كيف اخترق «الدواعش» الصعيد؟ (قراءة في عقل التنظيم)
الخميس، 27 أبريل 2017 05:52 م
شهدت الفترة الماضية، سقوط عدد من الخلايا الإرهابية، التي تمكنت من إيجاد موطئ قدم لها في الصعيد، خاصة في ظل ما تعانيه الشخصية الصعيدية، من العيش في مجتمع منغلق، يكرس للعنف، عبر قضايا الثأر، وسط بيئة خصبة لانتشار السلاح.
ويطرح انتشار تنظيم داعش الإرهابي، والفكر التكفيري الذي يروج له، أسئلة عدة منها، كيف اخترق هذا الفكر عقول الشباب بالصعيد؟ وما إمكانية توغل هذا الفكر بين الشباب؟ وهل يمكن مواجهته أم أنه وجد البيئة الصالحة بما يكفي لإعادة تنظيم نفسه وصناعة أعوان جدد؟
ويحذر الخبراء في مكافحة الإرهاب، والاستراتيجيون الأمنيون، من أن البيئة الصعيدية، تمثل حاضنة خصبة، يمكنها أن تساعد النشاط المتطرف على النمو هناك؛ حيث تتوافر الأراضي الجبلية التي يسهل استخدامها في إقامة معسكرات التدريب، فضلا عن سهولة الحصول على السلاح، من التجار المنتشرين هناك، وترسانات الأسلحة المخزنة في كل شبر بالجنوب، لدعم معارك الثأر، وفرض السيطرة، والنفوذ على الأراضي المتنازع عليها بين العائلات.
ويرضع الخبراء على مائدة المناقشة، التي تجريها «صوت الأمة» في هذا المجال، معاملا إضافيا يزيد من خطورة الموقف بالصعيد، وهو أن عددا كبيرا من الهاربين من أحداث العنف التي وقعت على مدار الأعوام التالية لثورة 30 يونيو، ذهبوا إلى مناطق انتشار، تنظيم داعش الإرهابي، بسوريا، والعراق، وخاضوا تدريبات شرسة على أعمال القتال، في بيئة تشبه تلك التي تتسم بها سيناء، ومحافظات الصعيد.
فإذا أضيف إلى ذلك غياب الحكومة، عن واجبها نحو الفئات المهمشة، وإهمالها لـ 90 % من الخدمات الواجب تقديمها للأهالي في الجنوب، نجد أنفسنا أمام إمكانية مرعبة، لتفشي الفكر التكفيري الإرهابي بين الشباب هناك.
أرقام خطيرة
تشير الأرقام التي تعلن من خلالها الأجهزة عن أعداد، وأماكن المقبوض عليهم في قضايا متعلقة بالإرهاب إلى أننا بصدد أزمة حقيقية، في ضوء المتعارف عليه من أن ما يتم ضبطه من جرائم، يمثل 10 % فقط من حجم النشاط الإجرامي.
وألقت الأجهزة الأمنية خلال الأيام الماضية فقط القبض على 100 متهما، في قضايا إرهاب، ينتمي الموقوفين فيها إلى محافظات الصعيد، والذين وجهت لهم النيابة العامة تهم الانضمام لتنظيم داعش ومبايعة زعيمه أبوكر البغدادي، والاشتراك في الترويج للفكر الإرهابي، وتنفيذ عدد من العمليات التي استهدفت قوات الأمن.
ويرى الخبراء أن ما يجري حاليا، يمثل محاولة لاستغلال طبيعة البيئة، والأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية المتردية في الصعيد، لإعادة إحياء إرهاب القرن الماضي، حينما انطلق من الصعيد، على يد الجماعة الإسلامية.
مخابئ الإرهاب في الصعيد
وإلى جوار مخابئ الإرهاب في قنا، المتمثلة في قرى ونجوع الشويخات، والسمطا، الحجيرات، والحميدات، وغيرها، تنتشر العناصر الإرهابية في أماكن أخرى بالمحافظات مثل: "أبوهلال"، بالمنيا، وهى منطقة يسكنها ما يقرب من ١٥٠ ألف مواطن، وتعج بالعشوائيات، ويسيطر عليها عناصر جماعة الإخوان، والجماعة الإسلامية.
