كيف يكون المستقبل؟

الثلاثاء، 30 مايو 2017 10:00 ص
كيف يكون المستقبل؟
كتب كمال الهلباوي

وكأن ابن تيمية ينظر إلينا ويسألنا كيف نفكر فى الجهاد بأدوات مستوردة وكيف نهدر المليارات فى شراء أسلحة من أمريكا

فى خضم الصراع الذى تشهده المجتمعات العربية والاسلامية دون بقية البشر، وفى خضم الفخر بالدين الاسلامى أو المسيحى فى غير موضع، يأتينا رمضان هذا العام والأمة أسوأ حالا عن سابقات السنين، وأصبحت تحدياتها أكبر حتى إن بعض دولها تستدعى الأعداء على أخواتها فتصنع أعداء موهومة وتركع أمام الأعداء الحقيقيين، كل هذا مع الفخر بالانتساب للإسلام أو المسيحية. 
 
وهذه نظرات أعيد طرح بعضها ونطرحها مرة أخرى هنا، إذ أن رمضان على الأبواب، وهو شهر عمل حولناه للأسف الشديد إلى شهر كسل ونوم فى العسل، وهو شهر توبة وقرب من الله تعالى حولناه إلى مسرحيات هزلية، وسهر فى غير موضعه. 
 
ولا أعرف أحدا يملك فى يديه مفاتيح الجنة أو النار. ولكنهم بالعمل جميعا - فى إطار من الثقة الكاملة - يستطيعون امتلاك مفاتيح القوة فى الدنيا ويستجلبون الرحمة والعدل فى الآخرة، فالحديث العظيم للرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم يدفعنا إلى امتلاك تلك المفاتيح، مفاتيح القوة حيث يقول «إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه يحتسب فى صنعته الخير، وراميه، والممد له».
 
فإذا تأمل القارئ هذا النص العظيم يجد أن الصناعة من أبواب الخير العظيم، ومن مفاتيح الجنة فضلا عن التقدم والنماء، وينبغى علينا جميعا أن نفرح بهذا النص الواضح العظيم وذلك للفارق الكبير والشرط الواضح فى إطار التقدم فى الصناعة وإمتلاك القوة.
 
الفرق الكبير فى فلسفة الصناعة بيننا وبين الغرب المادى الظالم بقوته وصناعته، انظر أيها القارئ الى قول الرسول صلى الله عليه وسلم «صانعه يحتسب فى صنعته الخير»، هذا النص يدفعنا جميعا الى ضرورة صناعة القوة، ولكننا عندما نصنع أو نخترع هذه القوة نحسب فى صناعتها الخير للنفس وللآخرين، فالصانع أيا كانت صناعته فى الطب أو الزراعة أو التغذية أو التقنية أوغيرها، يصنع ويتقدم وهو يمتلك نية حضارية إذ يريد بصناعته الخير له وللبشرية جميعا. 
 
فالصانع الحضارى لا يستغل ولا يهدم بصناعته، بل يستخدم هذا التقدم للبناء طبعا، هذا النص يوضح لنا أيضا مدى الخسارة الكبيرة التى يتعرض لها العالم كله بسبب إهمال مثل هذه النصوص، فنحن نستورد كثيرا لأننا لا نصنع، ونحن نحتاج الى عملة صعبة حتى نستورد، ونستسهل الدخل من السياحة لأنها أسهل من الصناعة، وإن كانت صناعة السياحة أيضا صناعة عظيمة بضوابطها ولا تغنى عن الصناعات الأخرى. 
 
رأيت ماكينات كثيرة مستوردة فى مصر حتى على ابواب المطارات وداخل المحلات التجارية الكبيرة ومواقف السيارات ومنافذ المرور على الطرق السريعة، وتعجبت لماذا نستورد مثل هذه الماكينات البسيطة ونحن نستطيع أن ننتج أكثر منها تعقيدا وتقدما، هذا مثال بسيط واضح لكل ذى عينين، وقس على ذلك أيها القارئ الكريم الكثير من الماكينات والآلات التى نراها فى المستشفيات والطرق بل والمصانع، فكرت فى هذا الأمر وعلاقته بالبنك الدولى وصندوق النقد الدولى وبرامج الاستثمار وتقدم الغرب، وتساءلت بينى وبين نفسى أين الهيئة العربية للتصنيع ؟ وأين دفنت طموحات الأمة وآمالها. 
 
من هنا تتضح ضرورة العودة الى النص العظيم «صانعه يحتسب فى صنعته الخير» الفرق واضح بين صناعتنا عندما نصنع حتى الصناعات الحربية، وبين غيرنا عندما يصنع، نحن بسبب القيم والحضارة نصنع ونتمنى أن نستخدم الصناعات فى الخير دون استغلال أو احتلال، وغيرنا يصنع ليستغل وليحتل، والمثال واضح تماما فى كل الحروب العالمية والاقليمة والمحلية، ومثال أفغانستان والعراق وفلسطين وسوريا واليمن وليبيا والصومال مثال صارخ واضح لا لبس فيه. 
 
