«أم بستاني».. حكاية السيدة العجوز التي أبكت أطفال مصر القديمة بسبب «سبت النور»

السبت، 15 أبريل 2017 03:12 م
«أم بستاني».. حكاية السيدة العجوز التي أبكت أطفال مصر القديمة بسبب «سبت النور»
صورة ارشيفية
كتبت- منال العيسوى

سيدة عجوز تخطت الستين عاما، جلست أمام منزلها وبجوارها «هون نحاسي» مغطى بقطعة شاش بيضاء، ترتدي جلبابا أسود فضفاض ومتشحة بطرحة بيضاء يعلو وجهها- ابتسامة- تعيد رسم تجاعيد الوجه الذي شهد على أحداثٍ مضت، وبالقرب منها أمهات تقف كل واحدة بأطفالها والخوف يرتسم على وجوه بعضهم بينما وقفت الأخريات تضحكن.
 
مشهد يحفظه عن ظهر قلب كل أطفال مصر القديمة، إذا بالأم تقترب ممسكة بطفلتها، وتجرها على الأرض في اتجاه العجوز، وبيد تسكنها القوة وخبرة السنوات تمد العجوز اصبعها السبابة داخل الهون ليخرج أسمر كالفحم تتلألأ فيه لمعة الحجر الفضي، وتقترب من عين الطفل الذي وضعت رأسه على فخذها ضاغطة عليه بكوعها وتضع الكحل بعينه ثم تنهره بضربة ليجري باكيا.
 
إنها الحاجة «فاطمة الشورى»، أو أم بستاني، كما يناديها أطفال حي مصر القديمة، التي تجلس ويأتون لها بأطفال الشارع صبيان وبنات، لتكحل عيونهم.
 
الحاجة فاطمة أم لستة رجال وثلاث سيدات ربتهم بكدها وبعد العمر المديد، وهبت حياتها لأحفادها وأطفال منطقتها، حتى ذاع صيتها وبات منزلها مزارا لنساء المنطقة صباح «سبت النور» مسيحيات ومسلمات، فالكحل يطهر العين وصحة أيضا، تلك هي معتقداتهن.
 
«كحل سبت النور».. عادة قديمة يمارسها من كان له أصول ريفية، فهم كانوا يضعون بأعينهم ما يسمى بـ«الكحل الحراق»، وعرف بهذا الاسم لأن السيدة كانت تغرس أحد أصابعها في ماء البصل ثم تضعه في الكحل، ثم تفتح العين على اتساعها قبل وضع الكحل، الذي ينتج عنه فورا دموع غزيرة.
 
وهو حجر فضي اللون يسحق في «هون نحاسي»، مع خلطة من عرق الذهب والشابة وسكر النبات وجوزة الطيب، ثم يوضع الخليط في مكحلة أو زجاجة، هذه الخلطة تعرف بـ«الكحل» وتستخدم في «سبت النور».
 
وتقول أم منال، إحدى السيدات التي اعتادت أن تأخذ بناتها الثلاثة للحاجة فاطمة، أن هذه العادة ورثتها من أمها وأجدادها وهي تبدأ بتجهيز الخلطة السابقة قبل بداية الأعياد المسيحية، وعندما يأتي يوم السبت يتسابق أهالي «حتتها» في مصر القديمة، حتى تقوم بتكحيل الكبار قبل الصغار، بشرط أن يكون في الصباح الباكر أثناء الشروق أو بعد صلاة العصر والأطفال يعتبرون هذا الكحل بمثابة عقاب، لأنه يحرق العين، حتى أن بعض الأمهات تهدد الأبناء باستخدامها في حال ارتكابهم للأخطاء.
 
وتقول أم منال، إن «كحل سبت النور يجعل العين تنور طول السنة»، طبقا للاعتقاد الشائع، كما أنه يعالج العين من أمراض كثيرة، فالرسول محمد كان يقوم بتكحيل عينه ويوصي به لما له فوائد للعين وإنبات الرموش، على حد قولها.
 
جدير بالذكر أن سبت النور إحدى الإبداعات المصرية التي توارثتها الأجيال في التاريخ الحديث حتى أصبحت عادة فلوكلورية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق