صدق أو لا تصدق.. «زيدان» كان متحمسا لعروبة القدس

يوسف زيدان يواصل الصعود للهاوية

الإثنين، 22 مايو 2017 07:30 م
يوسف زيدان يواصل الصعود للهاوية
يوسف زيدان
كتب حمدي عبد الرحيم

الذين يعرفون الأستاذ يوسف زيدان، يعرفون عنه ولعه بنفسه، وبحثه الدائم- الذى لا يفتر- عن الأضواء، وفى سبيل البقاء تحت الضوء يقول الشىء وعكسه، ويتحرى اتجاه الريح لا ليسايرها ولكن لكى يعاكسها، فإن كانت شمالية اتجه جنوبًا، وإن كانت شرقية ولى وجه ناحية الغرب، ثم هو رجل لا ينزل البحر إن كان هادئًا، إنه يتخير ساعة أن يكون الموج كالجبال فيقفز قفزة لا يبالى بعاقبتها، فلا يهمه المصرع قدر ما تهمه صورة مصرعه.

أعرف أن ما سبق يصلح وصفًا لمغامر مقامر يبحث عن متعة الظهور وليس تحقيقًا لشخصية مفكر أو مصلح، وذلك لأن المفكر والفيلسوف والمصلح- بل المثقف الطليعى- كل هؤلاء يقدمون أفكارهم- لا ذواتهم- لتتصدر المشهد، وأنت إن راجعت شريط حياة يوسف زيدان منذ علا نجمه ستجد ذاته أولًا وذاته عاشرًا، ثم فى مرتبة متدنية لا تكاد تلحظ ستجد فكرته. تلك هى حقيقة الرجل عندى بعد قراءة أشبه بالدراسة لكتاباته، وطول تأمل لمواقفه وتصريحاته، وسأقيم الدليل على صدق فكرتى عنه.
 
القراء يعرفون الأستاذ يوسف زيدان قبل أكثر من عشرين سنة بوصفه محقق تراث، وصاحب كتابات عن الصوفية، وهذا ما كان من شأنه حتى علا نجمه بكتابته لرواية «عزازيل»، التى أثارت جماعات من آباء الكنيسة وحصدت البوكر وظهرت فى قوائم الأعلى مبيعًا، ومن يوم «عزازيل» راح الرجل يتبجح ويلقى بسهم فى كل اتجاه لعله يصطاد المزيد من الظهور والنجومية.
 
قبل أشهر كان «زيدان» ضيفًا على ندوة بالمملكة المغربية، وكان يتحدث كغيره، ثم لما لم يجد ما ينعشه من ضوء، أشعل سيجارة فى ندوة تحرم التدخين على الجالسين على منصتها، فطالبه أحد المغاربة المسئولين عن الندوة بإطفاء سيجارته، فأصّر على المضى فى التدخين، فتحقق له ما أراد من سرقة الكاميرا، وانشغل الإعلام بسيجارة زيدان عن فكرته!
 
فهل هذا عمل المصلح والمفكر؟
الإجابة لدى القارئ المنصف.
 
ثم عندما خفت ذكر السيجارة واختفى فى دوامة الأحداث، تاقت نفس زيدان للضوء فخرج على الناس بتصريح تليفزيونى، يعنى موثق بالصوت والصورة! ملخصه أن القائد صلاح الدين الأيوبى، هو «أحقر شخصية ظهرت فى التاريخ الإنساني»!
 
بداية لست معنيًا بالدفاع عن القائد الفذ صلاح الدين الأيوبى، فهو ككل الأفذاذ حمّال أوجه، وله وعليه، الذى يعنينى هنا هو استخدام زيدان الذى يقدم نفسه بوصفه المفكر التنويرى المصلح، لأفعل التفضيل «أحقر». فى نقطة صلاح الدين الأيوبى يبدو الأستاذ زيدان مربكًا لغيره ومرتبكًا هو أمام ذاته، فبالرجوع إلى أرشيفه وما أغزره سنجد أن الأستاذ زيدان كان يكتب مناديًا بعروبة القدس، وقد كتب عن هذه القضية كثيرًا بل كثيرًا جدًا، ثم فجأة ظهر على الناس بوجه غير الوجه الذى يعرفونه، فكتب وقال إن المسجد الأقصى الوارد ذكره فى القرآن الكريم ليس هو المسجد الموجود فى فلسطين المحتلة، فالمسجد الأقصى كما زعم موجود فى الطائف بالمملكة العربية السعودية، وما أبعد بلاد الحجاز عن بلاد الشام.
 
