من معالم السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط

الأربعاء، 05 يوليو 2017 11:00 ص
من معالم السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط
د.كمال الهلباوى يكتب:

إن من لا يفهم السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، لا يستطيع أن يسهم إسهاما فاعلا فى بناء الأمة الإسلامية، ولا يستطيع كذلك أن يدرك طبيعة الصراع وأثره القوى على الأمة، وقد تختلف نظرات المسلمين والعرب خصوصا إلى السياسة الأمريكية، وخاصة فى الشرق الأوسط، فبعضهم يراها سياسة حكيمة وبعضهم يراها سياسة ضاغطة مهيمنة مستقلة. 

 

وقد كتبت كتابا فى نهاية التسعينيات بعنوان: السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، بعد نهاية الحرب الأفغانية السوفياتية وتفتت الاتحاد السوفياتى وتحرير دول شرق آسيا، وتربع الولايات المتحدة الأمريكية على قيادة العالم دون منافس، إذ إنها كانت المستفيد الأكبر من تلك الحرب، كتبت آنئذ أحذر من السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، وهنا أذكر بما سبق أن حذرت منه، وأتساءل: هل تغيرت تلك السياسة كثيرا أو قليلا، وعلى القارئ أن يجيب عن هذا السؤال؟
 
حاولت فى هذا الكتاب الذى نشره معهد الدراسات السياسية فى إسلام آباد عدة مرات، حاولت إبراز معالم السياسة الأمريكية فى إطار الصراع العالمى، وإبراز أثر هذه السياسة المجمل فى أزمة الخليج، لأن تفصيل ذلك يحتاج إلى عدة أسفار لإبرازه. ومن أهم معالم السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط: 
 
التخطيط لمستقبل المنطقة، حماية إسرائيل، محاربة الإسلام (العدو الجديد) رغم أن أمريكا يمكن أن تحارب كل من يسعى للتفوق عليها بصرف النظر عن الدين أو الحضارة)، الحفاظ على المصالح الأمريكية ومنها النفط والسيطرة على الموقع الاستراتيجى، ملء الفراغات فى الشرق الأوسط، فرض الحلول الأمريكية، الهيمنة الإعلامية لتوجيه الرأى العام، الاستمرار فى قيادة العالم، السيطرة العسكرية.
 
وإذا كانت هذه هى أهم معالم السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، فإنها لاتزال بحاجة إلى مزيد من البلورة والإيضاح، وأهم من ذلك فإنها تحتاج إلى مواجهة وإبطال لمفعولها، والأنظمة فى الشرق الأوسط عاجزة عن ذلك تماما، ومن ثم كان العبء على الحركات الإسلامية فى قيادتها للأمة، وريادتها وتحريك قدراتها وأحاسيسها، لإدراك الخطر وإعداد العدة لمواجهة ذلك الخطر الحال، وليسأل كل منا نفسه عن دوره فى هذه المواجهة ولنعمل بقول الله عز وجل «وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ»، ولندرك قول الله تعالى «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم» وشرطه «إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ».
 
لننظر إلى الأمريكان وهم يبررون تدميرهم للعراق فيقولون: «إن الحكم العراقى يفعل أكثر من ذلك فى معارضيه، إذ ليس للإنسان حرمة أو قيمة فى العراق»، وهى كلمة حق أريد بها باطل، وأمريكا تدرك ما يفعله نظام البعث فى العراق منذ وقت مبكر فى المواطنين، وتعرف أن سجون العراق ممتلئة بكل من يخالف أو يشتم منه أنه يخالف صدام حسين شخصيا أو قراراته أو الحزب حتى ولو كان طفلا، ولكنها لم تتحرك ضد قيادة العراق إلا عندما تعارضت تحركات العراق مع المصالح الأمريكية، وهو أمر لا علاقة له من بعيد ولا قريب بحرمة دم الإنسان المسلم أو حقوقه أو الحريات أو العدل أو العرض أو مواجهة الظالمين والاقتصاص منهم أو نصرة المظلوم أو ما إلى ذلك من قيم حضارية لم يعرفها العالم ولن يعرفها إلا فى ضوء الإسلام وحضارته، وخير دليل على ذلك موضوع الأكراد الذى أثارته أمريكا فى العراق ولم تتعرض له فى تركيا ولا سوريا ولا إيران ولا روسيا، وخير دليل على ذلك أيضا بقاء صدام حسن فى السلطة بعد تدمير العراق ليؤدى بقية الدور المطلوب منه ومن العراق فى المنطقة وحتى تجهز البديل المناسب من جميع الوجوه وهى مهمة ليست باليسيرة.
 
وهناك مقولة تاتشر فى اجتماعات حلف الأطلسى: «يجب على الغرب الاحتفاظ بقوته للتعامل مع الشرق الأوسط رغم تلاشى الخطر السوفياتى» ثم تتوج تاتشر صديقة للعرب وتمنحها جامعة الكويت الدكتوراة الفخرية».
 
