الرسائل الثلاث للضربة الأمريكية على سوريا
الجمعة، 07 أبريل 2017 02:38 م
جاءت حادثة إلقاء قنابل كيماوية على مدينة خان شيخون السورية فرصة ذهبية استغلتها إدارة "ترامب" لترسل ثلاث رسائل:
الرسالة الأولى داخلية: الرئيس الأمريكي كان كالآلة المزعجة كثيرة الكلام قليلة الفعل ولم يحقق من أجندته الداخلية إلا أقل القليل لدرجة أن البعض شبهه بالرئيس الأمريكي "هربت هوفر" الذي كان ماهرا في الكلام مترددا في القرار.
جاءت هذه الفرصة ليعلن دونالد ترامب للجميع أنه "صاحب قرار" وإذا اتيحت له الفرصة سيكون "صاحب القرار"ـ وأن قدرته على الكلام وخطف الكاميرات لا تعني ضعف قدرته على مفاجئة الجميع بقرارات حاسمة.
معدل الرضا عن آداء ترامب كان يتراجع بشدة حتى وصل إلى قرابة الـ 35 بالمائة، ولا يوجد أفضل من المغامرات الخارجية لقضية تمس المشاعر الإنسانية (وهذه هي القراءة الشعبية الأمريكية بعد فيض الفيديوهات والصور عما حدث في خان شيخون) أو المصالح الوطنية المستقرة حتى يلتف المواطنون المترددون أو المحبطون خلف مؤسساتهم الوطنية ورئيسهم إن نجح في فرض صورته كقائد صاحب قرار صائب وتقدير سليم للأمور.
وستشهد معدلات الرضا عن أداء ترامب ارتفاعا ملحوظا في الأيام القليلة القادمة.
الرسالة الثانية لروسيا: تقول إدارة ترامب لإدارة بوتين إن أمريكا موجودة وإن شعار "أمريكا أولا" أو "أمريكا عظيمة مجددا" الذي رفعته حملة ترامب أثناء الانتخابات لا يجعلها عاجزة عن أن تفرض وجودها وحضورها وأوراقها على الجميع إذا دعت الحاجة.
إذا كان أوباما مترددا لأنه أصيب بعقدتي "العراق وأفغانستان" اللتين ورثهما عن جورج بوش الإبن وعقد سوريا وليبيا واليمن والتي بدا فيها وكأنه صاحب "لا رؤية" أو رؤية حائرة غير واضح فيها أين الثوابت وأين المتغيرات، ما الأهداف وما الوسائل، وما هو واجب التنفيذ فورا وما ينبغي تأجيله، فإن ادارة "ترامب" لن تسير على نفس النهج وأنها تملك ذراعا عسكرية قوية وإرادة سياسية فاعلة.
ومع ذلك، إدارة ترامب لا تريد أكثر من "اللقطة السابقة" ولا تريد أن تكون هذه الضربة العسكرية مقدمة لمواجهة دبلوماسية أو عسكرية مع روسيا ولهذا أوضحت الخارجية الأمريكية في أكثر من رسالة أن هذه الضربة ليست جزءا من مواجهة ممتدة.
الرسالة الثالثة للحلفاء: حلفاء واشنطن اعتبروا أن فترة ترامب هي عودة لمبدأ "مونرو" التقليدي القائم على عزلة أمريكا وانكفائها داخليا والبعد عن التكاليف الباهظة للمغامرات الخارجية، وهنا انقسم حلفاء أمريكا إلى فريقين.
بعض الحلفاء تخوفوا من هذه الفكرة لأنها ستعني تراجع واشنطن عن دورها في دعم "حلف الناتو" كالدعامة الأساسية لأمن أوروبا ومواجهة مصادر التهديد للنظام العالمي الموصوف بالحر (وتطبيقاته الديمقراطية في عالم السياسة وتطبيقاته الرأسمالية في عالم الاقتصاد).
ولنأخذ على ذلك مثالا كل الساسة الألمان تقريبا وعلى رأسهم أنجلا ميركل، رئيسة الوزراء، التي رأت في ترامب خروجا على تقاليد أمريكية مستقرة في قيادة عالم أصبح بفضل ثقل أمريكا أقل فاشية وأقل شيوعية. وهي لم تكن تخفي دعمها لهيلاري كلينتون بل لأي مرشح غير دونالد ترامب تخوفا من توجهاته الشخصية التي لا تبدو متسقة مع أي نسق أيديولوجي معروف. ولكنها الآن غالبا ستفعل مثلما فعل وينستون تشرشل حين رقص فرحا بعد أن علم أن ألمانيا أغرقت سفينة حربية أمريكية في عام 1944 بما كان يعنيه ذلك من أن تدخل أمريكا الحرب ضد ألمانيا وتنقذ انجلترا من مواجهة غير متوازنة مع الجيش الألماني. وقد كان. الآن دخلت أمريكا ساحة الفوضى العسكرية والسياسية العالمية وستكون مطالبة بمواقف واضحة في الكثير من القضايا التي لا تستطيع أوروبا المنقسمة والمترددة أن تتحمل فيها المسئولية وحدها. وقد ترقص أنجلا ميركل ومعها الكثير من الساسة الأوروبيين الذين خشوا من أن يغري الفراغ الاستراتيجي الذي كانت ستتركه أمريكا روسيا بأن تجعل نفسها القابضة على موازين القوة في أوروبا والعالم.
ولهذا، رحبت أوروبا واليابان واستراليا وتركيا ودول الخليلج بالضربة الأمريكية على محدوديتها لأنها أعطت لهم ثقلا وأملا في أن التخلص من بشار الأسد لا يزال على أجندة البيت الأبيض.
وعلى جانب آخر، رحب كثير من الساسة اليمينين والشعبويين في العالم بعزلة أمريكا تحت ترامب ولكن المفاجأة أصابتهم حيث كانوا لا يتوقعون ولنأخذ فرنسا مثالا: الرئيس الفرنسي يرحب بالضربة الأمريكية لكنه يؤكد أنها لا بد أن تكون في إطار "الأمم المتحدة" وكأنه ترحيب بالضربة وانتقاد لها في نفس الجملة. المرشحة اليمينية "ماري لوبان" كانت واحدة من أكثر المدافعين عن شعارات "ترامب" الانعزالية ولكنها خرجت بلغة مترددة تعليقها على الضربة الأمريكية لتقول: "لم يكن هناك مشكلة إذا انتظرنا قليلا لنتعرف على نتائج التحقيقات."
الرسالة الرابعة:
ماذا نستفيد أو نستنتج نحن العرب مما حدث؟
لا شيء، لأننا ذهبنا حين تمذهبا، وذهبت ريحنا حين تفرقنا. ومصير سوريا سيتحدد بقرارات ستتخذ بعيدا عن ارادة شعبها وفي عواصم غير عربية.