ولذلك فإن من أعظم ما قام به أهل المقاومة العظيمة فى فلسطين فضلا عن صمود الرجال والنساء والأطفال والأسرى، هو صناعة الصواريخ التى قيل عنها، من المنهزمين والفاسدين والعملاء، إنها عبثية، وقامت إسرائيل بتدمير حتى ورش الحدادة والكهرباء والميكانيكا فى غزة بسبب تلك الصواريخ العبثية حتى لا تشهد مزيدا من التطوير والتقدم، وهنا أهل فلسطين يحتسبون فى صناعة تلك الآلات الخير، لهم وللأمة، فهم يصنعون ليحرروا أنفسهم من الاحتلال وهذا من أعظم وجوه الخير، تساءلت لو أن أهل فلسطين هؤلاء لم يكونوا تحت الحصار لمدة عشر سنوات فقط فماذا كانوا سيفعلون وخصوصا لو أنهم وجدوا المواد الخام اللازمة للصناعات المدنية والعسكرية، ولكنهم بدلا من ذلك حوصروا حتى من مصر الأخت الكبرى للعالم العربى والتى رعت قضية فلسطين منذ نشأتها وضحت من أجلها بالغالى والنفيس، ثم خرجت من هذا الخط العظيم وخصوصا بعد كامب ديفيد المشئومة، ووصل الامر إلى بيع الغاز لهم بسعر التراب، بل واستيراد الغاز مؤخرا منهم وبأسعار عالمية، للأسف فإننا نشهد حصار أهل غزة وتلفيق التهم لحماس وحزب الله فى إطار استعباد الكيان الصهيونى لحكام العرب، وخصوصا فى ضوء رحلة ترامب الى المنطقة، تساءلت أيضا فى إطار هذا النص العظيم، أين أهل الحركات الأسلامية والفهم الشامل من هذه النصوص التى تنهض بها الأمة جنبا الى جنب مع السياسة والبرلمان والانتخابات وما ينفق عليها من جهد وأموال طائلة، وجدت بعضهم مشغولين بفتاوى شاذة حتى فى أخطر الأوقات والتحديات التى تمر بها الأمة وبعضهم منغمس بالتفاخر بالاسلام أو المسيحية فى عصور التخلف والتراجع والانحطاط الحضارى. 
 
ولقد وجدت كذلك فرقا هائلا بين فهم أهل السلف ومنهم الأمام العظيم ابن تيمية، وبين شكلية فهم كثير ممن ينسبون انفسهم الى السلف والسلفية دون تسلف حقيقى، أقول هذا الكلام سائلا كل من ينسب نفسه الى السلف الصالح ألا يغضب وأن يسعى للخروج من الشكلية الى الجوهر والمضمون العظيم، وفق ما قاله الامام ابن تيمية فى فتاواه بشأن الصناعات، وخصوصا الصناعات والعلوم العسكرية، ومن الجميل والعجيب فى فهم ابن تيمية قوله عن الصناعات «وتعلم هذه الصناعات هو من الأعمال الصالحة لمن ينبغى بذلك وجه الله عز وجل، فمن علم غيره ذلك كان شريكه فى كل جهاد يجاهد به، لا ينقص أحدهما من الأخر شيئا كالذى يقرأالقرآن ويعلم العلم». 
 
وهكذا يزاوج ابن تيمية بين المختصين بالصناعات والعلوم العسكرية وبين المختصين بعلوم القرآن والقراءة، ثم يقول ابن تيمية فى فتاواه العظيمة عن الصناعات والمهن «فما كان مفقودا فى المجتمع صار إجباريا وفرض عين، فإذا وجد الى الحد الذى يكفى الناس صار اختيارا، وأفضل الصناعات هى الصناعات الحربية لأنها وسيلة الجهاد وعدته» انظر الفتاوى المجلد 28. وكأن ابن تيمية من التاريخ البعيد ينظر إلينا هنا، يسألنا كيف نفكر فى جهاد أو حرب بأدوات مستوردة ؟ وينبغى أن نسأل أنفسنا كيف نهدر مئات المليارات فى شراء أسلحة من أمريكا وغيرها فى عهد ترامب وغيره لكى ندمر بها أنفسنا وإخواننا، وكانت تكفى لإنشاء أكبر صناعات وأفضلها فى العالم. وكل عام وأنتم والوطن والأمة جميعا بخير. أعاده الله تعالى علينا وعليكم رمضان بالخير والبركة، وزوال إسرائيل ومن وراءها، «وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ». 
 
وبالله التوفيق

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق