لماذا الإصرار على هؤلاء؟
الأربعاء، 12 يوليو 2017 09:00 ص
جاءتنى هذه الصرخة من الأستاذ حسين المشد يقول فيها:
«هناك ظاهرة منتشرة منذ زمن طويل فى الأوساط السياسية والثقافية والاجتماعية والفنية، وهذه الظاهرة كانت تخبو أحيانا وتظهر فى أحيان أخرى، وذلك تبعا لمستوى ومساحة الحرية المتاحة والوعى والإدراك لدى أفراد المجتمع، وما أقصده هنا هو ظاهرة التمسك والإصرار على أفراد بعينهم فى أن يتواجدوا فى مواقع الصدارة والمسئولية لتسيير حياتنا السياسية والثقافية والاجتماعية والفنية
لا أبالغ إذا قلت وفى وعينا الدينى والأخلاقى كذلك، وقد طَفَت هذه الظاهرة على السطح هذه الأيام فيما يسمى بالمصالحة والمراجعات !
فليراجع كل إنسان نفسه فى أفعاله وأفكاره، وهذه مندوحة يجب أن يتحلى بها كل إنسان، حتى لا ينحرف به المسار إلى المدى الذى لا يجد معه سبيلا للرجوع إلى الحق الذى يلتف حوله غالبية المجتمع، ولا بأس أن يتصالح المجتمع مع من اختار أن يطير مع السرب ويحلق معه، وهذا أمر فى مصلحة الفرد والمجتمع، ولكن يجب أن نقف عند هذا الحد.
حتى لا أطيل فى سرد مقدمات مُجَردة أطرح عليكم بعض دلالات هذه الظاهرة ؛ نجد بعض من يعملون فى مجال الفن مثلا اختار لنفسه لأسباب شخصية بحتة وبعد قناعات أظن أنها صادقة، أن يتجه إلى الالتزام بمنهج دينى وأخلاقى يبتغى به وجه المولى سبحانه وتعالى ويضع لنفسه محددات ومعايير أخلاقية فى ممارسته لعمله، وهذا شىء عظيم ونقف وراءه وبجانبه، وندعو له على المستوى الشخصى، وحتى يفيد المجتمع بما يقدمه من فن رفيع له رسالة راقية، ومن الممكن أن يُقَدّمْ لطرح تجربته حتى يستفيد منها الآخرون، ولكن أن يتحول ويُقَدّمْ هذا الشخص على أنه معلم ومربى وداعية يملك ناصية العلم ليجلس بين يديه من يريد أن يتعلم فهذا مجال له رجاله «وأعنى هنا رجاله ونساؤه» الذين أفنوا أعمارهم فى تحصيل العلم والمعرفة، حتى يكونوا فى مصاف المعلمين والمربيين والدعاة.
كذلك يطل علينا بعض من قرأ كتابا أو مقالا وظن فى نفسه أنه صار من أصحاب الفكر وله رؤيا ونظر فيتطاول على كل ما يحتويه التراث سواء الاجتماعى أو الأخلاقى وحتى الدينى «ويكون هذا مدخله إلى عالم النجومية»، ويخاطب العامة بأشياء قد تدغد عواطفهم وأفكارهم دون ما سابق علم أو معرفة حقيقية بهذه الأمور، ونجد مثل هؤلاء يطلون علينا كل حين، يتصدرون المجالس وصفحات الجرائد والمجلات وشاشات التلفاز.
قد يكون لنا الخيار فى هذين المثالين أن نتجنب هؤلاء سواء بعدم القراءة لما يكتبون أو مشاهدة وسماع ما يقولون، ولكن ما يزال الخطر قائما من مثل هؤلاء بالإنتشار الإعلامى وتقديم هؤلاء على أنهم نجوم وقادة التنوير.
