تحرير الموصل من قبضة الدواعش يحظى باهتمام كبير للمثقفين

السبت، 15 يوليو 2017 03:11 م
تحرير الموصل من قبضة الدواعش يحظى باهتمام كبير للمثقفين
الموصل

يشكل تحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم داعش الظلامي الارهابي انتصارا للحضارة الانسانية على التتار الجدد فيما تتوالى الطروحات الثقافية حول مغزى هذا الحدث الذي يحظى باهتمام كبير من المثقفين سواء في مصر او العالم العربي او العالم ككل.
 
وكانت مصر قد وجهت التهنئة للشعب العراقي الشقيق وحكومته بتحرير الموصل من قبضة تنظيم داعش الارهابي وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي ان "النجاح في الحرب ضد الارهاب هو نجاح للأمة العربية والانسانية بأسرها".
 
وفي سياق الاحتفالات بتحرير الموصل ، كانت السفارة العراقية في القاهرة قد وزعت الحلوى على المارة بالقرب من مقر السفارة فيما اوضح السفير العراقي حبيب الصدر ان "هزيمة داعش في الموصل استغرقت تسعة اشهر" معتبرا انه "يعد انجازا لأنه توخى تحرير الانسان قبل الأرض" واكد ضرورة "الحاق الهزيمة بالفكر التكفيري".
 
واطلقت مكتبة الأسكندرية امس الأول "الخميس" برنامجا لمكافحة التطرف والارهاب فكريا فيما وصفه مدير المكتبة الدكتور مصطفى الفقي بأنه "اول برنامج عربي متكامل لمكافحة التطرف والارهاب فكريا" . 
 
وتعد الموصل ثاني مدن العراق حيث يقترب عدد سكانها من ثلاثة ملايين نسمة فيما كان تنظيم داعش الظلامي الارهابي يحلم باقامة قاعدة لدولته المزعومة من الموصل مرورا بتكريت في شمال شرق العراق وحتى الرقة في شرق سوريا.
 
وفي مجلة "نيويوركر" الأمريكية ذات المضمون الثقافي الرفيع المستوى تساءلت روبين رايت عن امكانية "استعادة روح الموصل بعد طرد عناصر داعش" وسردت قصصا مؤلمة لسكان المدينة في ظل جرائم وممارسات الدواعش التي كادت أن تفضي بهم للجنون.
 
واضافت ان المآساة ازدادت حدة "لأنها وقعت في مدينة يفخر أهلها دوما بالانتماء لها كما عرفت حتى بعدم اعتمادها على العاصمة بغداد التي تقع جنوبا بمسافة تبعد نحو 250 ميلا عن الموصل" فيما قد يتجسد معنى "العدوان الثقافي" في إشارة الكاتبة روبين رايت الى ان "الممارسات الداعشية التي استمرت نحو ثلاث سنوات اثرت اسوأ تأثير على النسيج الاجتماعي والمزاج العام لأبناء مدينة الموصل التي كانت تعد حاضرة ثقافية تحظى بجامعة عريقة فضلا عن كونها مركز تجاري هام".
 
ورغم النبرة المتشائمة في طرح الكاتبة روبين رايت بمجلة "نيويوركر" والتي ذهبت "لعدم امكانية استعادة روح الموصل القديمة والعيش المشترك" فان اصالة النسيج الحضاري لأبناء الموصل قد تبرهن في المقابل على خطأ ماذهبت اليه هذه الكاتبة الأمريكية . 
 
واذ تتضارب الأنباء حول مصير "ابو بكر البغدادي" زعيم عصابات داعش الارهابية وما إذا كان قد قتل ام مازال على قيد الحياة فلا ريب ان تحرير الموصل من قبضة تلك العصابات يشكل خطوة حاسمة على طريق هزيمة "الثقافة الظلامية ومخطط اسقاط الدول الوطنية في المنطقة وتأجيج التناحر الطائفي والمذهبي والدفع باتجاه الاقتتال بين مكونات المجتمع لتقطيع الجغرافيا العربية".
 
ومن هنا قال الكاتب الكبير مكرم محمد احمد ان تحرير الموصل "يشكل انتصارا ضخما على الارهاب ينبغي ان يكون موضع حفاوة العرب جميعا وليس العراق فقط" فيما اعاد للأذهان التضحيات الجسيمة التي بذلها الأشقاء في العراق من اجل تحرير الموصل. 
 
