القصة الكاملة لرحلة «الدكتورة المشردة» من السماء إلى الأرض

الأربعاء، 07 يونيو 2017 04:33 م
القصة الكاملة لرحلة «الدكتورة المشردة» من السماء إلى الأرض
فاطمة الدكتورة الكيميائية المشردة
كتبت هناء قنديل

لم تكن حكاية أستاذة الكيمياء بجامعة الإسكندرية، فاطمة محمد عيد حسنى، مجرد قصة إنسانية لفتاة حلقت فى سماء المجد العلمى، ثم هوت إلى سفح الأرض الفقيرة، وبدلا من أن تدخل دنيا المجد العلمى، والحب، والزواج، دخلت عالم المشردين، وصارت رقما فى أعداد لا يمكن حصرها ممن يعيشون فى الشوارع، وإنما هى قضية رأى عام، تتبناها «صوت الأمة»، لتقدم للمجتمع نموذجا يكشف، كيف يمكن أن يتحول النوابغ إلى كيانات هلامية مهملة، فاقدة للرغبة فى الحياة، بمجرد أن يتعرضوا للظلم والقهر.

سيناريو تحويل «كيميائية نابغة» إلى مختلة تعيش بين دراويش الحسين

كانت البداية بفيديو قصير نشرته «صوت الأمة» بعنوان: «فاطمة الدكتورة الكيميائية المشردة»، ولم نكن ندرى أنه سيفجر كل هذا القدر من الجدل، ويكشف كل هذا الكم من المفاجآت التى أكدت أن ما تصورناه بداية الرواية، ليس سوى فصل قصير من السيناريو الذى بدأت أحداثه قبل ذلك بأعوام طويلة.
 
وانطلاقا من الفيديو الذى لم تتجاوز مدته دقائق معدودة، كشفت مصادر مقربة من أسرة الفتاة، التى كانت يوما ما شابة ناضجة، تستقبل الحياة بتفوق علمى، وعملى غير مسبوق، عن أن اسمها بالكامل، هو: «فاطمة محمد عيد حسنى»، وتحمل عضوية نقابة المهن العلمية، تحت رقم «41054»، ومقيدة بالشعبة رقم «5632»، فرع الإسكندرية، بمهنة أخصائى تحاليل طبية، بينما قال أحد الأساتذة الذين درست على أيديهم الدكتورة المشردة بجامعة الإسكندرية، إنها كانت دارسة نابهة، وتتمتع بذكاء حاد، وتتدرب لديه فى معمل التحاليل، وحصلت على دبلومة عليا.
 
وأضاف أن الفتاة كانت تعيش مع والدها، الذى يعمل موظفا مرموقا، بأحد البنوك، قبل وفاته، إلا أنها تربت على يدى زوجة أبيها، التى أذاقتها صنوف العذاب، وعاملتها بوصفها كائنًا من الدرجة الثانية بعد أبنائها الذين أنجبتهم من والد فاطمة. 
 
جذور الدكتورة فاطمة تعود إلى قرية عنيبة «النوبية»، ولكنها تربت بكوم الدكة فى الإسكندرية، حيث عاشت مع زوجة أبيها فى خلافات دائمة.
 
وبمرور الوقت وجدت فاطمة أو «منى» كما يطلقون عليها نفسها أمام قسوة شديدة من شقيقها الوحيد، وسوء معاملة من إخوتها من الأب، ودخلت فى خلافات مع إخوتها، للحصول على حقها فى ميراثها من أبيها، وهو ما فتح عليها أبواب جهنم، ولم تكن هى على دراية بسبل المواجهة، فتركت عملها، وعاشت على أعتاب المرسى أبو العباس، إلا أن شقيقها تمكن من الوصول إليها، وبدأ رحلة جديدة لمطاردتها، مما دفعها للهروب إلى القاهرة.
 
فى ميدان الحسين استقرت الدكتورة المقهورة، لتبقى هناك عامين كاملين بين أحضان الشارع مشردة، لا تجد قوت يومها، حتى ساقتنا الأقدار إليها، لنكشف حكايتها.
 
