حكم القضاء هو عنوان الحقيقة، وقصاص الرحمن هو عنوان العدالة فاليوم قضت محكمة جنايات جنوب القاهرة بتخفيف العقوبة الموقعة علي الملازم أول ياسين صلاح، بحبسه بالسجن المشدد 10 سنوات في إعادة محاكمته بعد أن كان الحكم عليه بالسجن لمدة 15 عامًا، فقد أوجع الحكم قلب والدة شهيدة الورود «شيماء الصباغ»، و أثار اليأس في قلب زوجها الذي سعي لمدة عامين من خلال المحامين بالقصاص لزوجته، والتي خلفت وراها ذرية ضعيفة طفل يتمته رصاصة الغدر.
وكانت أخر كلمات شيماء الصباغ، التي ودعت بها العالم كانت «البلد دي بقت بتوجع.. ومفهاش دفا.. يارب يكون ترابها براح.. وحضن أرضها.. أوسع من سماها»، ولأن هذه القضية من االقضايا التي شغلت الرأي العام لفترة طويلة حتي تم التوصل للجاني الحقيقي، لذا فنستعرض من خلال هذا التقرير أبرز المحطات التي شهدتها القضية علي مدار عامين بدأت بالقبض علي الملازم أول ياسين صلاح ،ثم محاكمته وصدور حكم بالسجن 15 عامًا ثم قبول النقض المقدم علي الحكم وإلغاء العقوبة حتي إعادة محاكمته مرة أخري.
بداية القضية
في الرابع والعشرون من يناير 2015 خرجت شيماء الصباغ، بصحبه ما يزيد عن 50 شخص من حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، في مسيرة لميدان التحرير وأثناء مرورهم من ميدان طلعت حرب، بدأت قوات الأمن في إطلاق النيران علي المتظاهرين فتفرق المظاهرة لتسقط الصباغ غارقة في دمائها بين أيدي اصدقائها الذين حملوها في محاولة لاسعافها، ولكن القنابل المسيلة للدموع لحقتهم لتسقط شهيدة الورود أمام كافية ريش بوسط القاهرة.
بيان الداخلية واتهامك قيادات بالحزب بقتلها فور وقوع حادث مقتل الصباغ، أعلنت وزارة الداخلية، تبرأها من دمائها مؤكدة في بيانها أنها لم تطلق سوى قنبلتين غاز ونحقق حاليا في كيفية وفاتها، وأنهم يقوموا بتحليل عدد من اللقطات المصورة التي تتضمن حمل بعض المشاركين بالمظاهرة لأسلحة خرطوش.
كما قامت قوات الأمن، بإلقاء القبض علي عدد من قيادات الحزب ومنهم زهدي الشامي، الذي اتهم بالتسبب في وفاة الصباغ وواجهته بالتحريات الأولية التي اعدت بمعرفة رجال المباحث الجنائية، والأمن الوطني، والتي كشفت عن تورطه في مقتل الناشطة شيماء الصباغ، بأنه اطلق النار من جيب الجاكت الذي كان يرتديه أثناء المظاهرة على المجني عليها، مستغلاً انشعال الأمن بفض المظاهرة باستخدام الغاز واسراع زملاءه بالفرار، خوفًا من عمليات القبض العشوائي وانكر زهدي الشامي الاتهامات الموجهة اليه بقتل الصباغ، وقال: إنه حضر من تلقاء نفسه للنيابة للشهادة في القضية، موضحًا: ان الاتهامات الموجهة إليه «أشياء تبعث للسخرية».
ووجهت لباقي الأعضاء تهمة التظاهر دون تصريح من الداخلية، وقال عضو حزب التحالف الشعبي، المحامي سيد أبوالعلا، في شهادته، الذى اتهم فيها قوات الأمن بقتل زميلته، بل و «الإصرار على قتلها»، من خلال رفض فتح الطريق أمام سيارات الإسعاف، والقبض على طبيب كان يحاول إسعافها.
وقال: أثناء قيام قوات الأمن، بفض مجموعة حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، بإطلاق القنابل عليهم والخرطوش، حيث وقعت شيماء على الرصيف المجاور لشركة إير فرانس أول شارع طلعت حرب من ناحية ميدان طلعت حرب وهي متجهة إلى التحرير.
وأضاف عضو التحالف الشعبي: كانت الشرطة خلفها من ناحية اليسار يطلقون عليها النار، وفي نفس الوقت كنت أسمع صوت الفرقعات وصوت اصطدام الخرطوش بزجاج شركة آير فرانس، ووجدت الدماء تسيل من أسفل رأس شيماء من ناحية اليسار.