ويرى مثقفون عرب مثل الكاتب والأكاديمي الدكتور شفيق ناظم الغبرا أن "معركة الموصل ليست المعركة الأخيرة مع داعش" لافتا الى اهمية ملاحظة الظروف التي افضت لبروز هذا التنظيم الظلامي الارهابي "من قلب التهميش السياسي والاجتماعي والثقافي والانساني لفئات اجتماعية".
 
وأوضح الدكتور مصطفى الفقي ان برنامج مكتبة الأسكندرية لمكافحة التطرف والارهاب فكريا يتضمن 30 دورة ثقافية للشباب للاجابة على تساؤلاتهم ومنحهم "جرعات من المعرفة حول التاريخ الاسلامي والأدب العربي والعمارة والفنون الاسلامية والثقافة القبطية واللغة العربية والفلسفة والنقد".
 
وكان الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة قد وصف تحرير الموصل بأنه "انجاز عسكري وتاريخي كبير" معيدا للأذهان الدور التاريخي للعراق في الفكر والثقافة والحضارة فيما نوه بأن "عودة الموصل تفتح ابوابا كثيرة من الأمل امام الشعب العراقي".
 
وعقب هزيمته في الموصل ، يشن تنظيم داعش الارهابي حملة عبر عبر الفضاء الالكتروني لتحريض اتباعه من "الذئاب المنفردة لشن هجمات انتقامية في الدول التي يكمنون بها" وهي حملة وصفتها صحف غربية "بالتحرك اليائس" بعد تحطم حلم الدواعش في اقامة دولتهم التكفيرية على الأرض.
 
ومع التسليم بضرورة عدم الاسراف في نظرية المؤامرة فان هناك أسئلة وجيهة طرحت عبر منابر ثقافية مثل:"كيف ومن اين حصلت حركة داعش التكفيرية الارهابية على المعدات التي دخلت بها مدينة الموصل العراقية قبل نحو ثلاثة اعوام ومن بينها كما اكدت العديد من الروايات مئات ان لم يكن آلاف السيارات من طراز واحد وبلون واحد"؟!.
 
ولفت الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد الى انه على الرغم من هزيمة داعش في الموصل ، فان هذا التنظيم الارهابي "لايزال يمثل خطرا على امن العالم واستقراره" داعيا المجتمع الدولي للتكاتف في الحرب على داعش حتى النهاية وتجفيف كل منابعه المالية وعقاب الدول المارقة التي لاتزال تمده بكل صور العون المادي والمعنوي".
 
وفيما اشار شفيق الغبرا للتطور النوعي في افكار الجماعات المتطرفة عندما سعى تنظيم داعش لاقامة دولة على الأرض فان هذا التطور النوعي يستدعي ردا عربيا يشجع "اقامة مجتمع عربي اكثر عصرية وانفتاحا" ،ويلفت لأهمية الانتباه "لامكانية اعادة بروز داعش في اشكال جديدة".
 
وفي اتجاه مشابه يقول الكاتب الروسي المقيم في برلين ليونيد بيرشيديسكي والذي تنشر طروحاته في عدة صحف ووسائط ثقافية غربية انه من الأهمية بمكان تقييم المخاطر الكامنة لتنظيم داعش بعد الحاق الهزيمة العسكرية الكاملة بهذا التنظيم الارهابي والتي أمست تلوح في الأفق مشيرا الى التهديدات التي يشكلها المنخرطون في داعش بعد العودة لبلدانهم ومن بينها دول في الغرب.
 
وبعد "اختفاء الدويلة الموهومة لداعش" على حد تعبير بيرشيديسكي ينبغي معالجة مآسي السكان الذين خضعوا على مدى اشهر طويلة ومريرة لسيطرة هذا التنظيم وكذلك الاهتمام بمهام اعادة البناء في مدينة مثل الموصل التي دمرها الدواعش. 
 
واذا كان الأضرار بتراث بلد هو "اضرار بروح الشعب وهويته" كما اعلنت منظمة اليونسكو فى سياق تناولها للأوضاع فى المشرق العربي ، فان جرائم الدواعش ضد التراث في الموصل كانت تجسد بحق كل تلاوين الأذى والاضرار بروح الشعب العراقي وهويته فيما قام هذا التنظيم الارهابي بتدمير الآثار في الموصل كما اعلن امس "الجمعة" السفير العراقي في القاهرة حبيب الصدر.
 
ومنذ ان احكم قبضته على هذه المدينة العراقية الكبيرة في عام 2014 حرص تنظيم داعش عبر آلته الدعائية على بث صور ولقطات بالفيديو لمقاتليه وهم يدمرون قطعا اثرية في متحف الموصل تعود الى القرن الثامن قبل الميلاد.
 
ويقول نيكولاس بيلهام في دورية "نيويورك ريفيو للكتب" ان الحجم الكامل للدمار الذي حل بمواقع اثرية هائلة نائية لم تكتمل صورته بعد معيدا للأذهان ان هناك نحو 12 الف موقع اثري في العراق والكثير منها لايحظى بحماية امنية كافية .
 
وكان استاذ الآثار في جامعة الموصل امير الجميلي قد ذكر منذ نحو عامين أنه احصى تدمير نحو 160 موقعا اثريا على يد تنظيم داعش بعد ان دخلت عناصر هذا التنظيم الارهابي ثاني اكبر مدن العراق فيما يلاحظ نيكولاس بيلهام ان التراث الاسلامي ذاته لم يسلم من تخريب عناصر داعش الذين قاموا بتدمير اكثر من 12 مسجدا تاريخيا في الموصل.
 
ورغم الجنون الظاهر لعناصر داعش أثناء الانهماك في تدمير الآثار ، فان خبراء في هذا المجال اكدوا أن هذه العناصر كانت منهمكة ايضا في عمليات سطو وسلب ونهب لبعض النفائس الأثرية ومن بينها عشر قطع من متحف الموصل وهي قطع لم تظهر في اشرطة الفيديو التي كان يبثها التنظيم الارهابي لعمليات تدمير الآثار اثناء سيطرته الآثمة على هذه الحاضرة العراقية.
 
وكان متحف "فيكتوريا والبرت" في العاصمة البريطانية لندن قد شهد تجمعا عالميا حاشدا لنحو 150 خبيرا في المتاحف والآثار لبحث الاعتداءات الشنيعة التي تتعرض لها المتاحف والمواقع الأثرية في العراق وسوريا بما تشكله من "انتهاك صارخ لحرمة التراث الانساني ومحاولة لمحو ذاكرة البشرية".
 
وأوضح مارتين روث مدير متحف "فيكتوريا والبرت" أن الغاية من هذا المؤتمر الحاشد "الا يقف العالم مكتوف اليدين حيال مايحدث على أرض الواقع من تدمير وعدوان على تاريخ البشرية" موضحا ان المعتدين لايدمرون الماضي فحسب "وانما يعملون لتفريغ مستقبل الانسانية من كل المعاني والقيم والانجازات".
 
ووصف الدكتور جون كيرتس المدير السابق لقسم الشرق الأوسط بالمتحف البريطاني التدمير الذي يمارسه الارهاب الداعشي ضد التراث الانساني بأنه "غير مسبوق في شراسته وطابعه الشامل" داعيا لوضع مزيد من التشريعات الفاعلة للحيلولة دون تهريب الآثار والاتجار غير المشروع بها.
 
ونقلت دورية "نيويورك ريفيو" عن الأستاذ الجامعي العراقي أمير الجميلي قوله ان احد اهداف تنظيم داعش في تصوير عمليات تدمير الآثار زيادة الطلب على الآثار المهربة من العراق ورفع سعرها بشدة في السوق السوداء لهذه التجارة غير المشروعة.
 
وحسب هذه الدورية الثقافية الأمريكية ، فقد اكد احد مستشاري الحكومة العراقية ان تنظيم داعش حقق مكاسب تقدر بمئات الملايين من الدولارات جراء انخراطه في عمليات تهريب الآثار الأشورية والاتجار.
 
وقال الدكتور ايكارت فرام استاذ الآشوريات والمتخصص في تاريخ بلاد الرافدين بجامعة ييل الأمريكية ان هناك حاجة لتوثيق المسروقات من الآثار العراقية وطالب الحكومة التركية على وجه الخصوص بالتعاون لمنع تهريب الآثار العراقية المنهوبة عبر اراضي تركيا.
 
ورغم كل جراح شعبنا الشقيق في العراق ، فان الانتصار الكبير في الموصل يسجل صفحة مضيئة على طريق الحاق الهزيمة النهائية بالارهاب ومن يقفون خلفه..ليست الموصل جرحا أبديا وانما اليوم اصبحت هذه المدينة العراقية علامة تشير للمستقبل..فليتحول الجرح الى ترياق ولتحلق المدينة الأسطورية في سماء الحرية. 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق