«عدد خاص» من صوت الأمة الورقى بمناسبة عيد الفطر المبارك
عطر النبى فى مصر.. «أبوالحجاج الأقصرى» صوفىُّ زاهد فى متاع الدنيا
الإثنين، 26 يونيو 2017 12:00 معنتر عبد اللطيف
بدأ نجم أبوالحجاج يعلو فى مدينة الأقصر وأخذ الناس من مختلف المدن والقرى يتشوقون إليه
تقول شجرة نسبه إنه السيد يوسف عبدالرحيم بن يوسف بن عيسى الزاهد بن محيى الدين بن منصور بن عبدالرحمن بن سليمان بن منصور بن إبراهيم بن رضوان بن ناصر الدين بن إبراهيم بن أحمد بن عيسى الشهير ابن نجم بن تقى الدين بن عبدالله بن الدين الدنى بن عبدالخالق بن نجم الدين بن عبدالله بن أبى الطيب عبدالخالق بن أحمد بن إسماعيل أبى الفراء بن عبدالله بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن الإمام على زين العابدين بن الإمام أبى عبدالله الحسين بن الإمام سيدى على بن أبى طالب. وهو الشهير بأبى الحجاج الأقصرى صاحب المسجد الشهير بالأقصر والمسجل كأثر إسلامى فى 21 يونيو 2007. ويقول أحد الرحالة واصفا المسجد: هو عبارة عن ساحة مربعة الشكل، مغطاة بقبو، ومدخله الرئيسى يقع بالجهة الغربية جرت له عمارات كثيرة فى العصور الأيوبية والمملوكية والعثمانية والحديثة.
هو مشيد على الجهة الشمالية الشرقية لمعبد الأقصر، ويبلغ ارتفاع مدخله 12 مترا، ويخلو من الزخارف الهندسية والنباتية واللوحات الخطية المعروفة فى العمارة الإسلامية. ويعلو المسجد شريط من الشرفات المبنية بالطوب الأحمر، لكن ما يميز المسجد عن بقية المساجد احتواؤه على أعمدة وأعتاب ونقوش مشابهة تماما لمعبد الأقصر، وقد جاء اكتشاف هذه النقوش بالصدفة البحتة بعد تعرض المسجد لحريق، وكانت المفاجأة عندما كشف العاملون بالترميم عن وجود أعمدة أثرية من الطراز الفرعونى مطمورة بالمسجد، وتبين أن هذه الأعمدة هى جزء من معبدفرعونى ضخم يغطيه تل من التراب والطمى وهو نفس التل الذى قام «العارف بالله» أبوالحجاج ببناء مسجده فوقه، أى أن المسجد تم بناؤه فوق معبد، وقد مضى على بنائه أكثر من 88 قرنا جعلته يتحول إلى قيمة تاريخية وأثرية تخطف عيون الوافدين إلى معبدالأقصر.
ولد رضى الله تعالى عنه فى أوائل النصف الثانى من القرن السادس الهجرى -على الأرجح- فى مدينة بغداد حاضرة الخلافة العباسية فى عهد الخلفية المقتفى بأمر الله العباسى وقد نشأ فى أسرة على قدر كبير من الورع والتقوى تحت رعاية والده السيد عبدالرحيم بن يوسف الذى كان يشغل منصبا رئاسيا فى الدولة العباسية.
وكانت فترة نشأته فترة خصبة فى الفكر الصوفى فأعده والده ليكون واحدا من رجال الدين وعلمائه فى بغداد، فحفظ القرآن الكريم فى سن مبكرة ثم نال قسطا وافرا من الثقافة الدينية ولكن لم يلبث هذا الوالد أن توفاه الله وأبوالحجاج صغير فوجد نفسه مسئولا عن تكاليف الحياة فاشتغل فى صناعة غزل الصوف وحياكته وكان له حانوت مشهور فى بغداد وقد درت عليه هذه الصناعة رزقا وفيرا وتزوج صغيرا وأنجب أيضا صغيرا وكان بجانب عمله فى هذه الصناعة يتردد على حلقات الوعظ والدروس التى كان يعقدها شيوخ التصوف والعلماء فى بغداد وظل كذلك ينهل فى مناهل الثقافة الإسلامية حتى أخذ بنصيب وافر فى مختلف العلوم ثم دخل المدرسة النظامية فى بغداد وتفقه فى مذهب الإمام الشافعى على يد الشيخ الصالح صدر العارفين وعين المحققين أبوالنجيب السهروردى وتأثر بقراءته لهذه الكتب تأثيرا تاما وقد انعكس صدى هذا التأثر على ما تركه من أقوال فى علوم الطريق وآراء فى التربية والسلوك كما قرأ الأدب أيضا فى مختلف فنونه وكان ذواقا للشعر.