وتابع: حملتها وتوجهت بها إلى الناحية الثانية من شارع طلعت حرب عند الممر المجاور لمقهى ريش كافيه، وجلست بها على الأرض ووجدت رجال الشرطة يطاردوننا ومازالوا يطلقون النار غير مراعين لإصابتهم لشيماء، وكان بجواري في أول الممر المهندس محمد صالح، أمين العمل الجماهيري لحزب التحالف، وجاء وقتها ضابط مباحث أعرف وصفه جيدًا ولا اعرف اسمه، وطلبت منه أن يجلب لنا الإسعاف صارخا فيه ولم يستجب وحملها الزميل مصطفى عبدالعال مرة ثانية داخل الممر.
تقرير الطب الشرعي : ماتت علشان نحيفة
أما تقرير الطب الشرعي، فقد آثار موجة من الاستياء واللغط، فقد أكد الدكتور هشام عبد الحميد رئيس مصلحة الطب الشرعي، أن أن الخرطوش الذي أصيبت به شيماء الصباغ عادة لا يؤدي إلى الموت، ولكن بسبب كونها «نحيفة أكثر من اللزوم»، اخترق الخرطوش جسدها بسهولة وتمركز في القلب والرئة.
ومنها تقرير الصفة التشريحية لجثمان المجنى عليها، والذي ثبت به أن الإصابات الموجودة بها ذات طبيعة نارية رشية حيوية حديثة حدثت من عيار نارى يحمل مقذوفات رشية «خرطوش خفيف»، أطلقت من سلاح معد لإطلاق هذا النوع من الأعيرة والرش منتشر في مسافة 50 سم فى 50 سم بالظهر والوجه، مما يشير إلى أن مسافة الإطلاق 8 أمتار فى حالة الأسلحة الخرطوش ذات الماسورة الطويلة، وكان اتجاه الإطلاق الأساسي من الخلف للأمام مع ميل للوجه الناحية اليسرى وإلى الخلف وجاءت الوفاة، نتيجة للعيار النارى الخرطوش وما أحدثه من تهتك بالرئتين والقلب ونزيف بالتجويف الصدري.
وأشار تقرير الإدارة العامة لتحقيق الأدلة الجنائية، إلى أن البندقيتين المسلمتين للمتهم والقوة المرافقة له تطلقان كريات مقذوفات الطلقة الخرطوش في حال تثبيت كاس إطلاق الغاز بها فارغة من القنابل، وفى حالة الإطلاق من مسافة 8 أمتار تكون مساحة انتشارها 35سم فى 35 سم، وفى حالة عدم وجود الكاس تكون مساحة انتشارها 37سم فى 37 سم، وأن الأجسام المعدنية المرفوعة هى جزء من مقذوف طلقة خرطوش رش خفيف وأن آثار التلوثات على ملابس كل من «السيد فوزى» و«مصطفى محمود»، هي لدماء المجني عليها، وقد ثبت بدفتر السلاح الخاص بالكتيبة الثانية بقطاع ناصر للأمن المركزي، استلام المتهم لبندقية خرطوش
اعترافات الضابط المتهم
أقر المتهم بتحقيقات النيابة وبجلسة المشاهدة بالمحكمة، أنه الشخص الملثم الذي ظهر بمقطع الفيديو ونفي الاتهامات الموجهة إليه قائلاً : «إحنا مكنش معانا خرطوش ونازلين عشان خاطر نعمل تأمين، مش عشان خاطر نقتل حد وهي دي وظيفتنا وهو ده اللي بنعمله، ومحصلش مني طول فترة خدمتي مخالفة لأي تعليمات ودة ممكن تسأل فيه الإدارة التابع ليها، وأنا محترم طول عمري».
وأضافت: «وما أن ظفر المتهم بالمتظاهرين فأطلق عيارًا ناريًا (خرطوش) من السلاح الناري صوب المجنى عليهم من مسافة 8 أمتار، فأحدث إصابة المجني عليها شيماء الصباغ ، بالإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية وهى إصابات (نارية رشية حيوية حديثة)، حدثت من عيار ناري يحمل مقذوفات رشية خرطوش خفيف، فأحدثت تهتك بالرئتين، والقلب، ونزيف بالتجويف الصدري، والتي أدت لوفاتها ولم يقصد من ذلك قتلها، ولكن تلك الإصابة أدت إلى وفاتها في الحال، كما أن المتهم أحدث بالمجنى عليه (محمد الشريف)، إصابة نارية رشية بالرأس، والعنق، والكتف الأيسر، واليد اليسرى، وأحدث إصابة (أحمد نصر)، إصابة نارية رشية بالوجه، والعنق، والكتف، والظهر».
وجه ياسين حاتم، الضابط المتهم بقتل شيماء الصباغ، رسالة لهيئة محاكمته في القضية، قائلاً: «وجهت التحية لكل من استشهد دفاعًا عن الوطن، وأنه وعند التحاقه بـ أكاديمية الشرطة في عام 2008، حٌرم من الاستمتاع بالحياة، وأنه تعلم خلال تلك الفترة عدد من القيم ومنها حب الوطن، ليشير إلى صعوبة المهام التى أسندت إليه هو وزملاؤه، معقبًا بأن قياداتهم لم تمر بها طوال فترة خدمتهم».
وواصل السرد، بالإشارة لتفاصيل يوم الواقعة، ليؤكد أنه فى يوم الرابع والعشرين من يناير لعام 2015، وفى حدود الثامنة صباحًا، وصل هو وزملاؤه لميدان طلعت حرب، مشددًا على أنه لم يرد إليه أى إخطارات حينها بوجود مسيرات ومظاهرات تتجه نحوهم.
وأضاف فى رسالته: أنه وفى غضون الثالثة والنصف عصرًا، بٌلغوا بوجود مسيرة تقترب منهم، لتؤكد الرسالة أنه تم اتخاذ الإجراءات المنظمة لعملية الفض، وقال الضابط المتهم، خلال رسالته، إنه لو حقيقى ارتكابه لتلك الجريمة، لم يكن ليستمر في مكان خدمته أربع ساعات تالية للواقعة، حتى نهاية خدمته، وبأنه وبعد الواقعة تم استدعاؤه ومعه بقية الضباط، الذين تواجدوا على مسرح الواقعة، وذلك لسؤالهم بالنيابة على سبيل الاستدلال، ولمدة 7 ساعات كاملة، لم يوجه له خلالها أي اتهام، قبل أن يتم استدعاءه مجددًا في الرابع من مارس، ليوجه له حينها الاتهام بـ «قتل شيماء الصباغ»، معلقًا: كان لابد أن يكون هناك ضابطًا متهماً أمام الرأي العام.
حظر النشر بالقضية
أمر النائب العام المستشار هشام بركات، بحظر النشر في قضية مقتل شيماء الصباغ، لحين إنتهاء التحقيقات، وقالت النيابة العامة أنها تابعت باستنكار ما تداولته وسائل الإعلام بأساليب تخرج عن إطار العمل الإعلامي، من خلال روايات عديدة ومعلومات غير دقيقة ومتناقضة بشان التحقيقات التي تجريها النيابة العامة في واقعة مقتل المواطنة شيماء الصباغ، وكيفية مقتلها دون مرعاة للتحقيقات والأدلة التي تجمع، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلبًا على سلامة التحقيقات والعدالة التي تنشدها النيابة لعامة، إعلاء لمبدأ سيادة القانون.
الشهود على الأحداث
أكد «ثابت مكرم»، أنه حال قيادته سيارته الأجرة ولدى مروره بشارع طلعت حرب، أبصر اصطفاف لقوات الشرطة في مواجهة تظاهرة، وأطلقت القوات صوبهم قنبلة غاز على مسافة بعيدة فبدأ المتظاهرون في التفرق ثم سمع صوت إطلاق عيارين ناريين آخرين، وشاهد المتهم أمام سيارته مباشرة حاملاً بندقية صوبها تجاه المتظاهرين وأطلق منها عيارا ناريًا «خرطوش»، وطاير فارغه من البندقية وسقط أرضًا فأصاب المجنى عليها وعاقبه بإطلاق عيار ناري آخر ولم يشاهده يطلق قنابل غاز من بندقيته.
وشهد «أحمد فتحي نصر»، بأنه حال اشتراكه في التظاهرة، أبصر إطلاق قنبلة غاز من جانب قوات الشرطة صوبهم على مسافة بعيدة أعقبها مباشرة إطلاق عيار نارى فأسرع بالفرار فى اتجاه ميدان التحرير، ومن خلفه المجني عليها ثم سمع صوت عيار ناري ثالث وشاهد الشاهد الأول ينزف من رأسه فلاذا بالفرار سويا، ثم سمع صوت عيار ناري رابع، وشعر بإصابته بمقذوفات رشية بكتفه الأيسر، ورقبته وخصره من الجهة اليسرى، وأن المتهم أطلق العيار الناري الذي أصاب المجنى عليها من بندقية مثبت بفوهاتها كأس إطلاق ولم يطلق منها أي قنابل غاز.
