أذاعت إحدى محطات الراديو المغربية فتوى، تسببت فى جدل عالمى واسع، وذلك بعد أن ترجمها، وأعاد نشرها، عدد من المواقع الأجنبية، وعلى رأسها موقع «كلاريون بروجيكت»، المتخصص فى مكافحة الإرهاب، وكانت هذه الفتوى لداعية مغربى، أجاز فيها شرعًا، ضرب الزوجة لزوجها، حال إقدامه على شرب الخمر، والذهاب إلى بيته بشكل متكرر، وهو فى حالة سكر، وبسبب تلك الفتوى، أغلقت السلطات المغربية، البرنامج الإذاعى لمدة شهر، بحجة أنه سيتسبب فى إشعال الصراعات بين الأسر المغربية من الداخل، بعد أن أعطى أحد الشيوخ القائمين على البرنامج، صكًا شرعيًا، يعطى الحق للزوجة فى ضرب زوجها بحجة تقييمه.
«صوت الأمة»، طرحت هذا السؤال، على عدد من كبار المشايخ المصريين، من مختلف المذاهب والاتجاهات الفكرية، فأكد الشيخ مختار محسن، أمين فتوى بدار الإفتاء، على جواز أن تضرب الزوجة زوجها، ولكن وفقًا لحدود شرعية معينة، أى أنه يتضامن مع رأى الشيخ المغربى، فى مفاجأة من العيار الثقيل.
أضاف محسن لـ «صوت الأمة»، أنه لا يجوز الضرب إلا بمسوغ شرعى، ومن أبرز هذه المسوغات الشرعية، الدفاع عن نفسها، ولكن لا يجوز للزوجة أن تؤدب زوجها، كما لا يجوز للزوج أن يضرب زوجته ضربًا مبرحًا، لافتًا أنه من باب الأولى عدم الاعتداء بالضرب من الأساس، فيما قال الداعية محمد عبد السلام دحروج: «قطعًا وقولًا واحدًا، لا يبيح الإسلام للمرأة معاقبة زوجها السكير أو المخمور بضربه، وذلك لأن حقوق القوامة، هى للرجل على المرأة، بما فيها عدم إباحة ضرب الزوجة، والتعدى عليها فى حال وقوع أخطاء منها، بل اكتفى الشارع الحكيم بإباحة الضرب غير المبرح لها بنحو عود الأراك، وعليه فالافتاء بإباحة الضرب للزوج فتوى على غير دليل وسند شرعى، وتسلب حقوقًا وتخلع أخرى، بل وتفتح بابًا يزيد من تفاقم المشاكل الأسرية، وتطورها إلى حالات القتل والتفكك الأسرى، وقال: «نناشد من يفتون الناس فى أمور دينهم ودنياهم، وهم غير مؤهلين للفتوى، أن يتقوا الله وألا يتجرأوا على أحكامه».
من جانبه، قال الشيخ عماد رفعت، الداعية السلفى البارز: «شرع الإسلام للزوج أن يضرب زوجته، بضوابط شرعية وبالترتيب المذكور فى قوله تعالى (وَاللاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)، النساء:34. وهذا الترتيب واجب عند جمهور العلماء، أما أن تضرب الزوجة زوجها، فهذا من أقبح الأعمال، وهو عين نشوز المرأة.
أضاف قائلًا: «هناك من العلماء من قال بجواز رد الزوجة العدوان من باب الدفاع عن نفسها، فإذا ظلمها الرجل وأغلظ فى ضربها، فلها أن تدفعه عنها، وتمنع الشر عن نفسها، «وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ»، وكذلك قوله تعالى «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ»، البقرة: 194، أما أن تضرب المرأة زوجها لشربه الخمر، فهذا لا دليل عليه من نقل أبدًا، والإسلام لم يبح للمرأة، أن تضرب زوجها، ولو فعلت لسقطت القوامة عن الرجل، فأى قوامة لرجل تضربه زوجته.
الداعية السلفى الليبى البارز، الشيخ خميس المالكى، قال: لا شك أن شرب الخمر من المعاصى، التى حذرنا الله عز وجل ونهانا رسوله، صلى الله عليه وسلم، من تعاطيها وشربها بأنواعها الكثيرة المذهبة للعقل والمروءة، والمؤدية إلى ارتكاب الفواحش والمنكرات والجرائم، فالخمر من أعظم الكبائر، وقال، صلى الله عليه وسلم، أيضا: «إن على الله عهدًا، لمن مات وهو يشرب الخمر، أن يسقيه من طينة الخبال، قيل: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار، أو قال: عرق أهل النار».
وأضاف المالكى، قائلا: إذا كان زوج المرأة يشرب الخمر، فعليها أن تنصحه وتستمر فى نصحه وتذكيره وتخويفه بالله تعالى، وإن لم يستمع لنصحها تُرسل من له قدر عنده كأبيه أوعمه أو خاله أو أحد من قرابته لينصحه.
من جانبه قال الداعية الصوفى، سيد سليم، إنه لا يجوز للمرأة أن تضرب زوجها من وجهة نظر الصوفية، ولها أن تنصحه برفق ولين، شفقة عليه وعلى أسرتها، ولا شك أن شرب الخمر محرم، وتعدى المرأة على زوجها، خطر يهدد الأسر، ولم نر فى تاريخنا امرأة تضرب زوجها، وربما كان هذا من تجديد الطائفة السليمانية، والله أعلم.