال حول هل مصر دولة مدنية ام دينية؟
وهنا توقفت كثيرا أمام الوجه الآخر للحركات الإسلامية التي تبدأ دعوية ثم تأخذ مسارات أخرى بعيدة عن الهدف المعلن واستدعت الذاكرة مرة أخرى بدايات حركة الإخوان تحت لواء حسن البنا عام 1928 التي نشأت لمواجهة فكرة الدولة الحديثة التي بدأها محمد علي واقتربت بخطى كبيرة من مفهوم دولة المواطنة وأكدته الحركة المجتمعية والسياسية بثورة1919 التي رفعت شعار الدين لله والوطن للجميع ليتبلور هذا التحول في دستور عام 1923، الذي استلهم فيه الحكم مبادئه من فكرة العقد الاجتماعي الذي يجعل الأمة مصدر السلطات.
وكانت مصر تسير باتجاه بناء الدولة المدنية لكن المحاولات الأصولية المضادة لإجهاض الحداثة الثقافية والفكرية، أرجعتنا بعد قرنين من الصراع بين الحداثة والأصولية أن تعيدنا إلأى مربع الصفر لنتساءل هل مصردولة مدنية أم دينية؟ ونجد مخرجنا الوحيد لحالة الخلط هو دولة مدنية ذات مرجعية دينية!
فالمؤسسات الدينية في مصر تلعب أدواراً مركبة وتتدخل بدرجات متفاوتة في العمل السياسي العام عبر الفتاوى في أمور تتلامس فيها الأمور المدنية بالدينية، ودائما ما يقال الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة والشيطان يكمن في التفاصيل.. ونحن متفقين أن هناك علماء أجلاء معتدلين كثر، لكن ما زلت أتذكر أيضا فتاوى التكفير والردة وإباحة الدماء وما ترتب عليهم من ضلالات إرهابية بررت اغتيال المفكر فرج فودة ومحاولة اغتيال الأديب نجيب محفوظ، والحكم على نصر أبوزيد بالردة من إرهابيين استندوا لفتاوى أزهرية.
وأتذكر كذلك العديد من دعاوى الحسبة القديمة والجديدة التي تقف أمامها الدولة المدنية عاجزة، ولا يغضب البعض من أجلائنا في المؤسسات الدينية مرة أخرى لكن اليس هناك من هم على شاكة القرضاوي وعمر عبد الرحمن وعبد الغفارعزيز؛ فهل هناك مسار أمن لمثل لأكشاك التقوى أوالفتوى حتى لا تكون باب خلفي مقنن لتمدد الوجه الآخر للإخوان وتجار الدين للسيطرة أكثر وأكثر على مفاصل الحركة الاجتماعية وإحلال مبدأ الحلال والحرام مكان مبدأ سيادة القانون، وقنص للعقول سواء بحسن النوايا من خلال الإنكار والعجز عن مواجهة الحجة بالحجة، أو عن سوء قصد بالتلاعب بانتقاء وتصدير قراءات مغلوطة للنصوص الدينية من منظور عقائدي يخدم مصالح وأيدلوجيات تؤسس للعنف ولما لا فإن كانت القوة الصلبة لم تفلح ونجحت الدولة المصرية في مواجهتها فالقوى الناعمة هي السلاح الفعال لتغيير الشكل والهوية وأخشى أن نكون علي شفا حفرة من موجة مد ديني متطرف جديد تمهد على المدى البعيد لثورة إسلامية على خطى آيات إيران.
ما نحن بصدده سلاح ذو حدين فلننتبه ولنحفظ لمؤسساتنا الدينية وقارها وهيبتها بعيدا عن أكشاك التقوى.