كريمة صيام، سيدة أعمال نوبية، كانت من أوائل من تحركوا فور نشر الفيديو، بحثا عن فاطمة، وقالت: «فور نشر الفيديو، وتداوله بين أهالى النوبة، اتصلنا بعمة فاطمة، التى أعطتنا رقم شقيقها فهد، وطلبنا منه الحضور للتو، ومعنا محامية، وتمكنا من نقل فاطمة إلى مصحة خاصة، ومنذ ذلك الوقت وهى فى المصحة، حيث أجرى لها فحوصات طبية على أعلى مستوى، وتم التأكد من عذريتها، وأنها مازالت بكرا، وكانت بحالة إعياء وجفاف شديدين.
 
وأضافت لـ«صوت الأمة»: «تم التأكد من خلوها من الأمراض العضوية، ولم يتبق سوى حالة الاختلال النفسى التى عانت منها، وبدأت تستجيب للعلاج فى هذا الشق أيضا».
 
وتحدث أحد جيران فاطمة، الذى تواصل معنا فور نشرنا الفيديو قائلا: «تعرضت الدكتورة فاطمة لضغوط نفسية شديدة، خاصة أن والدتها توفيت مبكرا، وعاشت مع زوجة أبيها،ولها ثلاثة إخوة غير أشقاء، فاطمة كانت صارمة،وجادة، وشديدة الذكاء، وفى فترة من حياتها تمت خطبتها لأحد مشاهير كرة القدم، وكان كابتن مصر وقتها، وفجأة حدث لها مشاكل فى عملها، وأنهت خدمتها، وأصبحت فى الشارع، فلم تحتمل».
 
وتحدث أخو الدكتورة المشردة «فهد»، ويعمل مهندسا 27 سنة، موضحا أنها عاشت طفولة مدللة، حتى انفصلت عن والدها، والأسرة بأكملها منذ عام 1999 أى ما يقرب من عشرين سنة، وبدأت الخلافات بينها وبين والدى، والتى وصلت لمرحلة القضايا والمحاكم، وأخذت على والدى حكم نفقة، وهى الآن فى الـ48 من العمر، وكانت نفسيا بحالة جيدة، حتى آخر مرة التقينا فيها، بعد وفاة والدنا بشهرين لإنهاء إجراءات المعاش.
 
وأضاف: «والدتى، وهى زوجة والد فاطمة، تعانى من جلطة منذ سنوات بعيدة، ولا تقوى على الحركة، ولم يكن لها أى تأثير على فاطمة»، مشيرا إلى أن الفترة الغامضة فى حياة أخته كانت عندما أقامت فى أحد فنادق الإسكندرية، قائلا: «هذه الفترة التى تمثل لغزا فى حياة فاطمة، وانتهت باختفائها، ثم ظهورها بالحالة التى هى عليها الآن»، مشددا على أنه لن يتركها حتى تتعافى ويعلم ما حدث لها، هو وإخوته، وأن شقيق فاطمة سيعود من الخارج أيضا لمتابعة الحالة بنفسه.
 
ولا يمكن إنهاء هذا التقرير المثير، دون التذكرة بحديث صاحبة المشكلة ذاتها، وفق ما ورد بالفيديو الذى نشرته «صوت الأمة» على موقعها، والذى قالت فيه: «أنا الدكتورة منى عثمان، حاصلة على ماجستير فى الكيمياء، ودبلومة فى إدارة المستشفيات، والدى يعيش فى الخارج، ووالدتى متوفية، ولم أتزوج بعد».. بهذه الكلمات التى بدت كطلقات الرصاص السريعة، لخصت تلك الشريدة التى تعيش على رصيف الحسين، منتظرة لقيمات يسوقها لها أهل الخير، بطاقة التعارف الخاصة بها.
 
وأضافت بأسلوب راق، ودون أن تنتظر سؤالنا: «أنا بقايا إنسانة يقتلها الجوع ألف مرة يوميا، وأعيش هنا بعدما كرهت الحياة، بسبب ما تعرضت له من ظلم، حتى إنه تم اتهامى فى قضية دعارة ظلما وعدوانا».
 
وبعد سلسلة طويلة من الكلمات غير المفهومة، التى تشبه الهذيان استعادت قدراتها العقلية من جديد لتتابع: «طردونى من شغلى، ومن شقتى، ولم أجد أمامى إلا هذا المكان، سريرى هذه البطانية، وقوتى مما يوزعه محبو الخير على دراويش المكان، وفى الليل أكتم رعبى من النوم فى الشارع بداخلى، حتى لا يتجرأ علىّ من حولى، وأنام مسلمة أمرى إلى من خلقنى».
 