وتعد منطقة أبوهلال، الأرض التي نشأ فيها عاصم عبدالماجد، أحد أخطر القيادات الإرهابية الهاربة في الخارج، منذ فض اعتصام رابعة العدوية، قبل 4 سنوات، كما شهد هذا الحي انطلاقة أعمال العنف ضد الأقباط، وضد مؤسسات الدولة، في أعقاب ثورة ٣٠ يونيو 2013.
وحتى قرب القاهرة، وتحديدا في محافظة الفيوم، تنتشر مخابئ الإرهاب، ومحاضن الفكر التكفيري، ومنها قرية، تسمى "منشأة عطيفة"، تضم العشرات ممن تلقوا دروسا دينية، في الكتاتيب، على يد أحد العناصر التكفيرية العائدة من أفغانستان، كما ينتشر المروجون للفكر المتشدد بمراكز سنورس، ويوسف الصديق.
ولا يختلف الأمر كثيرا عندما نذهب بأبصارنا إلى بني سويف، وتحديدا في قرى الميمون، وبني عدي، وسربو، ودشاشة، وملاحية ببا، وكوم الصعايدة.
بيئة خصبة وكثافة سكانية تصعب المواجهة
ويعلق على هذا الطرح، الخبير الأمني، العميد خالد عكاشة، قائلا: "البيئة الصعبة التي يعيش فيها أهالي الصعيد، تعد بيئة مثالية، لنمو الفكر المتشدد، ومنحه القدرة على اكتساب مزيد من الأعوان"، مشيرا إلى أن حدوث ذلك سيضع الدولة في مواجهة صعبة، في ظل الكثافة السكانية في الصعيد.
وأضاف أن تنظيم داعش، أثبت أنه يجيد اختيار العناصر التي يعمل على تجنيدها، مستغلا في ذلك كل الوسائل المتاحة، من شحن معنوي ضد إهمال الدولة والمجتمع، لمتطلبات الحياة لدى الشباب، إلى الضغط على العقوب بالوسائل التقنية المتطورة، وفي مقدمتها الترويج لأفكار متشددة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضح أن العناصر المتطرفة، التي تتولى تجنيد الشباب، تتعامل مع الأمر على أنه عقيدة، مما يجعلها تنجح في إقناع الشباب المغرر به، والذي يشعر بالغضب تجاه تجاهل الدولة له، لافتا إلى أن الوجود القوي للمتشددين بالصعيد، يصنع تحولات فكرية خطيرة تصب في مصلحة داعش.
وحذر عكاشة من أن عدم التحرك السريع لمواجهة التفاعلات الجارية الآن بالصعيد، من الممكن أن تؤدي إلى أزمات أمنية واجتماعية كبيرة، تواجهها الدولة خلال السنوات القليلة المقبلة، داعيا إلى تنظيم مؤتمرات دينية، وسياسية كبرى بالصعيد؛ من أجل بحث حل هذه المشكلة مع الأهالي أنفسهم، باعتبارهم المعنيين بهذا الأمر.
وطالب الخبير الأمني، بوضع خطط عاجلة لنشر التنمية، والانضباط الأمني في وقت واحد بالصعيد، مع تطهير الظهير الصحرواي من البؤر الإجرامية، معتبرا أن فرض هيبة الدولة في هذه المحافظات، لا يقل في أهميته عن المعركة التي تخوضها الدولة حاليا في سيناء.
وأضاف: "يمكنني أن أؤكد أن ما يجري في سيناء، لن يتمكن المجتمع المصري، من الشعور بتأثيره الإيجابي على الأمن، والاستقرار، دون التوجه إلى الصعيد، وخوض معركته المهمة، للبناء، والتطهير.
أقرأ ايضا:هنا يسكن الإرهاب والفقر الدكر.. «صوت الأمة» تخترق مثلث الرعب فى الصعيد الجوانى.. سلسال الدم والانتقام عرض يومى.. لا وجود للدولة ورصاص الثأر يغلق المدارس.. حرب «أبو فتلة بيضا» مع «أبو فتلة سودا».