لماذا لا يستهدف داعش إيران؟
الخميس، 20 أبريل 2017 08:59 م
لم يتبنى تنظيم داعش الإرهابي أي عمليات تجاه دولة إيران، على الرغم من التعارض الفكري والمذهبي، فالتنظيم الذي يزعم انتماءاته «السنية» ومحاربته للشيعة في أرجاء العالم، اكتفى بالنعاق تجاه «طهران» الممثل الأكبر للتيار الشيعي في العالم، فإصداراته التي تخطت المئات لم تتناول إيران بشكل صريح إلى في مارس الماضي، وتناولت الدول السنية وعلى رأسها مصر والسعودية في عشرات الإصدارات التحريضية تجاهها.
في 27 مارس الماضي بث داعش أول إصدارته تجاه إيران بعنوان «بلاد فارس بين الماضي والحاضر»، أظهر عناصر له أسماهم «كتيبة سلمان الفارسي» في تدريبات قتالية يصوبون النيران على أهداف صورية للزعيم الروحي للثورة الإيرانية الخميني، والمرشد الأعلى الحالي علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني، والجنرال قاسم سليماني، أبرزز قادة الحرس الثوري.
غير أن الإصدار لم تكن في أي جدية فها قد مر ما يقرب من شهر ولم ينفذ التنظيم أي عمليات تجاه طهران، على غير عادته، فكانت أغلب الإصدارات التي هاجم فيها دولًا سرعان ما نفذ بداخلها عمليات إن لم تتحرك ذئابه المنفردة تجاه أهداف حيوية ومؤسسات تعج بالمواطنين، واكفتى الفيديو بمخاطبة الشعب الإيراني بسرعة الخروج على نظام «ولاية الفقيه».
العلاقة الإيرانية بالتنظيمات الإرهابية تدور حولها شبهات كثيرة، رغم تصريحات قائد الحرس الثوري السابق وأمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، ردًا على التهديد الداعشي، قال: «بداية انتم تفرون في كل مكان، اذا قمتم بأدنى إجراء ضد إيران أو مصالحها خارج البلاد، سنلاحقكم في أي مكان من العالم وسنعاقبكم بشدة، البلاء الذي سينزل عليكم سيكون أكبر من هزيمتكم في الموصل وحلب، فهناك لم تعاقبوا بسبب وجود السكان وهروبكم».
من بين تلك الشبهات أن الدولة الإيرانية تقف وراء التنظيم الإرهابي، كما كانت داعمًا أكبر لحركة طالبان وتنظيم القاعدة في التسعينات من القرن الماضي، وترجح تلك الفرضية، ما جاء على لسان أبو محمد العدناني المتحدث السابق لداعش - أعلن مقتله في أغسطس الماضي – في إصدار مسجل ردًا على تنظيم القاعدة بعدما اتهم الأخير داعش بمولاة إيران.
اعتراف داعش
«العدناني» في 2015 قال: «ظلت الدولة تلتزم نصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ورموزه، ولذلك لم تضرب الروافض في إيران منذ نشأتها، وتركت الروافض آمنين في إيران، وكبحت جماح جنودها المستشيطين غضبًا، رغم قدرتها آنذاك على تحويل إيران إلى برك من الدماء، وكظمت غيظها كل هذه السنين؛ تتحمل التهم بالعمالة لألد أعدائها إيران؛ لعدم استهدافها، تاركة الروافض ينعمون فيها بالأمن والأمان؛ امتثالًا لأمر القاعدة؛ للحفاظ على مصالحها، وخطوط إمدادها في إيران».
وتابع «العدناني» في كلمته التي حملت عنوان «عذرا أمير القاعدة»، «الدولة ليست فرعًا تابعًا للقاعدة ولم تكن يومًا كذلك، بل لو قدر لكم الله أن تطأ قدمكم أرض الدولة الإسلامية لما وسعكم إلا أن تبايعوها وتكونوا جنودًا لأميرها القرشي حفيد الحسين كما أنتم اليوم جنود تحت سلطات الملا عمر».
وأضاف: «إننا كنا، ولحين قريب، نجيب من يسأل عن علاقة الدولة بالقاعدة بأن علاقتها علاقة الجندي بأميره، ولكن هذه الجندية يا دكتور لجعل كلمة الجهاد العالمي واحدة، ولم تكن نافذة داخل الدولة كما أنها غير ملزمة لها، وإنما هي تنازل وتواضع وتكريم منا لكم، ومن الأمثلة على ذلك عدم استجابتنا لطلبك المتكرر بالكف عن استهداف عوام الروافض في العراق بحكم أنهم مسلمون يعذرون بجهلهم، فلو كنا مبايعين لك لامتثلنا أمرك حتى لو كنا نخالفك الحكم عليهم، هكذا تعلمنا في السمع والطاعة ولو كنت أمير الدولة لألزمتها بك ولعزلت من خالفك، بينما التزمنا طلبكم بعدم استهدافهم في إيران وغيرها».
أبرز قيادات الإرهاب
تنص توصيات داعش على أن تكون حالة السلام سائدة بين تلك التنظيمات وطهران، فالأخيرة فتحت أبوابها لقيادات قاعدية على رأسهم:
1- محمد صلاح الدين زيدان الملقب بـ «سيف العدل» المسؤول الأمني للتنظيم.
2- سعد بن لادن الابن الثالث لأسامة بن لادن.
3- سليمان جاسم بوغيث، كويتي الجنسية أول ناطق رسمي للقاعدة.
4- محفوظ ولد الوالد والملقب بـ«أبو حفص الموريتاني» وأول مسؤول شرعي.
5- مصطفى حامد، الملقب بـ«أبو الوليد المصري» منظّر الأفغان العرب.
6- علي عمار الرقيعي الملقب بـ«أبو الليث الليبي» أحد قيادات الجماعة الليبية المقاتلة.
7- عبدالله محمد رجب عبدالرحمن الملقب بـ«أبو الخير» مسؤول توفير جوازات السفر للمقاتلين.
8- محمد المصري عضو مجلس شورى التنظيم.
توصيات شيوخ التنظيمات
من بين تلك الرسائل ما نشر في 2005، «رسالة أيمن الظواهري لأبي مصعب الزرقاوي» أمر زعيم تنظيم القاعدة الحالي مؤسس «دولة العراق الإسلامية» بالتخلي عن مهاجمة عوام الشيعة بحجة أنها تنفر الجمهور، واعترف خلالها بأن إيران الشيعية تحتجز لديها قرابة 100 فرد من رجال التنظيم.
في 2005 نشرت رسالة أخرى للقيادي القاعدي سيف العدل، تحدث فيها عن علاقته بالأردني أبي مصعب الزرقاوي، وظروف هربهم من أفغانستان مرورًا بإيران، فيما سمي بـ«الانسياح» في الأرض، حسب سيف العدل، وسافر معه كثير من المقاتلين إلى إيران، واستغلوا هناك مقرات الحزب الإسلامي التابع للقائد الأفغاني حكمتيار، بعلم الإيرانيين.
مراكز بحثية
في دراسة قديمة لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، قال فيها: «تعتمد قابلية طهران على تنفيذ هجمات إرهابية عالمية على قدرتها على استدعاء مجموعة من الجماعات الإرهابية الموجودة في الشرق الأوسط المستعدة للعمل بإيعاز من إيران. وسيتم بالتأكيد استدعاء هذه الشبكة لتنفيذ ذلك النوع من الهجمات الإرهابية غير المتماثلة التي يمكن تنفيذها مع قدرة معقولة على إنكار المسؤولية مما يجعل الرد المستهدَف أكثر صعوبة».
ومن بين الجماعات الكثيرة التي ترعاها طهران هي «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» و«حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية» و «حماس» والميليشيات الشيعية العراقية. وثمة علاقات أخرى أقل شهرة مثل روابط إيران مع «حركة الشباب» الصومالية.
في دراسة أخرى لمركز «الخليج العربي للدراسات الإيرانية»، تم التأكيد على علاقة إيران بالجماعة الإسلامية في مصر، في السبعينات والثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين.
وتابعت الدراسة أن الجماعة كانت النواة الحقيقية لتنظيم القاعدة، وارتبطت إيران ارتباطًا وثيقا برجال الجماعة الإسلامية، خاصة بعد نجاح ثورة الخميني، واستقبال النظام المصري للشاه، فقامت الدولة الفارسية الوليدة بنصب العداء مع الدولة المصرية، ونظامها السياسي وقتئذ، وقامت بدعم المسلحين الذين يخوضون العمليات الإرهابية ضد الدولة المصرية.
وتابع المركز البحثي أن معظم قيادات الجماعة الإسلامية الهاربة من مصر ذهبوا إلى أفغانستان في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، وشكلوا مع آخرين، تنظيم القاعدة أثناء الحرب السوفيتية، وهؤلاء القادة ارتبطوا بشكل أو بآخر مع النظام الإيراني كما مرّ. ثم لما حصل الغزو الأمريكي لأفغانستان انتقلت قيادات كثيرة (قُدّرت ب 500 من أعضاء التنظيم وعائلاتهم) من أفغانستان إلى إيران، مما يؤكد تلك الصلة الوثيقة بين الجانبين، والتعاون الاستراتيجي بينهما، مع وجود التباين الأيدلوجي وبقائه.
الارتباط بين الجماعة الإسلامية والقاعدة وداعش، كلها ارتباطات فكرية فجميعهم خرجوا في رحم واحد، فتنظيم داعش الذي انبثق عن دولة العراق الإسلامية والتي كان يقودها أبو مصعب الزرقاوي وتولاها أبو بكر البغدادي، كل هؤلاء يكنون الاحترام للدولة الإيرانية.
هناك فرضية مؤكدة هي أن تنظيم داعش كان سببًا في نجاح معارك التركيبة (الديموغرافية) السكانية التي تخوضها إيران ومليشياتها الشيعية في العراق وسوريا، بعدما انسحبت فرق عسكرية وأمنية كاملة يقدر تعدادها بعشرات الآلاف من أمام مئات الجنود لتسليم ثاني أكبر مدينة في العراق لداعش.
محافظات الشمال العراقية والتي تتميز بجل سكانها من «السنة» باتت تعاني من ويلات الحرب وستعاني أكثر مع التمدد الإيراني وتوغل الميليشيات الشيعية وعلى رأسها الحشد الشعبي في المنطقة.