شيطان اليأس يدفع أب لقتل أبنائه بالسم
السبت، 10 يونيو 2017 01:29 صكتب- إسلام ناجي
وقف أمام المرآة يسترجع ذكرياته، ويرى شريط حياته يمر بسرعة أمامه، تذكر المرة الأولى التى وقعت عينيه فيها على طليقته، عندما توجه إلى منزلها محملا بطبق حلويات شرقية فاخر، لخطبتها من والدها العجوز، بناءً على توصيات شقيقته الكبرى، شاهد بسمتها الهادئة التى اختفت بعد الزواج، وسرح مع صوتها الناعم، وكلماتها الرقيقة التى تحولت إلى شكوى دائمة لا تنتهى، تذكر لحظة ميلاد «هايدى»، نجلته البكرية، واجتاحته النشوة ذاتها التى سيطرت عليه عندما لمس أصابع صغيره «يوسف» للمرة الأولى، وتلألأت فى مقلتيه دمعة ساخنة، سرعان ما غافلته وسقطت على وجنتيه ليصاحبها ألم مبرح فى صدره معلنًا تذكره حضن طفليه الطويل لحظة انفصاله عن أمهما.
أخرج «إبراهيم»، علبة سجائره المحلية من الجيب الأيمن لبنطاله القماشى، وفتحها بملل وإرهاق، ليستل إحدى اللفائف بعشوائية، ويضع طرفها السفلى فى فمه، قبل أن تقتحمه الذكريات القاسية مرة أخرى، وتلهيه عن إشعالها، فاستسلم لشروده، وركن رأسه إلى المرآه بهدوء، وترك لعقله العنان ليجلده، ويقلب عليه المواجع، كعادته كل ليلة على مر السنوات التسع الأخيرة، فلم ينسَ أطفاله ولو لوهلة قصيرة، أو حتى يعتاد قلبه البعاد، ويرضى بحكم المحكمة التى أوكلت حضانة الصغيرين لأمهما عندما طالب بضمهما إليه عقب زواجها قبل ست سنوات من رجل مدمن، سىء المعشر والأخلاق، الذى يتفنن فى إذاء هايدى، ويوسفـ بدون سبب واضح، أو مبرر لأفعاله الشنيعة.
دخلت زوجة «إبراهيم» الجديدة الغرفة على حين غفلة منه، ووقفت إلى جواره دقائق ثقيلة قبل أن يشعر بها، وينظر إليها فى غضب، وأمسك بالسيجارة التى كادت تسقط من بين شفتيه المتشققة، وهو يسألها عن سبب اقتحامها خلوته دون استئذان، فدافعت عن نفسها مبررة فعلتها بقلقها الشديد عليه، خاصة بعد عدم استجابته لنداءاتها المتكررة، فهز «إبراهيم» رأسه بلا معنى، ورافقها أثناء خروجها من الغرفة، وجلسا معًا لتناول السحور، عندما خطرت له فكرة شيطانية، رضتها نفسه الأمارة بالسوء، وشجعتها عليه، فارتسمت على وجهه ابتسامة مخيفة، أقلقت زوجته التى آثرت الصمت عن الاستفهام، وهرع إلى هاتفه المحمول، ليتصل بطليقته، ويطلب منها استضافة الطفلين فى منزله المتواضع.
لم تعارض الأم إرسال صغيريها إلى والدهما، ليقضيا معه بضع ليالٍ احتفالاً بالشهر الكريم، فسعد «إبراهيم» كثيرًا، وأخرج سيجارته السابقة، واشعلها بنشاط جم، وأخذ ينفث دخانها الأبيض فى الهواء بتلذذ ونشوة، فتعجبت الزوجة من تصرفاته قليلاً، لكنها أرجعت ذلك لسعادته بزيارة أبناءه له، وحملت أطباق السحور، التى لم يمسسها أحد، إلى المطبخ، وبدأت التفكير فى فطار الغد بينما جلس «إبراهيم» فى غرفته يرتب خطته حتى غط فى نوم عميق ونسى لفافة التبغ التاسعة فى يديه حتى أنهت زوجته ترتيب المطبخ، ودخلت إلى الغرفة حاملة فى يديها زجاجة ماء بارد، واقتربت منه فى هدوء حتى لا تفزعه، ووضعت الزجاجة إلى جواره لتمسك السيجارة من بين يديه، وتطفئها، قبل أن توقظه ليشرب بعض الماء، ويكمل نومه.
فور استيقاظ «إبراهيم» من نومه فى اليوم التالى، ارتدى ملابسه البالية، وذهب إلى عمله بعد أن عرج على البقال المجاور له، وأشترى سمًا للفئران، لتمر الساعات بطيئة فى ورشة السمكرى التى يعمل بها، بسبب الحر، الصوم، وشوقه الشديد لنجليه، فاستأذن مبكرًا، وذهب إلى منزل طليقته، وقابله الصغار بحضن طويل، وقبلات كثيرة، قبل أن يصطحبهم عائدًا إلى منزله، ويجلس معهما أمام التلفاز، لمتابعة قنوات الدراما فى انتظار آذان المغرب، بينما تقف زوجته فى المطبخ لإعداد أصناف الطعام المختلفة، والحلويات المفضلة للصغار بنفس راضية وابتسامة بشوشة، وما إن انتهت حتى وضعت الأطباق أمامهم على الطاولة، وانضمت لهم.
انتهى الجميع من تناول وجبة الإفطار، وعادت الزوجة إلى مكانها الطبيعى فى المطبخ، لغسيل الأطباق، وجمع بقايا الطعام، وحفظها لليوم التالى، وانشغل الطفلان فى مشاهدة برامج الرسوم المتحركة بينما ذهب الوالد إلى عمله مرة أخرى قبل أن يعود قبيل السحور محملا بأكياس «اللانشون، والفول، والجبن، والزبادي»، فوجد زوجته نائمة، فتركها على حالها، وحضر الطعام بنفسه، بعدما وضع فيه كمية من سم الفئران، لينهى حياته، وحياة نجليه، ويتخلص من مأساته بعدما يأس الحياة بدونهما، وفور تناولهم الطعام شعر الصغيران بحالة إعياء، وصرخا من شدة الألم، فاستيقظت الزوجة على استغاثاتهما، واستنجدت بالجيران، الذين ساعدوها فى نقل زوجها وطفليه إلى المستشفى، حيث لفظ كلا من «هايدى» و«يوسف» أنفاسهما الأخيرة.