«إيه اللى حصلك خلاكى فى الحالة دى»، كان هذا السؤال، هو مشاركتنا الأولى فى الحوار معها، فأجابت: «أنا عندى فلوس كتير فى البنك مش عارفة أصرفها، رغم أن معى جميع إثباتات الشخصية الخاصة بى»، وأخرجت من حقيبة بحوزتها مجموعة كبيرة من الكارنيهات، وبطاقات العضوية فى أماكن عدة، مضيفة: «أنا كنت فتاة جميلة، لكن العيشة هنا ضيعتنى، وفى إحدى الليالى، أحرقتنى فتاة تعمل فى الدعارة، موجودة هنا بالميدان، لأننى رفضت الحديث معها».
 
وواصلت: «إذا أردتم معرفة حكايتى، فعليكم بالبحث عن اسمى على الإنترنت، وستعرفون حينها كم الظلم الذى تعرضت له، حتى أصبحت متهمة فى قضية هتك عرض».
 
وقالت: «كنت الأول بأضيّع الانفعالات فى الرياضة، ودلوقتى فى القرآن، والجامع، ماصحبتش حد هنا، لأنهم مش من الوسط يتاعى، دول ناس شلق»، وانتقلت فجأة ودون مقدمات إلى موضوع آخر قائلة: «المرحومة أمى، هى أكتر حد واحشنى دلوقتى، ووحشنى حضنها»، وبعدها دخلت فى نوبة بكاء، مضيفة: «لا أستطيع العودة إلى الإسكندرية، لأنهم بيوقفولى عربجية»، رافضة الإفصاح عمن تقصدهم، مضيفة: «اسألوا عليا أساتذتى فى الجامعة، بكلية العلوم، ومنهم: الدكتور كمال قنديل، والدكتور محمد القرش».
 
وفجأة تحولت تلك الفتاة رثة الثياب، إلى واحد من أرقى مدرسى الجامعة قائلة: «دراسة الكيمياء صعبة، وتحتاج وقتا، وذكاء شديدا، وقد أدت بى إلى أننى نسيت نفسى، وكنت أرفض الخروج، والفسح، وكرست حياتى للعلم، والدراسة، حتى حصلت على الماجستير، فكان شغل المعمل هو حياتى، ورسالتى العلمية هى كل ما يشغلنى، لأننى كنت أعمل على نوع خاص، وخطير من الكيمياء، لا يمكننى الإفصاح عنه لكم».
 

وعند هذه النقطة توقفت كمن اكتشف فجأة أنه أدلى بالكثير، ولا يريد الاستمرار، فتركتنا ونحن فى حالة ذهول ما زالت تلازمنا، فهل يمكن إنقاذ هذه الفتاة من التشرد، والجنون؟! باحثة علمية ضاع عقلها وتاه فى قسوة الحياة. 

p
 

 

 

تعليقات (1)
نصيحة محب من اليمن ياأبناء مصرحافظوا عليهافهي قلب العروبة وقبةالإسلام وسقوطها سقوط للعرب جميعا
بواسطة: الصميل المشنق
بتاريخ: الجمعة، 27 سبتمبر 2019 08:42 م

نصيحة محب من اليمن.. يا أبناء مصر حافظوا على مصر ، فهي قلب العروبة وهي قبة الإسلام ، وسقوطها سقوط للعرب والمسلمين جميعا ، لا تصدقوا تجار الأوطان واصبروا على الوضع الحالي وحاولوا التصحيح فهو أفضل بكثير من هدم الدولة وتأجيج الشارع ضدها وضد الرئيس ، لأن البديل أسوأ ، فثورات الربيع العبري دمرت العرب وأنهكت الشعوب. لا تصدقوا قطر وقناة الجزيرة النصابة الصهيونية.. لا تسقطوا النظام فالسيسي أفضل ممن سيأتي بعده.. ورغم أنف الأعداء والمتآمرين ستظل مصر هي أم الدنيا.. عاشت مصر أرض الفراعنة والملوك والخلفاء والأمراء والأنبياء والعلماء والنبلاء والكرماء والشعراء والأدباء والفضلاء.. خير أجناد الأرض.. ومن أرض اليمن أقول: سلام على مصر في الأولين.. سلام على مصر في الآخرين.. سلام على مصر في الملأ الأعلى في عليين.. ورحم الله زعيم الأمة العربية جمال عبدالناصر.. وحفظ مصر وشعبها.. ولا أراها الله ما نرى في اليمن.. ولا نامت أعين الجبناء..

اضف تعليق