المنهج الصوفي والخروج من الأزمات
الجمعة، 16 يونيو 2017 12:07 ص
التصوف الإسلامي الصحيح هو العلم القائم على النهج القرآني والاستنان بالسنة المحمدية، الذي تتزين به رؤوس رجاله أهل التقى السالكين إلى الله بقلوب مطمئنة ونفوس راضية مرضية وأفئدة سامية مدركة لسبل الوصول للحقيقة الإلهية.
والتصوف من حيث سلوكه هو التأدب بالخُلق الإلهي وهو التعامل السامي مع الإنسانية بمفهومها الواسع الشامل الذي لا يحده دين ولا زمان ولا مكان، وهو التوجه بقلب سليم لطاعة الله، والبذل والعطاء والإيثار، وهو التسامح ونبذ العداء والكراهية، وهو الحب بأوسع معانية لبنى الإنسانية، وكذلك هو حركة دائبة لا تعرف الخمول أو الكسل، وهو العمل والنشاط والتفاعل والاندماج فى الكيان الإنسانى.
وأهل التصوف السائرون على النهج الصحيح القائم على كتاب الله والتأسي برسله وأنبيائه، هم المجتمعة قلوبهم على الله، ليس في بواطنهم لعباد الله إلا الشفقة والرحمة، الذين ينقون أخلاقهم بالفضائل، ويحثون الخلق على طاعة الله، يذكرون نعمه ويشكرونه كثيرا، هم الهينون، اللينون، المتسامحون، العافون عند المقدرة، المتذللون لله، المتعبدون، المتبتلون، أصحاب الهمم والعزيمة والإصرار والمشاعر الرقيقة والعواطف الشفيقة، المؤتنسون بالله، المحقون للحق والرافضون للباطل، الصابرون والثابتون عند اشتداد الأزمات، هم أهل العمل والهِمة والإرادة والعزيمة التي لا تهدأ ولا تكل.
والحقيقة فإنه عند ذكر لفظ التصوف أو الصوفية يتبادر إلى ذهن القارئ توجهان أولهما: مشجع للتصوف باعتباره سلوكاً يرقى بالروح إلى أجواء السعادة والراحة والطمأنينة، وثانيهما: توجه نقدي يرفض ممارسات المتصوفة الذين ينتسبون ظاهرياً إلي التصوف.
ولا يخفى أن الظروف الراهنة وما يشوبها من خلل فكري ومتغيرات متوالية وتوترات غير مسبوقة تأتي رياحها من فئات ضالة معادية لاستقرار الشعوب وأمان الوطن وحياته، أقتضت تلك الأحداث الحاجة الماسة والملحة، للوصول للطريق الأمثل للسلام والأمان والراحة.
وقد وجدت أن المنهج الصوفي بسلوكه ومعاملاته الهادئة المتزنة يمكن أن يساهم في تفكيك الأزمات وإيجاد حلولٍ للمشكلات بالمرونة والاعتدال والإقناع الفكري والروحي، والذي هو أصل أصيل من مبادئه.
ويؤمن أصحاب هذا المنهج بأن "اللين أقطع من السيف" وأن من الخلق القويم ألا يتملك الفرد أية نزعات عدائية ولا يؤذي مشاعر أحد، وأن يضع نصب عينيه خدمة الإنسانية جمعاء.
ولا تتم أدوات التحقق عند الصوفية إلا بعلو الهِمَّة، وحُسن أداء تكاليف الله تعالى مع تعظيم نعمه، فمن علت همته ارتفعت رتبته، ومن حفظ حرمات الله، حفظ الله حرماته، ومن شكر النعمة استوجب حفظها وزيادتها.
وحديثي حول التصوف والصوفية، أو - بمعنى أصح - الاتجاه الروحي الذي تُقره الأديان نجد فيه متنفساً للروح لتعيش في أجواء الحب وتذوق كل جمال، خاصة عند اشتداد الأزمات، ولا يخفى الدور الذي قام به المتصوفون في آسيا الوسطى، سواء في نشر الإسلام أو الدفاع عنه بالكلمة الطيبة والمعاملة اللينة الحسنة، بنشر حب الله في القلوب، وملء الوجدان بالإيمان والأنس بالله، والبحث عن مرضاته تعالى، والبعد عن أهواء الدنيا وجشع المال، فالمنهج الصوفي هو الدعوة إلى المحبة والتعايش الإنساني النقي دون تفرقة بين البشر، وهي دعوة الأديان وجوهرها الحقيقي.
إن الشدائد التي نمر بها الآن تحتاج جلسة مع الروح ونظرة في كتابات المتصوفة الثقات الذين عاشوا تجارب المحبة الإلهية.