أما فيما يتعلق برجال الفكر والرأى على جميع المستويات سواء الثقافية والفنية والاجتماعية والعلمية بجميع نواحيها، وحينما أقول رجال الفكر والرأى، أقصد من لهم تاريخ طويل أثروا من خلاله المجتمع بآراء وأفكار ومشاريع إنسانية وأخلاقية وإجتماعية وعلمية يتفق معها البعض ويختلف معها آخرون فهذا ما يقرره جموع الناس ويلتفون حوله – هنا نتكلم عن قانون الانتخاب الطبيعى – فهؤلاء هم النخبة الحقيقية ويجب أن نلتفت إلى مراجعاتهم الفكرية وآرائهم التى قد تتغير وتتبدل تبعا لمتغيرات العصر ومعطياته، التى لم تكن متاحة فى أوقات سابقة مع التزامهم بالثوابت والمعايير الأخلاقية والفكرية التى منبعها التراث والعادات والتقاليد والقيم الدينية الثابتة، هؤلاء هم قادة الفكر والتنوير، هؤلاء هم من سينهضون بالأمة، هؤلاء هم من يجب أن يتعدى الأمر معهم من مجرد المصالحة إلى الاحتفاء بهم وتقديمهم رموزا يستمع إليها وتتعلم منهم الأجيال التالية التى ستحمل مشاعل الفكر والرأى والتنوير لمستقبل الأمة.
أما الفصيل الذى أتوقف عنده كثيرا هم رجال يعملون بالسياسة، ومن يعمل بالسياسة يكون أحد شخصين إما شخص صاحب رؤيا ومشروع محدد واضح يبتغى به النهوض بالمجتمع والأمة، وهؤلاء هم قيادات العمل السياسى، أو أنه شخص مؤمن بفكر ومشروع هؤلاء القادة فيقف وراءهم ويدعمهم ويسعى إلى تحقيق مشروعهم والوصول به إلى مبتغاه ومنتهاه، وهذان الصنفان لا غبار عليهما قد نتفق معهما أو نختلف.
قد نرى سبيلا آخر، خلاف ما يعرضونه لنهضة وتنمية المجتمع، وقد تتباين الآراء حول مفاهيمهم وآليات العمل السياسى التى ينتهجونها سواء فى الديمقراطية والحرية والرؤى الاقتصادية والاجتماعية على جميع مستوياتها، ولكن فى المحصلة فالجميع يعمل دون الإساءة للآخر، والجميع يعرض بضاعته بالنقاش المتحضر ولا يتصلب ويجمد عند أفكاره ومعتقداته السياسية ما دامت مصلحة الوطن واضحة جلية، وهؤلاء الرجال جميعا سوف نراهم متواجدين دائما فى كل وقت ومع كل نظام، منهم من هو فى سدة الحكم يمثلون نظام الدولة القائم، ومنهم من هم فى صفوف المعارضة، يحاولون تقويم المعوج وتصحيح المسار إذا انحرف وفى نفس الوقت يحاولون دائما أن يصلوا إلى سدة الحكم لتنفيذ مشروعهم الذى يرون أن نهضة الوطن تكون من خلاله.
ومرة آخرى كل هذا مادام فى إطار من العمل الجاد المثمر بعيدا عن الإساءة والتجريح والفساد والهدم والتخريب فهو مقبول، بل وأقول مطلوب ولا يجب أن نضع هؤلاء الرجال الذين يعملون وفق هذا المنهج وبهذا الأسلوب فى موضع المساءلة والاتهام، وأرى أنه من عدم الفهم والانصاف أن يطالبوا بمراجعات أو نناقش أمر المصالحة معهم أو إقصائهم من العمل السياسى فهم أشخاص طبيعيون لهم كل الحق المكتسب وليس الممنوح بالمشاركة والعمل للوصول بالوطن إلى النهضة المنشودة وتحقيق الأمال والأحلام التى يستحقها كل مواطن.
