مشهد واحد لا يكفى لرؤية جنازة الشهيد
الإثنين، 10 يوليو 2017 08:28 م
حين تدمع عين الوطن وينفطر قلب الأمهات على عرسان الجنة، لا تكفي كلمات الدعاء على المتاجرين بالدم والمعروفين للقاصي والداني بالإرهابين.
بين مشهد جنازة الشهيد ولحظة توديع الجثمان، تبقى الوشوش جامدة والأرواح هائمة، على وجهها تبحث عن كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء، تلهم أهل الفقيد الصبر والسلوان.
بالقرب من تجمع المعزيين، يقف النساء المتشحات بالسواد بينهم زوجة وأم الشهيد، تذرف الدموع فى صمت دون عويل يصدر صوت، فأنين القلب يأبى الاعتراف بالفراق، قد تطلق زغرودت الفرحة بالجنة لابنها أو زوجها، لكن تبقى انكسارة الموت وفراق الغالى تعتصر قلبها ، ليبكى فى صمت بعيدا عن الجميع ، قد تراه فى وجه صغيرها الذى يشبه ، وقد تراه فى ركن منزلها الذى كان يتكأ فيه عند عودته من الجيش، قد تشتم رائحته فى أخر غيار ارتداه قبل موته بساعات وأتو به اليها.
المشهد قد يبدوا واحداَ مع اختلاف المكان والزمان والعمر، لكن بين المشهد والآخر، تجد وشوشا جفت من اللون الأحمر، فتقف تلتقط السيلفي مع جنازة الشهيد ، وأخرى تقف تتربص للكاميرات، لعلها تظهرعلى الشاشة الفضية خلال نقل الحدث، وهنا تجد نفسك متسائلا ، هل هذا الرجل المشغول بالظهور على شاشة التلفاز حزين حقا على هذا الشهيد الذى قتل غدرااا وعدوانا بدون ذنب سوى تأدية الواجب.
هل كان هذا المواطن نائما تحت هواء المروحة يغط فى نوم عميق حين كان الشهيد واقفاوسط الصحراء يتصبب عرقا فى عز الشمس ، وهو ينظر لصورة زوجته وابنه الذى لم يتعدى عامه العاشر وهو على يقين انه ربما بعد لحظة لن يراهم للأبد ؟
وهنا تجد نفسك أيضا تعرف الإجابة، حقا هذا الرجل البسيط كان يغط فى نوم عميق واستيقظ على خبر استشهاد العقيد، وحين كان فى طريقه لعمله أو شراء بعض المستلزمات، وجد تجمهر الصلاة على الشهيد، فوقف متسائلاً ليعرف أنه ستخرج الجنازة من هنا بعد قليل، فى حضرة رجال الشرطة والقوات المسلحة .
وعلى بعد خطوات من نفس المشهد، تجد السيارة الفارهة السوداء التى لا تتغير، لينزل منها وسط حراسة مشددة محافظ أو وزير ، أو حتى رئيس حى أو مدينة ، وما يؤلمك حقا أن ترى هذا المحافظ أو ذاك الوزير يقف امام الكاميرات يدلى بالتصريحات حول شهداء الوطن ودورهم البالغ فى حماية المواطنين، ويقف على اليمين متبادلا السلامات مع بعض رجال الأعمال ولا يجد غضاضة فى تهنئة السيد رجل الاعمال الواقف بجواره على قطعة ارض جديدة حصل عليها ، أو مشروع سكنى انتهى منه ، فى المقابل تجد أحد أصدقاء الشهيد ممسكا بيد ابن ليتقدم به للسلام على المحافظ طالبا منه على استحياء منحه شقة من شقق المحافظة ، وهنا يبتسم المحافظ قليلا قائلا طبعا فى أى وقت تشرفنى فى مكتبى وأخلصلها الطلب ، وهو نفسه الذى ترتعش يداه فى التوقيع إن ذهبت اليه زوجة المتوفى تطلب شقة لابن الشهيد ، متعللا بالقوانين وأن الشقق السكنية الجديدة لا يوجد بها بند يسمح لوزير الاسكان نفسه أن يتبرع بشقة لابن الشهيد وزوجته لأن هذه املاك دولة واموال عامة ، فى هذه اللحظة فقط ستعرف أن دم شهيد مثل أحمد الدرديرى ضاع هباء ، والموافقة كانت من أجل اللقطة فقط .
مابين التقاط السلفى مع صور الجنازات للشهداء ، والتمسح فى كاميرات التلفاز والتصريحات الجوفاء على ارواح الشهداء يستفزك موقف الفنان محمد رمضان الذى ذهب لحضور جنازة العقيد احمد المنسى بمدينة العاشر من رمضان مرتديا زيا مدنيا متصدرا مسيرة جنازة الشهيد ، فتتسائل لماذا لم يرتدى زية العسكرى كزملاؤه ، فى الكتيبة ، هل كان قادما ليقدم واجب العزاء لقيادته فى الجيش أم كان قادما بشكل عادى وفى الحالتين ستجد ارتدائه للزى المدنى حوله علامات استفهام، لكن يبقى المشهد كما حدث دون رطوش ، سرق الكاميرا من مشهد تشييع الجثمان وأخذ هو الآخر اللقطة ورحل.