وكان لقراءته الأدب أثر بعيد على أقواله فى الطريق ونصائحه للمريدين فجاءت هذه الأقوال والنصائح بجانب عميق، وبعد أن تزود أبوالحجاج بهذه الثقافة الواسعة اشتغل بالوعظ والتذكير فى بغداد وكان على وعظه إقبال شديد لما كان يمتاز به من قوة الاستمالة وملكة التأثير فى من حوله، فعلا بذلك نجمه وكثر أتباعه ومريدوه فى مكة والمدينة.
ومرت الأيام بأبى الحجاج حتى بلغ سن الأربعين عاما، وكان قد جمع لنفسه من تجارته ما يكفيه مدة طويلة من الزمن وفى الوقت نفسه كان قد تعرف على كل مدارس الفقه والتصوف الإسلامى فى بغداد والعراق ففكر فى الرحيل إلى أماكن أخرى ليتعرف على مدارس الفكر الإسلامى فيها بجانب أن وجه الحياة قد تغير فى بغداد والعراق فى الفترة من 575هـ إلى 622هـ إذ تعرضت البلاد للعديد من الفتن والاضطرابات والقلاقل بين الشيعة والسنة لذا فكر فى الرحيل متجها إلى مكة وأقام بها سنة تعرف خلالها على أشراف من نسل أجداده وأسهم بالرأى والمناقشة فى مجالس علمها، وتعرف على القادمين من مصر ومنهم أناس من عرب جهينة وعسير وهؤلاء هم الذين عرفوه بأن له أجدادا مدفونين بأرض مصر ورغبوه فى السفر إليها وخاصة أن مصر كانت تمتاز فى ذلك الوقت بالهدوء والسكينة والأمن والاطمئنان دون سائر المدن الإسلامية ولكن الشيخ أبى الحجاج آثر البدء بزيارة المدينة المنورة -على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام- فتزود هناك بالعلم وعاش بفكره وإيمانه مع السلف الصالح منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين رضى الله عنهم وفى رحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم، اتخذ أبو الحجاج قراره بأن يقوم بدوره فى الدعوة من أجل رسالة التوحيد والجهاد من أجل الحق متخذا أرض مصر مكانا لدعوته.
اتجه أبوالحجاج وأولاده والمرافقون إلى مصر ودخلها عن طريق شرق الدلتا، حيث نزل بالمنصورة ثم انتقل مارا إلى مختلف مدن مصر، وفى أثناء ذلك يرى فى منامه رؤى وهواتف تأمره بالرحيل إلى مدينة تسمى «الأقصر» فى صعيد مصر.
اتجه أبوالحجاج بناء على هذه الرؤى المنامية والهواتف إلى الأقصر فاستقبله أهلها بالترحاب البالغ وهم يتوقون فى فهم بالغ إلى داعية ومرشد يشد من أزرهم ويقوى عزائمهم ويعينهم على نصرة دين الحق فى هذه المدينة فلما رأوا أبا الحجاج فيه قوة الشخصية ولمسوا فيه علمه الغزير وتقواه وخشوعه لله تعالى وجدوا ضالتهم المنشودة فأنست نفوسهم إليه وتفتحت قلوبهم له فالتفوا حوله وبالغوا فى إكرامه.
وكان بالمدينة راهبة تدعى «طوزة» أو «طيريزة» الطماخة القبطية وكانت أميرة قومها ورئيسة ديرها وتقيم فى موقع بجانب من معبد الأقصر فأدهش الراهبة أسلوب الشيخ فى الزهد والتصوف وملأ نفسها احتراما له وتقديرا والتقى أبوالحجاج بالراهبة يناقشها فى أمور الدين والدنيا فأسلمت وتحولت إلى داعية إسلامية، وكانت تتخذ من مقر مسجد أبوالحجاج الحالى سكنا لها ومكانا للعبادة.