ما جاء فى صحيفة الديلى تلغراف البريطانية فى 19/ 3/ 1989: «نحن بحاجة إلى عون الروس فى مواجهة الإسلام».
 
مقولة الواشنطن بوست الأمريكية فى 16/3/199: «الصحوة الإسلامية العالمية هى قوس الأزمات الجديدة».
 
وهذا لورانس بروان يقول «إن الخطر الحقيقى يكمن فى نظام الإسلام وفى قدرته على التوسع والإخضاع، وفى حيويته إذ إنه الجدار الوحيد فى وجه الاستعمار الأوروبى، ولو عاش لورانس بروان حتى اليوم لقال (فى وجة الاستعمار الأمريكى) بدلا من الاستعمار الأوروبى.
 
مقولة «بنازير بوتو» فى جريدة ملت فى 20/10/1990: » هناك صراع بين الأصولية الإسلامية فى العالم وبين الإسلام المدرك الواعى، ولقد حل أتاتورك هذه القضية فأعلن العلمانية «وهذا هو نتاج الفكر العلمانى والأثر الغربى على العقلية المسلمة المؤثرة فى بلادنا لقربها من الحكم والسلطة ومن مواقع النفوذ وهذه القيادات هى بوابات الغرب إلى هدم الإسلام.
 
وصورة أخرى نقدمها من التقرير الاستراتيجى العربى لسنة 1988، الصادر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة ص 17 حيث جاء فيه «إذا كانت المدنية الغربية الرأس المالية أصبحت علمانية وتخلصت إلى حد كبير من الإطار الدينى الذى كان يحكم إدراكها للعالم، فلم يبق ما يتحداها سوى الإسلام الذى يقوم على الوحدانية، وخاصة بعد سقوط النظم الماركسية.
 
مطالبة شامير: «قادة الدول العربية لمحاربة حماس لأن أصوليتهم تهدد الجميع».
 
مقولة الأمير الحسن بن طلال ولى عهد الأردن ورئيس منتدى الفكر العربى: «إن إسرائيل ليست هى العدو الحقيقى للدول العربية، وإنما العدو للحكومات العربية وإسرائيل إنما هو موجه للتعصب الدينى، وينبغى قيام تعاون مشترك بين الحكومة العربية وإسرائيل لمواجهة هذه الموجة حتى لا تشهد المنطقة حربًا من باكستان إلى المغرب العربى».
 
مقولة هيلا سلاسى القديمة فى طريقه إلى زيارة مصر: «إن المسلمين فى الحبشة قلة اعتنقت الإسلام على يد بعض التجار العرب، وسيعودون قريبا إلى دين آبائهم أى النصرانية ولن نسمح بأن يقوم دينان فى بلادنا». ولم يرد عليه الأزهر ولا السلطات فى مصر على هذا التخريف أو التحريف، وكم استقبل فى مصر بحفاوة بالغة هو ونكروما وسياد برى وغيرهم ممن حاربوا الإسلام والمسلمين وقتلوا العلماء والمفكرين، لأن العرف الدبلوماسى فى بلادنا للأسف الشديد يقوم على القيم التى تسمح بذلك «غير الإسلامية أو العقيدة ).
 
وكما ذهب هيلا سلاسى غير مأسوف عليه ولا على أمثاله وأمثال ليبولد سنغور ونكروما وسياد برى، سيذهب بوش وستذهب أمريكا نفسها، وستذهب تاتشر وبريطانيا نفسها، أكثر مما ذهبت إليه من تقهقر وضعف بعد أن كانت بريطانيا العظمى وكانت سيدة البحار، وسيبقى الإسلام حيا فى قلوب الأمة وفى واقعها بفضل الله تعالى «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ «... وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ».
 
هذه صور ومقولات متنوعة متعددة توضح بعض ملامح النهج الأمريكى، من التى استخدمت سابقا وستسخدم لاحقا فى مواجهة الإسلام وخاصة بعد سقوط الدب الروسى، ولقد كانت الملامح فى الغالب الأعم. من هذه السياسة وهذا المنهج الأمريكى وهذا المنهج الأمريكى المعادى نحو الإسلام والمسلمين جاهزة قبل الحرب بسنوات طويلة. كما توضح ذلك طبيعة كثير من مفكرى الغرب وساستهم وتلامذتهم فى بلادنا، ولم يظهر ذلك واضحا كاملا إلا بعد انهيار الشيوعية للاستفادة من المسلمين فى الصراع الأمريكى السوفياتى وقد كان لهم ذلك.
 
انتهى هذا المقال الذى كتبته منذ أكثر من 25 سنة، فهل تغيرت الأوضاع كثيرا؟ هذا هو محور المقال القادم إن شاء الله تعالى.. وكل عام وأنتم بخير. وبالله التوفيق

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق