أزمة «تميم قطر» فى انتظار «جودو» الأمريكانى

الأحد، 09 يوليو 2017 09:00 ص
أزمة «تميم قطر» فى انتظار «جودو» الأمريكانى
تميم
عبد الفتاح على

ريكس تيلرسون الوسيط الجديد بدلا من أمير الكويت ، الحل الأمريكى: مراقبة الأموال القطرية.. وتعديل سياسة قناة الجزيرة 


لم يخرج المؤتمر الصحفى لوزراء خارجية دول المقاطعة القطرية، بجديد، عن الاجتماع الذى سبقه، ليلة الأربعاء، والذى خرج ببيان مقتضب، لخص الوضع الحالى فى كلمتين فقط، «تلقينا رد الدوحة على المطالب، وسنرد عليه فى الوقت المناسب».
اعتقد البعض أن الوقت المناسب سيأتى فى اليوم التالى، فى اجتماع وزراء الخارجية الأربعة، لكن ما تم إيجازه بشدة ليلا، دون تفاصيل، أفرد بإسهاب نهارا، ودون تفاصيل أيضا.
 
 
 
قبل البيان المقتضب بيومين، وقبل انتهاء المهلة الإضافية بساعات، اتصل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بحكام الدول المقاطعة، مشددا على أهمية وقف تمويل الإرهاب، أو على الأقل هذا ما نُشر رسميا.
 
لكن بعد دقائق من الاتصال، خرج تصريح (مفسر) لوزير الدولة للشئون الخارجية الإماراتى أنور قرقاش، يقول إنه يتوقع للولايات المتحدة الأمريكية دورا مستقبليا فى هذه الأزمة.
 
بهذا التصريح، وبانقضاء المهلة الإضافية، انتهت مهمة أمير الكويت، دون إحراز أى تقدم يذكر، ليفتح الباب لمهمة ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكى ليلعب دور الوسيط بدلا من أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد.
 
كأنه «جودو» فى المسرحية الشهيرة «فى انتظار جودو» للكاتب الأيرلندى صمويل بيكيت.
 
صحيفة الجارديان البريطانية، توقعت فى عددها يوم الاثنين الماضى، أن يأتى الوسيط الأمريكى بمطلبين رئيسيين يجرى ترتيبهما، بعيدا عن ميكروفونات المراسلين؛ الأول: يقضى بتكليف مسئولين من وزارة الخزانة الأمريكية بالإشراف على تدفق الأموال من قطر، والثانى: يتعلق بتغيير السياسة التحريرية لقناة «الجزيرة» القطرية، لتصبح على غرار تلك المتبعة فى «الجزيرة» الناطقة بالإنجليزية.
 
هذا الطرح الذى سُرِبَ لـ«الجارديان»، لم يتضمن كلمة عن علاقة الدوحة بطهران، بعد الرد القطرى الذى أحرج الجيران خاصة الإمارات، بإعلانها الاستعداد عن قطع علاقاتها بإيران شريطة أن تكون المقاطعة جماعية خليجية، فبُهت الذى طلب.
لكن فى حقيقة الأمر، وبعيدا عن بروباجندا مكافحة تمويل الإرهاب، هناك وجهة نظر أخرى تبدو أكثر منطقية، وأقرب للواقع (المصلحي) الذى تتخذه الدول، محددة وموجهة لسياساتها الخارجية.
 
وجهة النظر قدمها الكاتب الأمريكى ويليام إنجدال، مستشار المخاطر الاستراتيجية، ومؤلف كتاب «الهيمنة الكاملة - الديمقراطية الاستبدادية فى النظام العالمى الجديد»، لموقع نيو إيسترن أوتلوك الروسى.
 
يقول إنجدال: هناك خيط أحمر رفيع مخفى يربط بين عقوبات الكونجرس الأمريكى ضد إيران والآن روسيا وبين قرار السعودية وممالك خليجية أخرى معاقبة قطر. هذا الخيط الأحمر لا علاقة له بالحرب ضدّ الإرهاب، كل شىء مرتبط بمَن سيسيطر على أكبر حقول احتياطات الغاز فى العالم أو مَن سيسيطر على سوق الغاز العالمية.
 
فمنذ عام 1914 والعالم فى حرب شبه مستمرة للسيطرة على النفط. تدريجيا مع تبنى سياسات الطاقة النظيفة من قَبل الاتحاد الأوروبى وعلى وجه الخصوص قبول الصين بخفض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون عن طريق الحدّ من توليد الفحم، الذى كان قرارا سياسيا لا علميا، فضلا عن تطور تقنيات نقل الغاز خصوصا فى مجال الغاز الطبيعى المسال، بات الغاز الطبيعى فى النهاية متداولا فى السوق العالمية كما هو النفط.
 
مع هذا التطور، نحن اليوم فى عصر ليس فقط عصر حروب السيطرة على احتياطات النفط فى العالم. ما نشهده الآن هو فجر عصر حروب الغاز.. ضعوا أحزمتكم سيداتى سادتى.
 