وبدأ نجم أبوالحجاج يعلو فى مدينة الأقصر وأخذ الناس من مختلف المدن والقرى يتشوقون إليه فاتجهوا إلى هذه المدينة وأقاموا فيها ليحظوا بقرب هذه الشيخ العالم الجليل، ويستفيدون من واسع علمه وعقد الشيخ حلقات الوعظ والدروس ليفقه الناس فى الدين الإسلامى الحنيف وبدأ أتباعه ومريدوه يتكاثرون يوما بعد يوم حتى عدوا بالآلاف.ودوى صوت الحق يجلجل فى أرجاء المدينة فتغير وجهها وأشرقت بنور ربها إسلامية ثم نسبت إلى أبى الحجاج ونسب إليها وكان أول من نسبت إليه ونسب إليها من علماء المسلمين.
كان لهذا الذى حدث فى الأقصر أثر بعيد على شخصية أبى الحجاج حيث بدأت شهرته تعم مختلف مدن مصر وبدأ الناس من كل مكان يتوقون إلى مشاهدته والدخول فى رحابه ويتنامى خبره إلى مسامع سلطان مصر العزيز عماد الدين الأيوبى. ابن السلطان صلاح الدين الأيوبى الذى كان من أبرز صفاته أنه كان مباركا كثير الخير واسع الكرم محسنا إلى الناس معتقدا فى أرباب الصلاح، فأرسل إليه رسولا يدعوه إلى مقابلته ولما مثل بين يديه أعجب السلطان بواسع أفقه وغزير معرفته فى العلوم الإسلامية وقوة شخصيته وسرعة خاطره فأسند إليه منصب مشارف الديوان للحسبة والخراج وهى وظيفة رئاسية لا ينالها إلا الثقاة الذين يلمس فيهم السلطان النزاهة والفقه، ولكن الشيخ لم يستمر طويلا فى هذه الوظيفة فقد رد نفسه عنها زاهدا فيها وأنه وهب نفسه للخالق سبحانه وتعالى متصوفا وداعيا لرسالة الإسلام الحنيف. بعد أن ترك أبوالحجاج هذه الوظيفة طفق يتجول فى مختلف مدن مصر شأنه شأن أغلب رجال التصوف والدعاة إلى أن وصل إلى الإسكندرية التى كانت مركزا لدعوات صوفية عديدة ويمكث بها فترة يلتقى فيها بأعيان هذه المدينة وشيوخ التصوف فيها يفيد ويستفيد واستطاع التعرف على جميع المدارس العلمية بها.
وعرج فى الطريق على قوص حيث التقى بقطبها سيدى عبدالرحيم القنائى. واستقر أبوالحجاج فى آخر أيامه فى الأقصر منقطعا للوعظ والتذكير والدعوة إلى طريق الحق، وكان مجلسه يغص بالعلماء والوجهاء وعلية القوم، ومن أعماله العلمية الباقية منظومته فى علم التوحيد التى ضمنها تسعة وتسعين بابا وتقع فى 1333 بيتا من الشعر وقد استهلها بالبيت التالى:
الحمد لله العلى الصمد * الأول الآخر بلا أمد.
وقد توفى رضى الله عنه سنة 642 هجرية فى عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب بعد أن عمر أكثر من تسعين عاما، ودفن بضريحه القائم فوق معبد الأقصر. وقد أعيد بناء مسجده القديم فى القرن التاسع عشر ثم رمم فى أوائل القرن العشرين. ومما يجدر ملاحظته أن البقعة التى تضم ضريح ومسجد الشيخ أبى الحجاج كانت طوال عصورها التاريخية أماكن عبادة، ففيها معبد آمون الفرعونى كما ضمت بقايا كنيسة مسيحية ثم علا ذلك مسجد أبى الحجاج.
وفى النصف الثانى من القرن العشرين أقامت وزارة الأوقاف مسجدا جديدا بجانب المسجد والضريح القديم، على أن أقدم أجزاء المسجد القديم المئذنة القديمة التى ترجع إلى تاريخ وفاة أبى الحجاج، وهى تتكون من ثلاثة طوابق الأول عبارة عن مكعبين، أما الدوران الثانى والثالث فهما على شكل إسطوانة تستدق كلما اتجهتا إلى أعلى وتنتهى بطاقية مقبية. وبالدور الثالث مجموعة من الفتحات مصفوفة فى صفين. والمئذنة مبنية بالطوب اللبن ومقوى الجزء المكعب فيها بميدات خشبية. ويشبه طراز هذه المئذنة مآذن الصعيد فى العصر الفاطمى مثل مئذنة مسجد قوص ومئذنة مسجد إسنا ومسجد الجبوشى بالقاهرة.