سر صغير
الأحد، 11 يونيو 2017 06:29 مكتب شادي اصلان
كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل بقليل عندما عبرت مدخل كوبرى إمبابة بسيارتى، رأيت على بعد عدة أمتار نقطة صغيرة جدا من الضوء، كانت تلك النقطة هى عم سعيد، كما أخبرنى عن اسمه فيما بعد، أو للدقة هى كشاف الهاتف المحمول للعم سعيد، توقفت بجواره وأخبرته أننى ذاهب إلى الناحية الأخرى من الكوبرى لو أراد توصيلة، فركب وابتسم دون كلام.
من ملامح وجهه خمنت أنه قد تجاوز السبعين، يرتدى بدلة صيفية مثل تلك التى نراها فى الأفلام القديمة، حاولت أن أتحدث معه وعرفته بنفسى وسألته عن اسمه، ولم أستطع أن أخفى فضولى وسألته عن سبب وجوده فوق الكوبرى فى هذا الوقت، فأخبرنى أن هذا مشوار شبه يومى يقوم به للتمشية، وحكى لى عن أنه يعيش وحيدا بعد موت زوجته التى لم ينجب منها.
انتبهت أنه مازال يمسك بالهاتف المحمول دون أن يطفئ الكشاف الخاص به، فقلت له: الكشاف مفتوح.
أغلقه وهو يضحك، وقال: تعرف أنا اشتريت التليفون ده مخصوص بسبب الكشاف. وأخبرنى عن حكايته فى التمشية على كوبرى إمبابة، وعن خوفه من المشى ليلا تحسبا ألا يراه أحد قائدى السيارات فيصدمه، خصوصا أن كثيرا من السيارات التى تمر هنا لا توجد بها كشافات ضوئية، وبسبب ذلك اشترى هذا الهاتف لكى يتمكن من حمل نقطة نور أثناء جولته الليلية، فهو لا يخشى الظلام، كما أخبرنى ولكنه يخشى ألا يراه أحدهم بسببه.
ولأنى أعلم أن لكوبرى إمبابة طابقا علويا مخصصا للمشاة، فسألته –رغم أننى أعلم الإجابة- عن عدم استخدامه، فأخبرنى أن الطابق العلوى يستخدمه أحيانا بعض مدمنى المخدرات، وهو لا يأمن تصرفاتهم، ولذلك أهتم فقط بأن يكون الهاتف الذى يحمله به كشاف صغير لتراه السيارات، حتى أنه لا يعرف أى شىء فى هذا الهاتف سوى فتح الكشاف وإغلاقه.
وصلنا لنهاية الكوبرى، ولم يرفض عندما عرضت عليه استكمال الطريق إلى منزله، وبعدما وصلنا توقفنا قليلا تحت المنزل ليخبرنى بأننى لم أكن أول من يعرض عليه الركوب معه، وأنه يصادف كثيرا من يعرضون عليه مصاحبتهم فى الطريق، ولكنه عادة يرفض، إلا أن اليوم هو الذكرى السنوية لرحيل زوجته، وأنه فى أيام مثل هذه قد يحتاج الشخص لبعض الصحبة بشرط أن تكون للحظات قليلة.
شعرت بأننى أرغب فى تكرار صحبته مرة أخرى، وقبل أن ينزل سألته عن رقم هاتفه فرد ضاحكا: أقول لك سر؟ ده كشاف مش تليفون وتركنى وانصرف.
محاسب