ولكن هناك مجموعة أخرى من الرجال الذين اتخذوا من السياسة سلما يصعدون به فوق الجميع ففسدوا وأفسدوا، هناك من تاجر بمقدرات الوطن واتخذ العمل السياسى وسيلة لتحقيق مصالح ذاتية دون الالتفات إلى مصلحة الوطن والمواطنين، ومنهجهم ووسيلتهم وأدواتهم فى ذلك هو الجشع سواء المادى لتحقيق الثروات أو المعنوى للوصول للجاه والسلطة دون أدنى التفات لمصلحة الوطن والمواطنين بل قد يصل الأمر - وهذا ما يحدث دائما – إلى العمل ضد مصلحة الوطن والمواطنين.
ونجد من يطلع علينا بفكرة أن ذلك الفساد والإفساد كان بيد القادة أما الموالون والمدعمون لهم فكانوا مرغمين على ذلك لتيسير أعمالهم ومصالحهم، وهذا كلام هراء ومردود عليه، فلولا دعم هؤلاء وموالاتهم لأصحاب السلطة والنفوذ قادة هذا التيار ما نجحوا ولا استطاعوا أن يقوموا بهذا الفساد والإفساد الذى طال كل نواحى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
فصاحب الفكرة والمشروع إن لم يكن له أتباع ومريدون وأصحاب مصالح ما أستطاع أن ينفذ فكرته أو مشروعه، ونسمع هذه الأيام فكرة أكثر هراء وإبتذالا وهى علينا أن نتصالح ونقبل كل من لم تتلوث يداه بالدماء، سواء بالفعل المباشر أو بالمشاركة والدعم، ألم يكن إفقار المواطنين إلى حد الجوع والبحث عن الطعام فى سلال القمامة جريمة وتلوث الأيادى بالدم، ألم يكن ترك المرضى دون علاج بل والتسبب فى إمراض المواطنين إلى حد الموت بسبب الإهمال أليس هذا جريمة، ألم يكن انحدار وتردى التعليم إلى ما وصلنا إليه الآن جريمة وتلوث الأيادى بالدم، ألم يكن التردى والانحلال الثقافى الذى نراه الآن جريمة وتلوث الأيادى بالدم، وغير ذلك من الدماء الزكية التى أريقت من الشعب المصرى خلال العقود الثلاثة الماضية، لقد قام هؤلاء ومساعدوهم ومريدوهم بتجريف البلاد سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا إلى الحد الذى قد يستغرق عقودا طويلة حتى يمكن ترميمه وإصلاحه مرة أخرى.
فليراجع مَن يريد أن يراجع نفسه، ويكفر عما اقترف فى حق الشعب من آثام وخطايا، وليحاكم منهم مَن قام بجرائم أو جنايات تقع تحت طائلة القانون، ولكن لكل هؤلاء أقول إياكم والاقتراب من مصالح الوطن والمواطنين، يمكنكم العمل فى نطاق أسركم الصغيرة تعلمونهم حتى يتفادوا أعمالكم وأفعالكم التى اقترفتموها فى حق الشعب، وإذا كان ولا بد فيمكنكم العمل على تنمية المجتمع سواء فى الحى أو القرية أو المدينة بتوعية الأفراد على تجنب أفعالكم وأعمالكم التى بسببها وصلنا إلى ما نحن فيه الآن، أما السلطة والدولة والمجالس النيابية والعمل السياسى والثقافى والاجتماعى وغير ذلك مما يرتبط بمصلحة الوطن والمواطنين، فيكفينا التدمير الذى قمتم به لعدة عقود، وعليكم أن تتركوا هذه الأمور لرجال شرفاء غيركم يعرفون ويقدرون مصلحة الوطن والمواطنين، فكلكم تلوثت أياديكم بدماء المصريين الشرفاء لسنوات طويلة».
انتهى المقال، وهذه كما أقول رؤية الكاتب، فقد نتفق معها أو نختلف ولكن محيط الفكر والرؤى يسع الجميع عند التعبير طالما لم تلوث يده بالدماء. وبالله التوفيق