يا قطن يا حرايرى
الإثنين، 17 يوليو 2017 01:38 م
قرأتُ فى رواية من روايات أمريكا اللاتينية هذه الجملة «لقد كان يحبها لدرجة أنه أهداها منديلًا ومنشفة من القطن المصرى». كل ما بقى فى ذاكرتى من الرواية ليس سوى تلك الجملة، وأن أحداثها تدور قبل مائة وخمسين سنة من عامنا هذا.
هل قرأ أى وزير زراعة مصرى تلك الجملة؟
هل يقرأ سادتنا الوزراء أصلًا؟
هل قرأ أى وزير زراعة مصرى تلك الجملة؟
هل يقرأ سادتنا الوزراء أصلًا؟
وهب أن عينيّ وزير قد وقعتا على تلك الجملة مصادفة، فهل يشعر بشىء ما، أم أن قلوب هؤلاء هواء أو خلاء تصفّر فيها الريح؟.
كانت الحرارة والرطوبة تجثمان على قلبى ومعهما أخبار عن عزم قطر وأمريكا على مكافحة الإرهاب، وأخبار عن تحرير الموصل من داعش مع هدم كل طوبة موصلية، وأخبار عن إعلان سريان هدنة بين الروس والأمريكان تضمن وقف إطلاق النار فى الجنوب السورى بعد قتل كل عصفور سورى تحامق وغنّى فوق شجرة سورية، أحرق صاروخ مجهول الهوية أغصانها.
فى قلب تلك المعمعة من الأخبار والأجواء اللطيفة غاية اللطف، جاءنى صوت سيادته، جسد سيادته طويل عريض واسع الأرجاء مترامى الأطراف، يملأ الشاشة ويفيض عنها.
سألته السيدة المذيعة: متى تنتهى معاناة الفلاح زارع القطن؟
أجاب سيادته بثقة كثقة اللمبى بذاته: الفلاح لا يعانى لأن الدولة تدعمه فى كل مراحل زراعته للقطن.
المذيعة لا وقت لديها للتثبت من صحة كلام سيادته، السيدة كتب لها فريق الإعداد أسئلة وهى تقوم بطرحها على ضيفها، وكفى الله المؤمنين القتال، بل ربما لم تقع عينا السيدة على شجرة قطن واحدة تقاوم منفردة حرارة شمس الصعيد فى حقل حزين.
سيادته يكذب أو يقول الهراء المطلق، فلا دعم هناك ولا يحزنون، بل هناك يحزنون فقط، جوال السماد المدعوم وصل ثمنه إلى مئة وخمسين جنيهًا، كانت الأسمدة قبل أن يفعل مبارك ما فعله بنا تعطى للزارع مجانًا أو بثمن لا يكاد يذكر من فرط رمزيته، ثم الفدان الواحد يحتاج إلى قرابة الثمانية أجولة، وربما عشرة أجولة، على حسب طبيعة التربة ومدى خصوبتها، ولأن الحكومة تتأخر دائمًا فى صرف الحصص المقررة يلجأ الفلاح إلى سد العجز بالشراء من السوق السوداء، حيث يصل ثمن الجوال إلى مائتين وخمسين جنيهًا.
فأين هو الدعم المزعوم فى تلك الجزئية فقط؟
ثم انظر إلى ماء الرى وإلى ثمن السولار وإلى أجرة الفلاح الذى يتعهد الحقل بالرعاية وإلى قائمة من المطالب لن يتسع المقال لسردها كاملة.
ثم سألت المذيعة: كم فدانًا نزرعه من القطن؟
قال سيادته: نسعى للوصول إلى زراعة ستمائة ألف فدان.
أحست المذيعة أن سيادته لم يجب عن سؤالها فأعادت طرحه بالعامية: «يعنى عندنا كام فدان دلوقت ؟».
وآه لو أعرف اللغة اللاوندية لكنت قد أضحكتكم بنقل إجابة سيادته، نعم هو أجاب باللغة اللاوندية أو بلغة البوولولم لصاحبها الفنان الراحل إسماعيل يس، لقد قال الرجل كلامًا كثيرًا يزن قرابة المائة طن ثم لم يقل شيئًا، من الواضح أن سيادته لديه بعض الخجل، فلف ودار لأنه لم يستطع قول الحقيقة.
الحقيقة أن القطن المصرى قد دالت دولته بفضل تجريف مبارك لكل شىء مصرى عريق، فقد هبط القطن من عرش الثلاثة ملايين فدان إلى ما لا يزيد على 225 ألف فدان، ولذا فلا أنا ولا أى عاقل سيصدق أن حكومتنا هذه التى نعرفها كما نعرف بطون أكفنا ستستطيع إعادة تأسيس دولة القطن.
ظل سيادته يرغى ويزبد بينما المذيعة التى لم تقع عيناها على شجرة قطن واحدة تتصفح أوراق أسئلتها، فما كان منى إلا أن تركت الجمل بما حمل وقمت من أمام الشاشة وأنا أترنم بأغنية طفولتى الصعيدية:
يا قطن يا حرير يا حزام أبو إسماعيل
واللى ميزرعكش طول السنة حزين.