في ذكرى تحرير سيناء.. «الغربي» بطل أكتوبر المنسي
الأحد، 23 أبريل 2017 08:57 م إسلام ناجى
كانت الساعة تقترب من الثالثة والنصف عصرًا، عندما دق هاتف الدشمة في بنى سويف معلنًا حالة طارئة، ليجيب المقدم حازم الغربي في ترقب، وينصت إلى تعليمات الفريق أول محمود شاكر عبد المنعم – لواء وقتها – قائد ثاني القوات الجوية في حرب أكتوبر، قبل أن يتحول الترقب على وجهه إلى قلق يخالطه تحدي، وينهى المكالمة بـ«تمام يا فندم»، ويعود إلى رفاقه.
شعر المقدم حسن مأمون، صديق «الغربي» المقرب وزميل سلاحه، بتجهم صاحبه على غير عادة، فرغم الحرب وويلاتها لم تغب ابتسامته قط ولم تنتطفى لمعة عينيه أبدا، فاقترب منه مستفهمًا عن السر وراء صمته واستغراقه في التفكير، فألقى عليه نظرة خاطفة وهو يجيبه «المهمة المرة دى صعبة.. دفاعات الهدف الجوية حصينة جدًا.. ده غير أن في مجموعات كبيرة من الطائرات المعادية بتأمنه على طول».
استند مأمون على كتف صديقه بهدوء، ليطمأنه قبل أن يطلب منه أن يرفض المهمة إن كانت خطيرة وبغير فائدة، فلم يوافق«الغربي» على الاستسلام لليأس، وأصر على تأدية واجبه الوطني على أكمل وجه، حتى وإن كان الثمن حياته، وبدأ في تغيير تسليح طائرات سربه الثمانية بما يتوافق مع طبيعة المأمورية «تدمير وإيقاف رتل دبابات العدو في منطقة الثغرة بالدفرسوار».
أعلنت الساعة عن وصول عقاربها إلى محطة الخامسة، عندما صعد «الغربي» إلى كابينة طائرته صائمًا بعدما رفض الانصياع إلى إلحاحات «مأمون» المستمرة التي تحثه على الإفطار، وساعد الأخير صديقه في ربط نفسه، والاستعداد للمعركة، محاولاً السيطرة على دموعه التي شيعت صاحبه الوحيد مبكرًا، وأحست بالنهاية، ليفاجئ بـ«حازم» يخرج مصحفه الصغير من جيبه، ويمد إليه يده به، لتتأكد شكوكه.
أخرج «مأمون» ورقة من بين طيات ملابسه، وكتب عليها «لا إله إلا الله.. محمد رسول الله»، وقطعها نصفين، وأعطى نصفها الأول لصاحبه لتصاحبه فى حربه، بينما وضع النصف الآخر داخل المصحف قبل أن يقبله وتتساقط دموعه عليه، وهو ينظر إلى الطائرات الثمانية في سرب السوخوى 20 تحلق فى سماء الأراضى المصرية المحتلة متجهة إلى هدفها مباشرة، وتحمل كل واحدة منهم 96 صاروخ جو أرض للتعامل مع رطل دبابات.
قبل 120 ثانية من دخول منطقة الهدف، ظهرت طائرات الميراچ والفانتوم المعادية، أصدر «الغربي» أوامر إلى التشكيل أن ينفصل عن بعضه، فانفصلت أربع طائرات بما فيهم طائرته، ليدخلوا في اشتباك جوي غير متكافئ مع طائرات العدو الستة عشر في مساحة لا تتعدى 5 كيلومتر، لإفساح الطريق وتأمينه للأربع طائرات الخلفية إلي الهجوم علي الهدف وتدميره.
أمر «الغربي» زملائه الثلاثة بالمناورة الشديدة لاتجاه الشمال؛ ليسحب جميع الطائرات المعادية من فوق الهدف، وأطلق زميله أول صاروخ ليسقط إحدى طائرات العدو، ويبث الأمل فى نفوس الآخرين، وبعدها بلحظات أطلق «حازم» صاروخًا موجهًا إلي قائد التشكيل المعادي، فأسقطه علي الفور، قبل أن يتفقد حال الطائرات الأربعة الأخرى التى أنفصلت عنهم قبل الإشتباك، ويجدها تضرب دبابات العدو بحرية ونجاح.
لاحظ البطل أن طائرات العدو تشرع في الهجوم على زملائه، فقرر التضحية بنفسه فى سبيلهم، وتفتدائهم بحياته حرصًا على مصلحة الوطن، وعمل دوران أخير إلى الناحية الشرقية، لإفساح المنطقة أمام طائرات سربه الأخرى لإكمال مهمتهم، وتسقط طائرة المقدم حازم الغربي بينما ترتقى روحه الطاهرة المخلصة الوطنية إلى بارئها سعيدة بثوابها العظيم.