هنا يجب أن ننتبه جيدًا لنقطة مركزية فى النقاش، وهى أن للقاضى أن يعدّل حكمه إذا ظهرت فى القضية التى ينظرها أدلة جديدة تحدث تغييرات جوهرية، وبغير ذلك فإن تعديل الحكم يعد عبثًا ولهوًا، والعبث واللهو لا يليق بحق القضاة ولا بحق الذين يطرحون أنفسهم مفكرين وإصلاحيين ومصلحين.
 
لقد قال «زيدان» فى تبرير انقلابه على شامية الأقصى، إنه راجع أفكاره، وذلك تبرير مضحك.
 
قضية الأقصى- وهى جد خطيرة- تفرعت عنها لدى زيدان قضيتان، الأولى هى قضية عروبة القدس الذى كان زيدان متحمسًا لها ثم نسفها بعد ذلك نسفًا. عندما كان «زيدان» متحمسًا لعروبة القدس ومثبتًا لها كان يصف القائلين بغير رأيه بأنهم يمارسون «دياثة الصحافة»، ثم جرت تحت جسوره مياه- الله أعلم بها- فبدأ يشكك فى ما كان يقينه، ونسى وصفه لمخالفيه بالدياثة، ففى منتصف العام 2014 نصب زيدان مدفعية ميدانه وراح يقصف حقيقة عروبة القدس فى أذهان العرب سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين، وهو فى سبيل الوصول لهدفه يخلط عامدًا بين تاريخ قبة الصخرة وبين تاريخ المسجد الأقصى.
 
وبعد أن فرغت مدافعه من طلقاتها، راح يحشو مدافعه ثانية لكى يقصف شخص صلاح الدين الأيوبى الذى يمثل القضية الثانية التى تفرعت عن القضية الأولى، فصلاح الدين احتل مكانته فى القلب والذهن العربيين، ليس لكونه الحاكم الديمقراطى أو التنويرى الثائر أو المفكر الجهبذ، «الأيوبى» محترم عند الأغلبية لارتباطه بالتحرير، هو لدى الأغلبية الكاسحة بطل معركة تحرير القدس ومن ثمّ تطهير الأقصى من رجس احتلال الصليبين. فما معنى أن يمد زيدان الخيط لآخره فينفى وجود الأقصى فى القدس، ثم ينفى عروبة القدس ذاتها، ثم يصف صلاح الدين بأنه الشخصية الأحقر؟!
 
فى صالح مّنْ يصب هذا الهجوم؟
سأكتب من فوق المنضدة لا من أسفلها وأقول: هذا الهجوم الشرس لا يصب فى غير صالح الصهاينة.
 
والدليل على ذلك ما كتبه وزير الحرب الإسرائيلى، أفيجدور ليبرمان، على حسابه بالفيسبوك: «أنا سعيد للغاية بتصريحات المؤرخين المصريين التى تنزع القدسية عن أكبر إرهابى فى التاريخ الإسلامى صلاح الدين، وعن أسطورة المسجد الأقصى المصطنعة، هذه بداية عودة التاريخ إلى أصوله وردّ الحق إلى أصحابه، وتؤكد أن أورشليم القدس هى العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل العظمى». 
 
وفى هذا السياق نذّكر الجميع بأن ليبرمان هذا هو الذى هدد بقصف السد العالى ليهدم مصر التى تمثل خطرا دائما على أمن كيانه.
 
لدينا عقول مثل عقل الأستاذ زيدان، فليستخدم كل منا عقله وليحكم وجدانه وليستفتِ قلبه.
 

 

تعليقات (2)
لا فض فوك
بواسطة: منال الملا
بتاريخ: الثلاثاء، 23 مايو 2017 04:35 م

الغريب أن هناك من هو مبهور به ويصدق هراءه

توضيح موقف يوسف زيدان من قضيه القدس
بواسطة: رجاء عدلي
بتاريخ: الثلاثاء، 23 مايو 2017 08:44 م

مقال رائع ...أشكرك علي التوضيح

اضف تعليق


الأكثر قراءة