رأس الإرهاب القبيح تطل من قنا.. الفتنة السياسية والقبلية تسقط الصعيد في قبضة داعش
السبت، 15 أبريل 2017 05:55 م
يتسم صعيد مصر بصفات جغرافية وسكانية خاصة جدا، منذ عشرات السنين، فهو ذو طبيعة جبلية قاسية، وتبعد الكثير من مدنه وقراه عن التمدن والحضر، كما تحكمه العادات القبلية، التي تحمل إلى جوار المثل الأخلاقية العليا، بعض الغلظة والقسوة في المعاملة.
خلال العقود الماضية، اعتمدت القبائل والعائلات الكبرى في الصعيد وما أكثرها، على قوانينها الخاصة في إنهاء الخلافات فيما بينها، بعيدا عن سلطة الدولة، وبنائها القانوني، وذلك اعتمادا على ترسانة هائلة من الأسلحة بأيدي الكبير والصغير، حتى صار من المعتاد اشتعال الصراعات المسلحة بين العائلات، دون أن تتمكن الدولة، من التدخل لمحاسبة المعتدين.
فتنة الخلاف السياسي
عبر السنوات الست الماضية، انضم إلى أدبيات الصعيد عنصرا جديدا من الصراعات، التي كانت مقتصرة قديما على البحث عن الزعامة، أو تأمين المصالح التجارية والمالية، أو الحفاظ على الأرض تحت سطوة هذه العائلة أو تلك.
ويمكن أن نطلق على هذا العنصر الجديد، الذي صار مدعاة للخلاف بين أبناء الصعيد، هو «الانتماء السياسي» فمنذ ثورة 25 يناير 2011، شهدت محافظات الصعيد انقساما سياسيا حادا، اعتمد على لون كل قبيلة أو عائلة، وميلها إلى طرف دون آخر، فوجدنا شباب الثورة ووجدنا الإخوان والسلفيين، بل وحتى الإشتراكيين الثوريين.
وتفاعلت الأحداث السياسية في الصعيد، كما حدث في بر مصر بأكمله، لتفرز القليل من الاتفاق، والكثير جدا من الاختلاف، والعداء، وهو ما تجذر وصار جزءا من الواقع، عقب اندلاع ثورة 30 يونيو3 201 واقتناع البعض، بأنها ثورة ضد الدين، وممثليه السياسيين، من الإخوان والسلفيين.
إرهاب يونيو
جاءت الهجمات الإرهابية، التي تلت ثورة 30 يونيو، لتضع الجميع أمام حقيقة مهمة وهي أن التيار المناوئ للتغييرات التي أحدثتها تلك الثورة، لن يقف مكتوفي الأيدي، وأنه قرر أن يستعيد جميع خبراته في العمل المسلح، من أجل الانتقام من الدولة والمجتمع، وتوجيه ضربات في الصميم، لنسيج هذا المجتمع.
وفي السنوات التي تلت ثورة يونيو، جذبت الأوضاع بالغة السخونة، في سيناء انتباه الدولة المصرية، بجميع أجهزتها، خاصة بعدما أعلنت القوات المسلحة الحرب على الإرهاب، وشهدت مصر منذ يونيو 2013، عددا هائلا من الجرائم الإرهابية، التي كان القاسم المشترك فيها جميعا، هو الرغبة في الانتقام من مؤسسات الدولة باعتبارها ساندت الشعب في ثورته على الإسلام السياسي الفاسد، الذي مثلته الإخوان، وكذلك الانتقام من نسيج المجتمع، الذي عبر عن غضبه من تعاطي الإسلام السياسي مع السلطة، وسعيه للاستيلاء على هوية الوطن.
الصعيد المنسي
وأعطى الجميع، وبخاصة الإعلام، ظهره للصعيد، ونسينا أنه جزء من مصر، تتفاعل فيه الأحداث كما تتفاعل في كل شبر على أرض المحروسة، وبقي الوضع كذلك إلى أن وقعت المفاجأة، وكشفت جريمة استهداف كنيستي مارجرجس في طنطا، ومارمرقس في الإسكندرية حقيقة خطيرة، وهي أن خلايا داعش لها وجود في الصعيد، وأن هذا الوجود بدأ يعلن عن نفسه ويطل برأسه القبيح، وسط بيئة قادرة على أن تصنع منه وحشا جديدا، كالذي واجتهته الدولة في سيناء.
ولعل أخطر عناصر البيئة التي يعيشها الصعيد، والقادرة على منح داعش قبلة الحياة، هو امتلاك جميع عائلات الصعيد تقريبا، ترسانات من الأسلحة، فضلا عن حالة الانقسام التي بدت واضحة، هناك على خلفية الأحداث السياسية التي جرت طوال السنوات الماضية، فضلا عن القبلية المعتادة هناك من الأساس.
معلومات خطيرة
الخبير الأمني خالد عكاشة، يشير إلى أن المعلومات التي كشفت عنها التحقيقات، التي تلت هجمات الإرهاب في طنطا والإسكندرية عن أن المناطق التي خرج منها الإرهابيون في شرق قنا، مناطق جبلية، تشبه الجغرافية السيناوية، ما يسهل التحرك وإقامة المعسكرات وفعاليات التدريب.
ولفت في تصريح لـ «صوت الأمة»، إلى أن ثبوت ضلوع خلية من محافظة قنا في الهجمات الإرهابية التي استهدفت الكنائس خلال الفترة الماضية، وآخرها الهجوم على كنيستي طنطا والإسكندرية، يؤكد تصاعد خطورة الدواعش في الصعيد، موضحا أن انتشار الفقر وانهيار الخدمات في معظم مناطق الصعيد، يمثل أرضا خصبة لانتشار الفكر التكفيري.
وشدد عكاشة على أنه من الضروري، ألا يمر اكتشاف وجود خلية إرهابية في قنا مرور الكرام، مضيفا: «لا بد من إجراء مسح شامل لمدن الصعيد بأكملها، من أجل التأكد من مدى توغل هذه العناصر العائدة، ومدى انتشار الخلايا النائمة في هذه المحافظات البعيدة عن الحضر».
ودعا الخبير الأمني إلى البدء فورا في تنفيذ برنامج واسع الانتشار، ليحتوي جميع السلبيات الفكرية، والاجتماعية التي تملأ عقول الشباب، ويستغلها الإرهابيون لاستقطاب عدد من الشباب ضعاف العقول.
ولفت إلى ما توافر من معلومات خلال تحقيقات النيابة، حول صدور تعليمات من قيادات تنظيم داعش، إلى أتباعه في ليبيا، بإرسال عناصره إلى صعيد مصر، لتشكيل خلايا عنقودية ومعسكرات للتدريب هناك.
وأشار عكاشة إلى أن قنا واحدة من أكثر محافظات الصعيد، التي تتسم المعاملة فيما بين عائلاتها بالعنف الشديد بسبب الثأر، لافتا إلى أنها شهدت منذ ثورة يناير وحتى الآن، أكثر من 80 خلافا ثأريا، وقع بسببهم عشرات الضحايا.
وتابع قائلا: «يجب الحذر والاهتمام بالصعيد، والانتباه لما يدور في الدهاليز الجبلية بمصر العليا؛ حتى لا نفاجأ بوضعية جديدة لداعش، بعد الانتهاء منه في سيناء، خاصة في ظل ارتفاع معدلات الخطورة، بسبب ما يجري في ليبيا، وكذلك العائدون من سوريا».