وفى جنازة الشهيد أحمد المنسى بالعاشر من رمضان وقف التنفيذين بجهاز العاشر ومجلس الأمناء والشرطة وكافة القيادات التنفيذية يتلقون العزاء فى الشهيد ، والتقطت لهم الكاميرات الخاصة الصور الجماعية خلال الجنازة ليتكرر المشهد مرة أخرى عبر صفحات الفيس بوك ، وهنا تدهشك التعليقات مابين القرابة التى تمت بصله مابين الشهيد وما بين احد القيادات ويافندم ومعاليك ووجودك شرف الجنازة ونحن فداءك ياوطن ..
الكلمات لا غبار عليها ان كانت تعبر عن الرغبة الحقيقية فى الفداء والحرب ضد اعداء الوطن بعيدا عن التملق وانتهاز الفرص لتصدر المشهد والقيام بدور "المطيباتى ".
فإلى كل مطيباتى ان كان الشهيد ضحى بحياته من أجلك ومن أجل حمايتك ، عليك أنت الآخر أن ترد الجميل له فى بيته وابناؤه، عليك أن تحميهم من الفساد والمفسدين ، عليك أن تتيح لهم حياة كريمة فى مناخ يسوده الحب والاعتزاز بالكرامة ، فالجهاد ليس فقط على الجبهة ، وانما حان وقت الجهاد فى النزاهة والشرف والعمل بضمير.
عليك أن تروى لأبناؤك قصص عرسان الجنة الذين تركوا ورائهم حكايات يشيب لها شعر الوليد ويأن لها القلب الجاحد، عليك أن تعلم أبناؤك ، أن الموت فداءا للوطن له مذاق لا يستطعمه سوى الشرفاء ، ومعنى الشرف هنا يحتاج الكثير من المواقف الواضحة ضد الفساد والمفسدين ، والحرب لبست فقط رصاصة وقتيل، الحرب كلمة وعزة ونخوه وكل يوم يسقط عزيز توارى عن الانظار فى الصحراء يرى الموت بين دقيقة وأخرى ، وأنت تنعم سعيدا وهو وزملاؤه من يدفعون فاتورة الجحود والأرهاب.
احكى لأولادك ماذا تعنى وقفة ابن الشهيد مرتديا الزى العسكرى ممسكا بيد زملاء والده فى الكتيبه وكيف ارسل بعفوية شديدة رسالة للجميع مفادها أن أطفال الشهداء هم مستقبل هذا الوطن ومكملين المسيرة، علك يوما تحظى بلقب والد الشهيد .
وسط المشهد القاسي ستبتسم قليلا ابتسام سخرية من رجل بعد أن نعى الشهيد على صفحته ، نشر دعوة لفرح ابنه مساء نفس يوم الجنازة ، ألم يعلمه أهله أن الحزن الحقيقى ولو من باب مؤاذرة أهل الميت يلزمه حداد 3 ايام وعلى الأقل وقف كافة مراسم الفرح واغلاق التليفزيون مراعاة للحزين على فقدان ابنه ، فلو كنت حزينا لابديت بعض الاحترام للآخر.
يامن تهتفون حزنا على ارواح الشهداء ... انتم أيضا قتلتوهم بالجبن والنفاق والتواكل ومنطق انا ومن بعدى الطوفان ... أن كنتم وقفتم وقفة رجل واحد ضد الارهاب الذى يعس بين الشوارع وينخر كالسوس فى عظام الوطن ، أن كنتم لم تتواكلوا على غيركم وشاركتم فى تنظيف البلد من هؤلاء الأرهابيين ، وإن ...وإن.. ربما كان عاد احمد وجابر وعزيز وصابر وراشد وادهم ومحمد و........ عدد لا ينتهى من الشهداء ، فالموت لا يحصد سوى هؤلاء ويترك المتخاذلين.
واخيرا الارهاب كسم الأفعى يتسلل بنعومه من بين أقنعتكم الزائفة والمصالح... ستقفون مخذولين والعار يحاصركم جميعا ، وأنتم تسألون عنهم ... قتلناهم جميعا بصمتنا وخنوعنا ... فهنيئا للجنة بشهدائها .. وصبرا وسلوانا لاهلهم ، فمن يفقد أسد مغوار وقلب قاهر للموت وخالدا فى جنه خالقه يستحق كل التقدير والاحترام ورد الجميل لأسرته حتى لا يصبح دم الشهيد رخيص ... ويظل الحدث الحقيقي الوحيد بين عشرات المشاهد الزائفة المصطنعة، هو جنازة الشهيد، ويبقى مشهد واحد لا يكفى لرؤية جنازة الشهيد ، فربما تألم المسمار وربما أنتفض الخشب حزنا على فقيد الوطن.