بعد زيارة السيسي لواشنطن.. هل تتمكن مصر من تعديل شروط «الكويز»؟
الثلاثاء، 25 أبريل 2017 03:26 محسام الشقويرى
على الرغم من الترويج المستمر منذ عام 2004 حتى الآن لأهمية «اتفاقية الكويز» بين أمريكا وإسرائيل من ناحية، ومصر من ناحية آخرى، وما يمكن أن تحققه من مكاسب للاقتصاد المصري، وعلى رأسها إنقاذ صناعة المنسوجات إلا أنه بعد أكثر من 13 عامًا مازال المصريون يسعون لخفض المكون الإسرائيلي المتفق عليه عند تصدير منتجاتهم لأمريكا، أسوة بدولة الأردن، وما زال الأمريكيون يدعمون إسرائيل على حساب مصر، بما تضمنته من شروط تحيزت في المقام الأول لمصلحة الإسرائيليين دون أن يكون هناك أي مساواة بين الطرفين.
وكانت بنود الاتفاقية التي وقع عليها من الجانب المصري آنذاك، برئاسة الوزير الأسبق رشيد محمد رشيد، عمدت على أن تكون نسبة المكون الإسرائيلي 11% على الرغم من مطالبة المصريين أن تكون النسبة في حدود الـ8 %، ذلك بالمثل، كما تم مع دولة الأردن التي وقعت نفس الاتفاقية، إلا أن الجانب الأمريكي أصر على رفع النسبة ترضية لإسرائيلي، واستمر في تطبيقها حتى الآن، الأمر الذي دعا المصريون إلى التقدم بطلبات للجانب الأمريكي لتعديل النسبة، وهو ما قام به وزير التجارة والصناعة طارق قابيل خلال لقائه ويلبور روس وزير التجارة الأمريكي في زيارته الأخيرة لأمريكا.
بينما لم يصل حجم الطلبات إلى ابعد من ذلك، على الرغم من البنود الأخرى المجحفة، ففي الوقت الذي تشترط فيه أن تحتوي السلع المصرية لتتمتع بالإعفاء على نسبة من مدخلات المكون الإسرائيلي، لا يشترط ذلك على إسرائيل لتتمتع السلع المنتجة بإعفاءات عند دخولها أمريكا.
كما تم إعطاء رجال الأعمال الإسرائيليين فرصة احتكار توريد نسبة الـ 11% من مدخلات السلع المصرية، ما يعطيهم الفرصة لزيادة الأسعار الأمر، الذي يتنافى مع مبدأ حرية التجارة، كما يقلل من مزايا الإعفاءات الجمركية التي تتمتع به السلع المصرية في السوق الأمريكية، وعلى الرغم من كل الإنحيازات يأتي التحدي الأكبر الذي يجب أن تخوضه مصر بدفع جهودها نحو عقد اتفاق تجارة حر مع أمريكا أسوة بدول آخرى، ودون اشتراط أن تستورد من إسرائيل نسبة معينة من مدخلاتها.
ومن جانبه أكد الدكتور عبد الخالق فاروق الخبير الاقتصادي، أن الاقتصاد المصري لم يستفيد من اتفاقية «الكويز»، وأن الاستفادة الكبرى كانت لصالح رجال الأعمال المصريين الذين لهم علاقات بأمريكا وإسرائيل، لافتا إلى أن ربط الاقتصاد المصري بإسرائيل يحمل الكثير من الأضرار، وخاصة في ظل غياب رؤية استراتيجية متكاملة، وخطة للهيكلة والتوزيع الإقليمي لقطاعات الإنتاج السلعي بما يخدم الناتج المحلي ويدعم الاحتياطي النقدي.
بينما تساءل معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى عن حاجة مصر لاتفاق تجارة حرة مع الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أنه نظرا للعديد من العوامل التي تعرض إقامة مثل هذا الاتفاق، فإنه يجب على واشنطن أن تدفع المصريين للاستفادة من الآليات القائمة، وخاصة المناطق الصناعية المؤهلة والتي تعرف بـ«الكويز».
وأشار الباحث هيثم حسنين، الزميل لدى المعهد الأمريكي، في تحليل منشور على الموقع الإلكتروني لمعهد واشنطن إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال زيارته لواشنطن، دعا والوفود المرافقة له إلى إحياء الشراكة التجارية بين البلدين، بما في ذلك احتمال توسيع نطاق اتفاق التجارة الحرة بين القاهرة وواشنطن.
ولفت إلى أنه يجب على الولايات المتحدة أن تؤكد على أهمية المناطق الصناعية المؤهلة، التي تتعلق بمواقع التصنيع في مصر التي تستفيد من صفقات التجارة الحرة الأمريكية مع إسرائيل، لافتا إنه في الواقع لم تحقق مصر بعد أقصى إمكانات المناطق الصناعية المؤهلة، حيث إن معظم المنتجات المصرية التي تدخل الولايات المتحدة، حاليا، هي المنسوجات.