سياسة الإدارة الأمريكية فى الشرق الأوسط، وهى سياسة واضحة، يمكن مقارنتها بالمثل الصينى القديم عن المزارع الذى أحرق بيته من أجل طهى خنزير، من أجل السيطرة على سوق الطاقة الناشئة لم تستهدف واشنطن فقط أكبر دولة فى العالم من حيث احتياطات الغاز أى روسيا، بل هى تستهدف الآن إيران وقطر.. لنتمعن أكثر فى الأسباب.
فى 15 مارس 2009 التقى أمير قطر السابق حمد بن خليفة الثانى، والرئيس السورى بشار الأسد، الذى كان لا يزال يعتبر آنذاك الحليف الموثوق به لدى الأمير.
 
حينها اقترح الشيخ حمد على الأسد، مدّ خط أنابيب الغاز من قطر عبر سوريا إلى تركيا ومنها نحو سوق الغاز الأوروبية، وقتها رفض الأسد الأمر بسبب العلاقات الجيدة مع روسيا، مفضلا ألا يكون سببا فى تقليص صادرات الغاز الروسى إلى الاتحاد الأوروبى لمصلحة الغاز القطرى. 
 
قررت قطر معاقبة سوريا، بإشعال الثورة على أرضها، فى مارس 2011، فأقدمت دمشق بعد أربعة أشهر على التوقيع على اتفاق مع العراق وإيران بموافقة موسكو، لمدّ خط أنابيب (دروجبا)، بطول 1500 كم من إيران وحتى سوريا عبر العراق إلى أوروبا.
المدهش أن منبع الخطين واحد، حقل الغاز الكبير (الأكبر فى العالم) والذى تتناصفه قطر وإيران فى مياه الخليج، والأكثر إدهاشا، أن طريق الخطين يمر بالضبط فى الأرض التى كانت يحتلها تنظيم الدولة فى العراق وسوريا، ليحجز الأرض للمنتصر من الحرب الأهلية السورية والتى كان مقدرا أن تكون المعارضة المسلحة والممولة ممن تمثله قطر، وقت أن التقى أميرها السابق بالرئيس السورى بشار الأسد.
 
نعود مرة أخرى للكاتب الأمريكى، والذى تساءل: كيف يتناسب كل ذلك مع شيطنة ترامب والأمير السعودى سلمان لإيران بوصفها «الراعى الأول للإرهاب» وقطر كداعم للإرهاب؟ كل هذا يتناسق مع بعضه البعض حين ندرك أن أمير قطر الحالى تميم بن حمد آل ثانى، هو أكثر براجماتية، وأن الأحلام القطرية بمدّ خط أنابيب عبر حلب إلى تركيا ومنها إلى دول الاتحاد الأوروبى تبددت مع دخول روسيا على خط الحرب السورية، حينها بدأت سرا المحادثات مع طهران. 
 
خلال الربيع الماضى بدأت قطر محادثات مع طهران من أجل التوصل إلى تسوية بشأن الاستفادة من حقل الغاز المشترك. وتعدت قطر ذلك إلى إجراء محادثات مع إيران حول التطوير المشترك لهذا الحقل، وأفادت التقارير بأن قطر وإيران توصلتا إلى اتفاق بشأن البناء المشترك لخط أنابيب غاز من إيران إلى البحر المتوسط أو تركيا والذى سينقل الغاز القطرى إلى أوروبا. فى المقابل وافقت الدوحة على إنهاء دعمها للإرهاب فى سوريا، فى ضربة قوية لخطط ترامب والسعودية لـ«بلقنة» سوريا والسيطرة على تدفقات الغاز فى المنطقة. 
 
جريمة قطر الحقيقية، أنها قفزت من المركب الأمريكى السعودى، قبل أن يغرق فى بحور الوحل السورية، وهو المركب الممول للإرهاب فى سوريا، لترتمى فى أحضان روسيا، المتوقع انتصارها مع حلفائها فى الحرب السورية. 
 
وزير الخارجية القطرى طار إلى موسكو قبل أيام والتقى وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، فى الوقت الذى كانت السفن الحربية الصينية ترسو فى أحد المرافئ الإيرانية للمشاركة فى مناورات عسكرية مشتركة فى مضيق هرمز أخطر المضائق المائية فى العالم (تمر به أكثر من 35 ٪ من النفط البحرى).
 
بنك الشعب الصينى صنّف قطر فى المركز الأول فى الشرق الأوسط لجهة تسوية العملة الصينية، لتبدأ بعدها الشركات القطرية بتصدير الغاز الطبيعى المسال بالعملة الصينية.
 
إيران رفضت استخدام الدولار فى قطاع النفط، وروسيا باعت غازها للصين بالروبل أو اليوان، وهو تحول كبير فى منظومة التبادل التجارى العالمى.
 
بالمقابل تعمل واشنطن على تلميع دور السعودية (الجديدة) من أجل نقل الشبكات الجهادية إلى الصين وإيران وروسيا.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق