خيل الدوحة.. حدوتة عبد الرحمن النعيمي وضابط المخابرات القطري
الثلاثاء، 30 مايو 2017 08:59 مهشام السروجي
جلس الرجل الستيني يتناول فنجان قهوة ممزوج بالحبهان فيما بين المغرب والعشاء، يتملل على مخدعه في الركن الذي يحوي الجلسة العربية، ناظرًا إلى ساعته تمر الدقائق وكأنها عقود من الزمان، يزيد من توتره تلك الليلة الحارة التي أتت على غير موعدها في نهاية شهر إبريل.
قبل هذه الليلة بأسبوع كان المدعو عبد الرحمن عمير النعيمي، في إحدى البنايات الحكومية القطرية في انتظار تجديد جواز سفره، الذي ينتهي في 27 أبريل 2014، وبعد أن قدمه للموظف وجلس ينتظر دوره في استلام الجواز، جاء ضابط ثلاثيني وطلب منه أن يتبعه إلى مكتب الضابط الأكبر رتبة، نظرة من الدهشة كانت تعلو وجه النعيمي المقرب من القصر الملكي، وإحدى أدوات الأسرة الحاكمة القطرية في السيطرة ودعم التنظيمات المسلحة في الشرق الأوسط وخارجه.
بعد أن رحب به الظابط الكبير، وسأله أن يتناول مشروبا، طلب النعيمي أن يعرف السبب فى استدعاءه، فمال الضابط بجسده ورأسه إلى الأمام متلاشيًا أن تلتقي عينه بقسمات الغضب على وجه النعيمي، الذي بدد التوتر ملامح الثقه عليه، وتسلل الى قلبه مسحه من الخوف، فهو يعلم جيدًا مهارة الغدر التي أحتقرها سكان القصر الملكي.
سأله الضابط وهو يبحث عن مخرج من حالة الحرج التي تسود الغرفة، هل تحمل حضرتك جواز سفر رقم 00868774 ينتهي تاريخ صلاحيته يوم الأحد القادم أى بعد 3 أيام من اليوم؟.. فأجابه النعيمي بالإيجاب، فعاد الضابط إلى الوراء وأسند ظهره إلى الكرسي، وأخذ بطرف حديث كان يتأرجح بين فصي عقله، يا سيد نعيمي من الواضح أن هناك تعليمات بعدم السماح لك بتجديد جواز سفرك، وبمهارة الضابط الذي وضعه القدر في موقف لا يحسد عليه، حيث يناور أحد النخبة المقربة من أميره المضون، أضافة إلى ذكاءه الحاد الذي مكنه من عقد صفقات مع قيادات الإرهاب، وقبل أن يسأل النعيمي عن السبب، قال للأخير من المؤكد أن الإجابة ليست عندي، والواضح أنك ستجدها عند آخرين.
خرج النعيمي من المكتب وهو يضرب أخماس في أسداس من الحيرة، ومن حينها ينتظر الإجابة حتى تلك الليلة التي يودع فيها أبريل الكرة الأرضية على ميعاد آخر بعد عام.
سويعات وهو على نفس الحالة، لا يفارق نظره محيط غرفته، هذا الجواز المطروح أرضًا بجواره الجوال الغارق في بحار من الصمت وباب غرفة في انتظار أن تطرق الخادمة الآسيوية بابها لتخبره بأن ضيفه المتباطئ قد حل ضيفًا.
غفا دقائق قطعها طرق على الباب، بعده دخل الضيف إلى حجرة الجِلسة العربية، رجل خمسيني يعمل ضابطًا في المخابرات القطرية، جاء بعد أن أجرى النعيمي عشرات الاتصالات بكل مراكز السلطة في قطر بمعرفة سبب الإقامة الجبرية غير المعلنة، أخبره الضابط الضيف أن هناك معلومات شديدة الحساسية في حوزة الأجهزة القطرية، تهدد حياة وأمن النعيمي شخصيًا، بعد أن جمع جهاز الاستخبارات الأمريكية الـ"CIA" ملف عن علاقاته الوثيقة مع التنظيمات الإرهابية وقدم نسخة لوزارة الخزانة الأمريكية التي فرضت بدورها عقوبات ضده في يناير من نفس العام، بعدها بـ10 أشهر في أكتوبر من نفس العام فرضت الحكومة البريطانية عقوبات مشابهة على النعيمي، وتؤدي الإجراءات البريطانية الجديدة إلى تجميد أي أصول يملكها النعيمي في بريطانيا وتمنع البنوك البريطانية من التعامل معه.
شرح المسؤول الاستخباراتي موقف السلطات القطرية للنعيمي، موضحًا أنها جاءت تحركات الحكومة البريطانية ضد النعيمي مع تزايد الضغوط التي تتعرض لها الحكومة البريطانية بشأن العلاقات الوثيقة التي تربطها مع مشيخة قطر أحد أبرز الداعمين والممولين للتنظيمات الإرهابية في سورية ومنطقة الشرق الأوسط.
مارس عدد نواب في مجلس العموم البريطاني انتقادات لوزراء في الحكومة البريطانية لعملهم على توثيق العلاقات مع مشيخة قطر رغم الحقائق الواضحة التي تؤكد دعم الإمارة الخليجية للإرهاب وطالب النواب حكومة بلادهم بقطع العلاقات التجارية مع سلطات آل ثاني واتخاذ اجراءات ضدها وضد غيرها من مشيخات الخليج مثل السعودية والكويت بسبب دعمهم وتمويلهم للتنظيمات الإرهابية.
استمع النعيمي لحديث المسؤول واسترق النظر الى بطاقة التعريف الشخصي «الهويه» التي تحمل رقم 25463401784 التي تنتهي صلاحيتها 6 ديسمبر 2019، والخوف يقتحم كل شريان في جسده، أن يأتي اليوم الذي يعجز فيه من تجديدها.
في محاولة منه لجمع شتات أفكاره، قال النعيمي للمسؤول لم أفعل هذا بأمر من نفسي، إنما أنا رسول وما على الرسول إلا البلاغ، تعليماتي لأبو خالد السوري بتحويل 50 ألف دولار لتنظيم القاعدة في العراق، العطية التي قدمتها لحركة "الشباب الصومالي من خلال مختار روبو على وحسن طاهر عويس، شراء المواد الفيلمية والخبرية من المراسلين في العراق لقناة الجزيرة، تأمين وصول حصة شهرية للتنظيمات الإرهابية فى العراق تصل إلى 3 مليون دولار، التأكيد على التعليمات القطرية الصادرة من تميم شخصيًا لجماعة الإخوان فى الوطن العربي وخاصة في مصر، كل هذا كان خدمة للمصلحة العليا للقصر الملكي.
اسمع المسؤول لدفاع النعيمي عن نفسه، وهو يتكأ على الأرض واقفًا وهم يلملم عباءته ذهبية اللون، وهم بالأنصراف وهو يقول الأمر ليس مجرد تحديد تحركاتك يا شيخ عبد الرحمن، إننا نوفر لك الحماية من الضبطية القانونية الدولية، وحفاظا على أسرار الدولة القطرية، وهذا الأمر يتطلب أن تختفي عن العيون، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.