وشهد العقيد مهندس «إيهاب عبد الرحمن»، أنه بفحص الأسلحة المثبتة بدفاتر سلاح الكتيبة الثانية بقطاع ناصر للأمن المركزي المسلمة إلى كل من المتهم والمجندين المرافقين له تبين أن بنادق خرطوش عيار 12 مم، ويستخدم فيها أنواع متعددة من الطلقات أقصرها شيوعا الخرطوش الرشي، والمطاطي، والطلقات الدافعة ويمكن وضع أكثر من نوع بالخزينة فى وقت واحد، وأن كاس الإطلاق المثبت بفوهة البندقية لا يؤثر مطلقًا في إمكانية إطلاق طلقات خرطوش منها، وأنه فى حالة إطلاقها على مسافة 8 أمتار يكون إثرها قاتلاً، وأن السلاح الناري المشاهد بيد المتهم بمقطع الفيديو هو بندقية خرطوش من مثيلات البنادق التي فحصها ومثبت بفوهاتها كاس إطلاق قنابل غاز، ويتخذ وضعية التصويب الأفقي، وأطلق خلال ذلك المقطع عيارين ناريين ليس من بينهما قنبلة غاز.
مرافعة النيابة العامة
أكدت النيابة العامة، في مرافعتها فى القضية المعروفة إعلاميا بـ«مقتل شيماء الصباغ»، علي أن الضابط لم يقوم بمهمته بل قام بانتهاك وإزهاق الارواح
وقال ممثل النيابة، أنه: «يتملك النيابة العامة، شعور الأسى والحزن بعد أن أباح الراعي المسؤول عن رعايته عدم الحفاظ عليه، فإذا كانت الشرطة المكلفة بحفظ الأمن جانيًا، وقاتلاً، فمهمة رجل الشرطة هو الحارس مهما كانت عيناه تغفل، فلقد نسى المتهم أنه مسؤول عن الحفاظ على الأرواح، ونسى وتناسى أن القانون الذى يحافظ عليه، فلا يعطيه الحق فى إطلاق الخرطوش، وغير عادل أن يتسبب فى أن تترك أمًا طفلها لليتم، فإذا كان الموت مصيبة فالمصيبة الأكبر أن يراها ذويها وهى تتبادل بين يدي وأخرى».
وأضاف ممثل النيابة بالمرافعة: ندعو الله أن يعيننا على حمل رسالة العدل وإظهار الحقيقة، فالنيابة العامة عانت في الوصول إلى الجانى، فإن الواقعة ما هي إلا تظاهر تحرك أفرادها من أمام مقر حزب التحالف الشعبى، وفوجئوا بإطلاق الغاز المسيل عليهم، وبمناظره النيابة لجثة المجني عليها توصل إلى تقرير الوفاة أنها إصابة بالظهر على مسافة 8 أمتار، وكان من بين الجناه المتهم الماثل.
حكم الإدانة
وفي 11 يونيو 2015 قضت محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار مصطفى حسن محمد عبد الله، بالسجن المشدد 15 عامًا على الضابط «ياسين حاتم»، في اتهامه بقتل الناشطة «شيماء الصباغ»، وإحالة الدعوى المدنية للمحكمة المختصة، وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن واقعة الدعوى حسبما استقرت بيقين المحكمة واطمأن إليها وجدانها، قد تحصل في أنه بتاريخ 24 يناير 2015 ، بخروج مسيرة من أعضاء حزب التحالف الشعبى الاشتراكي لا يتجاوز عددها 30 شخصًا لميدان طلعت حرب، وضمت تلك المسيرة المجنى عليهم «شيماء الصباغ»، وآخرين حاملين أكاليل الزهور ولافتة تحمل اسم الحزب، ويرددون عبارات «عيش، حرية، كرامة إنسانية»، فتصدت لهم قوات الأمن المركزي المتواجدة بالميدان، والتي تضم بين تشكيلها المتهم «ياسين محمد حاتم»، الضابط بقطاع الأمن المركزي، الذي بيت النية وعقد العزم على إيذاء المتظاهرين بأن أعد البندقية الخرطوش التى يحرزها بطلقات نارية خرطوش عن طيش واستخفافا بأرواح الآخرين.
إعادة المحاكمة
واسدل اليوم الاثنين، الستار علي قضية مقتل شيماء الصباغ، بعد أن قضت محكمة جنايات جنوب القاهرة، بالحكم علي الضابط المتهم الملازم أول ياسين صلاح بالسجن 10 سنوات .
وكانت محكمة النقض، قضت بقبول الطعن المقدم من ضابط الأمن المركزي، على الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة بمعاقبته بالسجن المشدد 15 عامًا، لاتهامه بقتل الناشطة شيماء الصباغ عضو التحالف الشعبى.
اقرأ ايضا