وتابع: «لذا فإنه يمكن إضافة مجموعة من المنتجات الجديدة إلى القائمة لتحقق مصر استفادة من استخدام المناطق الصناعية المؤهلة بشكل كامل»، مشيرا إلى أن المصريين ربما غير مستعدين لاتخاذ مثل هذه الخطوة، انطلاقا من مخاوفهم بشأن تعزيز علاقات إضافية بين الشركات المصرية والإسرائيلية.
وللوهلة الأولى، قد ينظر المصريون إلى اتفاقية التجارة الحرة كخيار أكثر جاذبية من مجرد تعزيز استخدام المناطق الصناعية المؤهلة. والواقع، بحسب الباحث، أن مثل هذا الاتفاق يمكن أن يوسع من وصول أسواقهم إلى السوق الأمريكية الكبرى، ما يعزز صادراتهم. غير أن تحليلا أوثق يبين أن نحو 45% من الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة تأتي بالفعل من خلال المناطق الصناعية المؤهلة.
والأهم من ذلك، أنه من أجل الوفاء بشروط اتفاقية التجارة الحرة، سيتعين على مصر إجراء تعديلات مكلفة بينما البنية الأساسية المؤسسية للبلد ليست معدة لها. وعلى سبيل المقارنة، فإن القواعد المرنة للمناطق الصناعية المؤهلة، فيما يتعلق بمنشأ المنتجات، تسمح بالواردات السخية من المنسوجات، بما في ذلك الملابس الجاهزة، فضلًا عن السلع الأخرى.
ووفقا لأحدث الإحصاءات الصادرة عن مكتب الممثل التجاري الأمريكي، بلغت الصادرات المصرية إلى السوق الأمريكية عام 2013، 1.6 مليار دولار.
وبصرف النظر عن المنسوجات والملابس الجاهزة الخاضعة للمعاملة التفضيلية في المناطق الصناعية المؤهلة «الكويز»، فإن الصادرات الرئيسية الأخرى تشمل النفط والحديد والصلب.
وتتمتع هذه المنتجات أيضا بإمكانية الوصول إلى التجارة الحرة أو لديها ترتيبات خاصة لدخول السوق. وعلاوة على ذلك، فإن برنامج التجارة الأمريكية المعروف باسم «نظام الأفضليات المعمم»، يوفر بدلات إعفاء من الرسوم الجمركية للعناصر المؤهلة مثل المجوهرات والمنتجات الزراعية والمواد الكيميائية والمعادن والرخام والسجاد، على الرغم من أن هذه النسبة لا تمثل سوى 4.8% من مجموع صادرات مصر إلى الولايات المتحدة.
ويؤكد الباحث على أن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى توقيع اتفاق تجارة حرة مع مصر، فضلا عن أن الديناميت المصرية، تشير إلى أن مصر سوف تفشل في تلبية الشروط الأمريكية التي يتطلبها هذا الاتفاق.
ويوضح حسنين عدة عقبات في سبيل هذا تتمثل في أن المستثمرون الأمريكيون يسعون إلى تحقيق الكفاءة وليس فقط بيئات الإنتاج المنخفضة التكلفة. ويشير إلى أنه بناء على تقرير البنك الدولي فإن مصر تأتي في المرتبة 131 بين 189 بلدا فيما يتعلق بأفضلية بيئة الأعمال الوطنية، ومن ثم فإن الجمع بين المطالب الأمريكية المفرطة ومناخ الأعمال الضعيف من شأنه أن يضعف تنفيذ الاتفاق، مما يثبط الأمريكيين عن الدخول في اتفاق.
ويخلص هيثم حسنين إلى أنه حتى لو افترضنا أن مصر اتخذت جميع الخطوات اللازمة لمواجهة الاعتراضات الأمريكية المحتملة المحيطة باتفاقية التجارة الحرة، يجب النظر إلى التحول في الرأي العام الأمريكي المناهض لاتفاقيات التجارة الحرة، كما يتجلى بشكل واضح في الحملة الرئاسية لعام 2016. كما أنه من الناحية العملية، يمكن أن يكون أي اتفاق مع مصر رهينة للمساومة على التعديلات على الاتفاقات القائمة مثل «نافتا».
ويقترح الباحث، نظرا للعديد من العوامل التي تعارض وجود صفقة تجارة حرة بين البلدين، أن تعمل الولايات المتحدة بدلا من ذلك على حث المصريين على استثمار المزيد في المناطق الصناعية المؤهلة. ويمكن أن يشمل ذلك امتياز محتمل للقاهرة يتمثل في خفض نسبة المدخلات الإسرائيلية، وهو طلب مصري طويل الأمد. ومع ذلك، يجب على المسؤولين الأمريكيين في إطار هذا الحل التوفيقي أن يوضحوا أن مصر تحتاج إلى أن تكون شريكا واقعيا وعمليا وبناءً لإسرائيل في المنطقة الصناعية المؤهلة.
ويختم الباحث: «الواقع أن تعزيز التعاون الاقتصادي لن يحدث دون زيادة الاتصالات الاجتماعية بين القطاعات الخاصة. وهناك سابقة لهذه الروابط المعززة، التي ازدهرت لفترة وجيزة بعد صفقة (الكويز) بين مصر وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة عام 2004».