رُبع قرن على اغتيال فرج فودة.. بئس الخواتيم «فعلا»!
الجمعة، 09 يونيو 2017 01:03 م
ليس هناك حبًا أعظم من هذا، أن يقدم المرء نفسه فداءً لأحبائه، وليس هناك كرامة أعظم من أن يقرأ الفرد طالع أمته، سابقًا عصره وزمانه بربع قرن، وليس هناك أقسى من أن يُترك ذلك النابه الكاشف للمستقبل المظلم، بمفرده يحارب خفافيش الظلام، فتغتاله أياد الغدر، لأنه وضع نهايتهم أمام أعينهم، وأمام الجميع.
«إهداء، إلى زملاء ولدي الصغير أحمد، الذين رفضوا حضور عيد ميلاده، تصديقًا لمقولة آبائهم عني.. إليهم حين يكبرون ويقرأون ويدركون أنني دافعت عنهم وعن مستقبلهم وأن ما فعلوه كان أقسى علي من رصاص جيل آبائهم»، الكلمات التي قالها المفكر الراحل فرج فودة، قبل أكثر من 25 عامًا، انتشرت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، على مدار الساعات الماضية، في شكل اعتذار من نشطاء في سن أصدقاء نجل المفكر الراحل، فمؤكد أن كثيرًا منهم وعى الآن بصدق كلمات «فودة».
اصطحب المفكر نجله المهدي تلك الرسالة، وأحد أصدقائه، وهم قبل خمس وعشرين عامًا، وبالأدق في تمام السادسة و٤٥ دقيقة ليلًا، بالخروج من مكتبه الكائن في شارع أسماء فهمي بمدينة نصر، ليلاقي مصيره الذي كان في انتظاره مع شخصين من الجماعة الإسلامية، كانا يستقلان دراجة نارية، أطلقا النيران على فودة والطفلين، فأصيب الطفلان إصابات طفيفة، وأصيب المستهدف من العملية بإصابات بالغة في الكبد والأمعاء.
تم نقل «فودة» على إثر تلك الإصابات إلى المستشفى، بعد حضور سيارة إسعاف لنقله، ليظل الأطباء لست ساعات، يحاولون إنقاذه بقيادة جراح القلب، الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء حينها، إلى أن اختار الله أن تصعد روحه إليه ويُنقَذ الطفلان، ويتبين أن الجريمة جاءت بفتوى من شيوخ جماعة الجهاد على رأسهم عمر عبد الرحمن الذي وافته المنية في سجنه بالولايات المتحدة الأمريكية.
«يعلم الله أنني ما فعلت شيئًا إلا من أجل وطني»، الكلمات التي قالها فرج فودة، وهو على سرير الموت، أحيا بها أبناؤه وأصدقاؤه ذكرى وفاته الـ25، فالمفكر الراحل اهتم بالكتابة عن الجماعات الجهادية التي انتشرت في التسعينيات، وهاجم سعيها للعمليات الإرهابية، تحت اسم الجهاد في سبيل الله والفريضة الغائبة، فخصص لها كتابه «الحقيقية الغائبة»، وهو الكتاب الذي ناقش فيه تطويع النصوص القرآنية، من أجل نشر فكر الجهاد، لاستغلالها في أهدافهم السياسية.
«نكون بلا ثقافة فنكون في خطر لأننا نعجز عن تصديق ما يقوله المثقفون» (جلبرت شيسترتون)، لم يخف فودة على نفسه من التمسك بتلك الأفكار، حتى كانت المناظرة الفاصلة، والتي يعدها كثيرون القشة التي قسمت ظهره، لأنها كانت مع نائب المرشد العام مأمون الهضيبي، وعلى إثرها صدرت فتوى باغتياله، نظراً لأنه دائماً ما كان يربط بين العمليات الإرهابية، واستقلال بعض الإمارات الإسلامية في عهد السادات، وبين تغول التيار الديني النابع من جماعة الإخوان المسلمين، ومحاولة تمكين الفكر الديني لمحو ثقافة المجتمع المصري.
حذر «فودة»- بحسب دراسة اُعدت بموقع العربية- من خطر الثورة الإسلامية لعدم امتلاك الإسلاميين برامج سياسية أو اقتصادية حيث سيؤدي ذلك في النهاية إلى انهيار الدول ونشر الفتن والانقسامات والقتل والخراب، وذكر أن نمو الإسلام السياسي هو جزء من اتجاه عام في جميع البلاد الإسلامية، يمكن أن يطلق عليه اسم الثورة الإسلامية، وأن هذا الاتجاه العام، بنجاحه في إيران، أحدث انقلابًا جوهريًا في أساليب ووسائل الأحزاب السياسية الإسلامية في العالم الإسلامي، حيث طرح منطق الثورة الشعبية، أو التغيير العنيف، كبديل لأسلوب التعايش مع النظم الديمقراطية والعمل في ظلها.
«الإسلاميون منشغلون بتغيير الحكم أو الوصول إلى الحكم دون أن يعدوا أنفسهم لذلك».. جملة اقتبسها فرج فودة عن الشيخ الغزالي في مناظرته الأخيرة، والتي جمعت الشيخ محمد الغزالي، المستشار محمد مأمون الهضيبي، المتحدث باسم جماعة الإخوان حينها، والدكتور محمد عمارة، من جهة، في مواجهة فودة، ومحمد أحمد خلف الله، العضو البارز وقتها بحزب التجمع، وتابع حديثه مستشهدًا بأعمال العنف وسفك الدماء التي نُفذت على يد بعض الجماعات المحسوبة على الاتجاه المؤسد للدولة الدينية، قائلا: «إذا كانت هذه هي البدايات.. فبئس الخواتيم».
صدق «فودة» عندما قالها «فبئس الخواتيم».. بعد 25 عامًا على اغتياله نرى نبؤاته تتحقق بعد فشل الجماعة الإرهابية في حكم مصر، وحتى بعد أن رفض الشعب حكمها، حازت لقب الإرهابية بجدارة نتيجة أعمال عنف وترهيب لمواطنين أبرياء عُزل، ومحاولة استهداف أعمدة الدولة كالجيش والشرطة وتدمير المؤسسات الحيوية، وتشويه صورتها خارجيًا.
«طالما قلت لنفسي وأنا صغيرة من شدة خوفى عليك، لماذا أنا لست ابنة رجل عادي لكي نعيش حياة هادئة آمنة، كنت أكره شعوري بالاختلاف عن باقي زملائي وزميلاتي في المدرسة، ولكنى الآن دائماً أقول لنفسي لماذا ليس كل الناس أبناء رجل مثل فرج فودة، لطالما كنت أتهمك في قرارة نفسي بأنك تحب مصر أكثر من أبنائك ولكني الآن قد أدركت معنى أن تسمو بحب مصر فوق كل أحبائك وحتى نفسك، اطمئن واسترح في قبرك يا أبي، فكرك وقلمك سيبقى إلى الأبد، فكم من الناس يموت كل يوم ولا نذكر لهم شيئًا، أما أنت فمن الخالدين، وأخيرًا وليس آخر كانت جدتي رحمها الله تقول بالعامية الميت يدرا قبل الحي، أتمنى من كل قلبي أن تكون الآن كما قالت، تدري ما أرسلت لك من كلمات بالرغم من أنها لا تستطيع أن تعبر عما أشعر به نحوك من حب، افتقدك كل يوم أكثر من الذي قبله، فخورة بك وباسمي الملتصق باسمك إلى يوم الدين».. ابنتك سمر (في مقال نُشرت منذ خمس سنوات في جريدة اليوم السابع.